رغم إتمام صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية، ودولة الاحتلال الصهيوني، ما يزال الأسرى الفلسطينيون، يخوضون معركة جديدة من معارك الأمعاء الخاوية، يجوعون ويتألمون بل ويصيبهم الإعياء في سبيل الحفاظ على كرامتهم، ورفض الذل والهوان.
ولا يعاني الأسرى خلال إضرابهم فقط من الجوع بل إن إدارة سجون الاحتلال تلجأ إلى تصعيد أساليبها القمعية، من بينها قطع الملح مما يهدد بتعفن أجسادهم وأمعائهم في وسيلة للضغط عليهم، وسحب كافة الأجهزة الكهربائية من عندهم وعزلهم تماماً عن العالم. كما قامت بعزل جماعي لعدد كبير منهم، كعزل 53 أسيراً مضرباً في قسم خاص في سجن شطة، وعزل أسرى مضربين في أقسام السجناء الجنائيين، ومنع المحامين من زيارتهم، بالإضافة لعمليات الدهم والتفتيش الاستفزازية لغرف وأقسام المضربين كما حدث في سجن عسقلان وإطلاق الغاز عليهم، ما أدى إلى نقل عدد من الأسرى إلى عيادات السجن.
حول هذه القضية، حاور موقع "بصائر" النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، بغزة، الدكتور أحمد بحر. فإلى تفاصيل الحوار :
بصائر: بداية كيف تنظر إلى صفقة التبادل التي أبرمتها المقاومة مع جيش الاحتلال ؟
د.أحمد بحر:إن إتمام الصفقة يشكل إنجازاً تاريخياً وعرساً وطنياً كبيراً لشعبنا الفلسطيني وأسراه البواسل في سجون الاحتلال وعوائلهم الكريمة التي عانت طويلاً جراء سياسات الاحتلال وممارساته الإجرامية. نبارك صفقة تبادل الأسرى التي أُعلن عن إنجازها والتي تقضي بمبادلة ألف و27 أسيرا فلسطينيا مقابل الجندي المحتجز في قطاع غزة منذ خمس سنوات جلعاد شاليط، على أن تتم على مرحلتين، بحيث تشمل المرحلة الاولى 450 اسيرا ستتم خلال أسبوع من هذا الوقت والثانية ستكون بعد شهرين من تنفيذ المرحلة الأولى وقوامها 550 أسيرا، على أن يتم تبييض السجون من النساء والأطفال.
لذا فإن إتمام الصفقة يشكل إنجازاً تاريخياً وعرساً وطنياً كبيراً لشعبنا الفلسطيني وأسراه البواسل في سجون الاحتلال وعوائلهم الكريمة التي عانت طويلاً جراء سياسات الاحتلال وممارساته الإجرامية.
وإنجاز صفقة "شاليط" بهذا الشكل المشرف، ووفقاً لشروط المقاومة، يشكل انتصاراً كبيراً لشعبنا الفلسطيني، وانتصاراً مباركاً لخيار المقاومة والجهاد على خيار التسوية المذلة والعبثية التي أدخلت شعبنا في متاهات ونكسات لا تحصى طيلة العقدين الماضيين، وتأكيداً على أنّ تحرير الأسرى لن يتم إلا عبر خطف المزيد من جنود الاحتلال، لأن العدو لا يفهم إلا لغة القوة.
لذا كنا نؤكد دائمًا بأن هذا الإنجاز قادم، وأن الاحتلال سيرضخ في النهاية لشروط المقاومة مهما طال الوقت، لأنه جرّب كل الخيارات بما فيها الحرب على غزة، واختطاف النواب، وتشديد ظروف اعتقال الأسرى والتضييق عليهم، لكنه فشل في استعادة شاليط.
