"أبلي..وأخلِقي.."
نعيش في أيامنا هذه ترفاً لم يعهده الأوائل، إذ هجمت علينا كثير من العادات الغريبة التي يأتي على رأسها الانبهار بالموضة، وحب امتلاك الثياب الأكثر لفتاً للأنظار.
وهو ما يجعلنا نتساءل : هل باتت ثيابنا اليوم تخلق بعدما تبلى ؟ ، أم إنّها من كثرتها لا تبلى، وإنَّما تخلق دائماً ؟
حقيقةً، فكرت كثيراً عندما قرأت هذا الدّعاء،فيم كانت صحابياتنا الجليلات وأمهاتنا المؤمنات يمتلكن من الثياب خاصة، ومن رفاهيات الحياة عامة.
لن أتكلّم اليوم عن زهد قد لا أكون سبقتكم إليه، وإنَّما سأتحدث عن تقدير لنعم كبيرة نحن بها ، وللنساء خاصة .
أختي الحبيبة ...
هل أنت ممن يقرّر فجأة أنَّ أثاث المنزل أصبح "موديل قديم" فيرمى خارجاً؟.
وهل أنت أختي ممَّن يشتري الثياب لمجرد "هواية " فتكدس في خزانة سبقها إليها مثيلاتها، حتى يحن قلبك فتعطيها لمن يستحقها "ولا أقول ترمى في سلة المهملات"
وهل أنت ممَّن يهوون تتبع الموضة بكلِّ إحداثياتها، فلا يهدأ لك بال ولا تقرّ لك عين حتّى يضج منزلك بكلِّ ما هو " على الموضة " ؟!
وهل أنت ممَّن ينامون فيحلمون بالسوق والتسوّق حتّى إذا حانت الفرصة فكأنّه العيد أو أكثر ؟!
أخواتي الحبيبات، أعلم أنَّ كثيرات منكنّ ينكرن هذا، وأتمنى أن أكون قد ذكرت ما هو بعيد عن معظمنا، بل وأتمنى أن تكون منكنَّ من لم تصادف أختاً لها بهذه الصِّفات أو إحداها.
ولكنّني وللأسف، أرى أننا نعيش في عصر ملكتنا فيه قيم مادية، وأفكار دخيلة، فلا نكاد ننتصر على فتنه إلاَّ طالعتنا أختها .
وإنني ما قرَّرت الحديث عن هذه المعضلة إلاَّ بعدما رأيت من تصرفات هجينة على بعض الأخوات، والأدهى أنَّها قد تكون من أخواتنا الملتزمات وربما الدَّاعيات؟!
أهل الآخرة ..
أولاً أذكرك ونفسي أختي الحبيبة بحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب ، أو عابر سبيل)) .. وكان ابن عمر يقول : (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك) . (رواه البخاري).
فهل أشكل علينا العصر الذي نعيشه "عصر الموضة"، أم أنَّ الخلل في نفوس وقلوب لم تدرك بعد ماهية القربى وحسن المآب .
لا أتحدَّث هنا عن جمال ونظافة تبتغيها كلّ منّا في منزلها ولعائلتها، ولكنّي أتحدَّث عن إسراف، وأكثر منه أحياناً يطال كثيراً من بيوتنا من حيث لا يشعرون، أو يشعرون فلا يكترثون .
إسراف يمقته الله تعالى، فيقول عز من قائل: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}. (الإسراء : 27 ).
نقنع أنفسنا أحيانا بأننا مضطرون على مجاراة المجتمع، فمكانتنا الاجتماعية و"بريستيج" العائلة ومتطلبات الاندماج والتكيّف، تقتضي منّا بعض التساهل، والجارات والأقارب والأصحاب، كيف نعيش في عصر غير عصرهم، وكيف نكون دعاة ونحن معزولون ؟!
وهنا أسأل نفسي، هل أنا أعزّ من عمر بن عبد العزيز مكانة؟!
يقول مسلمة بن عبد الملك : دخلت على أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أعوده في مرضه الذي مات فيه ، فإذا عليه قميص وسخ، فقلت لفاطمة بنت عبد الملك - وهي أخت مسلمة وزوجة عمر- : يا فاطمة، اغسلي قميص أمير المؤمنين . فقالت : نفعل إن شاء الله تعالى .
يقول: ثمَّ عُدت، فإذا القميص على حاله ، فقلت: يا فاطمة، ألم آمرك أن تغسلي قميص أمير المؤمنين، فإنَّ الناس يعودونه. فقالت : والله، ما له قميص غيره !
هكذا كان الرَّجل الأوَّل في الدَّولة الإسلامية ..
وإنّي لا أطالب النساء أن يفعلن كعمر بن عبد العزيز .. ولكن أرجوهن بأن يرضين بما لديهن من ثياب مكدسة، ولا ينكرن نعمة الله عليهن.
في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((طُوبى، لمن هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافاً ، وقنع)). (رواه الترمذي في سننه وابن حبَّان في صحيحه، وأحمد في مسنده).
أختي الحبيبة ..
صحيح أنَّ الله يحب أن يرى أثر نعمته على عباده، ولا ضير في جديد مباح وجميل يحبه الله، ولكن إياك والإسراف، واقنعي بما آتاك الله . وأدعو لك كما دعا صلّى الله عليه وسلّم : أَبْلِي وأَخْلِقِي لكلّ جديد لبسته .. (والإبلاء والإخلاق بمعنى واحد وهو دعاء منه صلَّى الله عليه وسلّم لأم خالد كما في صحيح البخاري بأن تعيش ويطول عمرها حتى يبلى ثوبها ويخلق).
للجدات حكمٌ تكتب بماء الذهب..يقولون "أجره..ولا هجره"..ولك أخيتي الحبيبة أن تنظري نظرة سريعة إلى ما "هجرت" من ثياب لا تحتاجبنها لعلك بها "تسترين" من لا يجد "ثوباً"...
ولك مني كل الحب...ولا تنسي أن تحمدي من يستحق كلَّ الحمد..
أختك.."لباقة"