في مساء يوم السبت الموافق 23 من يناير كانت على موعد مع حياة جديدة، سماتها الظلم والقهر ومصادرة الحريَّة الشخصية، فقد ألقت قوات الأمن اليمنية القبض عليها، بتهمة إقامة تجمعات ومسيرات غير مرخصة لها قانوناً، والتحريض على ارتكاب أعمال فوضى وشغب وتقويض السلم الاجتماعي العام، واقتيدت إلى سجن تابع للدَّاخلية ممَّا أثار ضجة كبيرة واستنكاراً شعبياً واسعاً أجبر السلطات اليمنية على الإفراج عنها خلال أقل من 24 ساعة، فارتفعت شعبيتها وزاد حجم التعاطف معها؛ إنَّها الناشطة اليمنية توكّل كرمان .
اسمٌ ذاع صيته في الأيام القليلة الماضية بعد أن توجّت بجائزة نوبل للسلام للعام 2011 تكريماً لدورها في الثورة اليمنية، فقد تزعمت الحركة الشبابية الاحتجاجية المطالبة بالتغيير وإسقاط النظام، وقد أطلقت الشرارة الأولى للثورة اليمنية من خلال حركة احتجاجات صغيرة الحجم و كبيرة المطالب عبر الاعتصام كلّ يوم ثلاثاء، أمام مقر مجلس الوزراء اليمني برفقة عدد قليل من الصحافيين والحقوقيين، بعد أن أطلقوا على مكان الاعتصام ساحة الحرية.
يشبها أنصارها بملكة سبأ "بلقيس" التي سجلت تاريخاً ناصعاً للمرأة اليمنية في الحكم وامتثال الرِّجال لأوامرها وفي نهج التحرر والديمقراطية والشورى التي تحدث عنها القرآن الكريم، بينما يصفها المحايدون بالمرأة الجريئة التي كسرت حاجز الخوف بالنسبة للمرأة اليمنية.
من تكون ؟؟
توكل كرمان هي ابنة ( عبد السَّلام كرمان) القيادي الكبير في حزب التجمع اليمني للإصلاح "الإخوان المسلمين "، ويشغل حالياً عضو مجلس الشورى للدَّولة، وهي تنحدر من عائلة تنتمي إلى الحركة الإسلامية، وتشغل حالياً رئيسة منظمة صحفيات بلا قيود منذ عام 2005م، وعضو بمجلس الشورى في التجمع اليمني للإصلاح .
ولدت عام 1979 في شرعب بمحافظة تعز، تخرَّجت من جامعة العلوم والتكنولوجيا التي تتبع التجمع اليمني للإصلاح، بصنعاء، حصلت على بكالوريوس تجارة عام 1999 بتقدير جيّد جداً، وبعدها حصلت على الماجستير في العلوم السياسية.
تحمل توكل دبلوم عام تربية بتقدير جيّد جداً حصلت عليه عام 2000 من جامعة صنعاء، إضافة إلى دبلوم كامبردج في اللغة الإنجليزية وآخر في البرمجة اللغوية العصبية.
هي عضو في العديد من مؤسسات مدنية محلية وعالمية، أبرزها عضو نقابة الصّحافيين اليمنيين، وعضو اتحاد الصحافيين العرب، وعضو اتحاد الصحافيين العالميين، وعضو صحافيين لمناهضة الفساد (YEMENJAC)، وعضو المنظمة الدولية للصحافة (IRE)، وعضو مؤسس منتدى (WANA) لدول غرب آسيا وشمال إفريقيا، وعضو منظمة الخط الأمامي FRONT LINE وعضو منظمة العفو الدولية.
كرَّمتها السّفارة الأمريكية لشجاعتها في الثورة اليمنية ومنحتها جائزة الشجاعة، كما تمَّ اختيارها من قبل منظمة مراسلون بلا حدود الدولية التي يوجد مقرها في باريس، كواحدة من سبع نساء كبار أحدثن تغييراً في العالم.
اختارتها مجلة التايم الأميركية بالمرتبة الثالثة عشرة في قائمة أكثر مئة شخصية مؤثرة في العالم لعام 2011 حسب اختيار قرَّاء المجلة، وتمَّ تصنيفها ضمن أقوى 500 شخصية على مستوى العالم .
توكل والتظاهرات ..
شاركت توكل وقادت العشرات من التظاهرات والاعتصامات، فتاريخها حافل بالنضال من أجل انتزاع الحقوق منها أكثر من 80 اعتصاماً في 2009 و 2010م للمطالبة بإيقاف المحكمة الاستثنائية ضد الصحفيين، وضد إيقاف الصحف، وضد إيقاف صحيفة الأيام ، و5 اعتصامات في 2008 ضد إيقاف صحيفة الوسط ، 26 اعتصاماً في عام 2007 للمطالبة بإطلاق تراخيص الصحف وإعادة خدمات الموبايل الإخبارية .
وشاركت في العديد من الاعتصامات والمهرجانات الجماهيرية في الجنوب المنددة بالفساد والمطالبة بحقهم في الشراكة في السّلطة والثَّروة على رأسها اعتصام ردفان، الضالع، كما أعدت العديد من أوراق العمل في عديد من الندوات والمؤتمرات داخل الوطن وخارجه حول حقوق المرأة، حرية التعبير، حق الحصول على المعلومة، مكافحة الفساد، تعزيز الحكم الرَّشيد.
وقد ساهمت توكل في صياغة العديد من التقارير السنوية الراصدة لحرية التعبير، التقرير السنوي الأول والثاني والثالث والرَّابع الخاص بمنظمة صحفيات بلا قيود حول الحريات الصحفية في اليمن ، كما ساهمت في إعداد التقرير السنوي الأوَّل والثاني لصحفيين لمناهضة الفساد حول الفساد في اليمن، وساهمت في وضع الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد .
جائز نوبل ..
كل هذا الرَّصيد الكبير من النضال الثوري رفع أسهم توكل كرمان وجعلها من أكبر المرشحين للفوز بجائزة نوبل للسَّلام ، ففي يوم السَّابع من أكتوبر الجاري فازت توكل بجائزة نوبل للسّلام مقاسمة مع رئيسة ليبيريا الين سيرليف، والناشطة الليبيرية ليما غبويي، لتكون بذلك أوَّل امرأة عربية تفوز بهذه الجائزة منذ إنشائها في العام 1901.
استقبلت كرمان خبر فوزها بتعامل ثوري، وحولتها لمناسبة تأجج ثورة اليمن، حيث أعلنت أنَّ هذا الفوز هو تكريم لكلِّ العرب والمسلمين والنساء”. وأضافت أنّها تهدي الجائزة إلى كلِّ نشطاء الربيع العربي، مؤكّدة أنَّ الجائزة يفترض أن تمنح إلى الشعب اليمني المرابط في الساحات، مشيرة إلى أنَّ هذه الجائزة انتصار للثورة اليمنية ولسلمية هذه الثورة، التي اندلعت شرارتها منتصف يناير الماضي، والتي تطالب بإنهاء حكم الرئيس اليمني علي عبد الله صالح. ولفتت إلى أنَّ الجائزة “اعتراف من المجتمع الدولي بهذه الثورة وحتمية انتصارها”.