كما تشير الصفقة إلى مرحلة جديدة من الانتصارات الفلسطينية على الكيان الصهيوني بإذن الله، وأقول للأسرى آن لمعاناتكم أن تنتهي، وأن تتنسموا عبير الحرية والخلاص، و تعودوا إلى أحضان أهلكم وأبناء شعبكم وتستعيدوا دوركم في خدمة وطنكم وقضيتكم بعد طول ألم ومعاناة وفراق.
والمرحلة القادمة هي مرحلة المقاومة بلا منازع، ويحق لشعبنا اليوم أن يعبر عن فرحته ويطلق العنان لمشاعره الفيّاضة بإنجاز الصفقة على أمل الانتصار الأكبر والفرحة الكبرى بالإفراج عن بقية الأسرى وتحرير الأرض والمقدسات من نير الاحتلال الصهيوني.
بصائر: كيف ترى ما يحدث الآن للأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، خاصة بعد الإضراب المفتوح عن الطعام، والذي أعلنه الأسرى منذ السابع والعشرين من أيلول الماضي؟
د.أحمد بحر:نحن نؤكد بأن هذا الإضراب الإضراب الذي يقوم به الأسرى يعبر بصورة واضحة عن مدى التعسف والإجرام الصهيوني. لذا فهو يحتاج إلى تضافر جميع الجهود لإنجاحه ونصرة قضية الأسرى الذي أُعلن من قبل الأسرى إنّما يعبر بصورة واضحة عن مدى التعسف والإجرام الصهيوني، والأسرى يدافعون بأمعائهم الخاوية عن القدس وفلسطين، ولهم منا كل تحيةٍ وإجلالٍ وإكبار، كما يدافعون وهم في الخط الأول عن شرف الأمة العربية والإسلامية.
ولا بد هنا من تضافر جميع الجهود من أجل نصرة أسرانا، ففي كل صباح تتصاعد الإجراءات التعسفية والممارسات القمعية بحق إخواننا وأبنائنا الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني الذين يعانون مرارة السلاسل والقيود ويكابدون الوجع والألم في الزنازين وأقبية التحقيق ويجابهون بطش السجان بإرادة لا تقهر وإباء لا يعرف اللين أو الانكسار، ويواجهون كل يوم سياسات وقوانين صهيونية عنصرية تشدد الخناق عليهم وتمتهن كرامتهم الآدمية وتحرمهم من أبسط حقوقهم الإنسانية.
بصائر: ماذا عن الدور الذي لعبه المجلس التشريعي الفلسطيني للتعامل مع ملف إضراب الأسرى؟ وما هي الآلية الفعّالة المجدية للتضامن مع الأسرى بعيداً عن الإطار التقليدي الموسمي؟
د.أحمد بحر: أولاً، نحن في المجلس التشريعي عقدنا جلسة خاصة بالأسرى، وخرجنا بعدة توصيات بأنه لا بد من سرعة التحرك العربي والدولي من أجل تحرير الأسرى، وأكّدنا أنّنا لا نريد سماع الشجب والاستنكار فقط.
وطالبنا البرلمانات أن تعقد جلسة خاصة للأسرى لتقوم بالضغط على الكيان الصهيوني، ولمن لهم علاقة بالأمر، كما طالبنا الدول بضرورة طرد السفراء الصهاينة من سفاراتهم.
ثانيا، نحن تحدثنا بصورة واضحة أنّ الشعب الفلسطيني هو الذي يجب عليه أن يتحرك بصورة فاعلة أكثر من غيره، لأنه يمثل رأس الحربة في الدفاع عن الأسرى.
وقلنا بضرورة استمرار المسيرات والمظاهرات في الضفة الغربية، وقطاع غزة، وفي الشتات، وفي أراضي ال48، حتى نجبر الكيان الصهيوني على أن ينصاع لشروط المقاومة من أجل الإفراج عن كافة الأسرى.
وطالبنا الأخوة الفلسطينيين والأوروبيين الذين يتعاطفون مع شعبنا بأن ينظموا مسيرات في العواصم وأمام السفارات لفضح الاحتلال على ممارساته التعسفية.
وأكدنا أنه "لا يفل الحديد إلا الحديد"، والصهاينة لا يفهمون إلا لغة القوة، ولا يردعهم إلا بالمعاملة بالمثل واستعمال القوة معهم، وطالبنا المقاومة بخطف المزيد من الصهاينة.
وحملنا المسؤولية لكل منظمات حقوق الإنسان، ولـ"بان كي مون" لانحيازه للاحتلال.
وطالبنا في ظل إضراب الأسرى عن الطعام، أن نضرب نحن كذلك عن الطعام في خيمات اعتصام تقام في مناطق مختلفة.
بصائر: إلى أي مدى تجدي سياسة الإضرابات مع الصهاينة ؟
د.أحمد بحر: الدور الذي يقوم به الأسرى الآن هو دور كبير، وبدورنا لا بد وأن يكون لنا خارطة مع كل الفصائل لتكون أعمالنا منظمة ومبرمجة، ونستمر في برنامجنا.
فالأسرى يضربون بدورهم عن الطعام، ونحن في قطاع غزة والضفة الغربية نقف بجانبهم ونساندهم، من أجل الضغط على قوات الاحتلال لتتراجع عن سياستها القمعية من العزل الانفرادي والإهمال الطبي ومنع ذوي الأسرى من زيارتهم، وغير ذلك من السياسات التي تمادى بها الاحتلال.
كما أن إضراب الأسرى عن الطعام يفضح سياسات الاحتلال الظالمة، ويكشف عن طبيعتها الهمجية أمام الرأي العام العالمي، والذي تحاول قوات الاحتلال دائماً بسعي حثيث لإظهار نفسها أمام العالم بأنها صاحبة الديمقراطية والسلام.
بصائر: برأيك هل للمقاومة الفلسطينية دور للضغط على الاحتلال الإسرائيلي من أجل تحرير الأسرى ؟يجب على المقاومة الفلسطينية أن لا تكلّ أو تملّ من بذل الجهود لخطف الجنود الصهاينة ومبادلتهم في إطار صفقات تبادل الأسرى،
د.أحمد بحر: بالتأكيد فالجهود الشعبية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية الداخلية والخارجية، لا تغني عن الجهد العسكري لإنقاذ أسرانا الأبطال من سجون الاحتلال الباغية، فالمقاومة الفلسطينية يجب أن لا تكلّ أو تملّ من بذل الجهود لخطف الجنود الصهاينة ومبادلتهم في إطار صفقات تبادل الأسرى، وهو ما يجعلنا على ثقة تامة بأنّ يوم الخلاص قريب، وأن ليل المحنة وظلام السجن لن يطول بإذن الله.
ولأجل ذلك دعونا المقاومة الفلسطينية للقيام بهبة واسعة وانتفاضة فلسطينية جديدة تضامناً مع الأسرى في السجون الصهيونية؛ فالانتفاضة الفلسطينية تعتبر المدخل الحقيقي لإنجاز مشروعنا الوطني وإقامة الدولة المستقلة دون اعتراف بشرعية الاحتلال أو تنازل عن أي شبر من أرض فلسطين.
بصائر: ما هي رسالتك التي توجهها لكل من منظمات حقوق الإنسان؟ وللمجموعة العربية في الأمم المتحدة؟ وللجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي؟
د.أحمد بحر: بالنسبة لمنظمات حقوق الإنسان أناشدهم بضرورة تكثيف جهودهم باتجاه أداء دورهم الإنساني، وذلك بزيارة الأسرى والاطلاع على أوضاعهم وظروف اعتقالهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي والعمل على إسناد مطالبهم العادلة المتمثلة بالحرية والحياة الكريمة.
أما رسالتي للمجموعة العربية في الأمم المتحدة، فأطالبهم بضرورة المسارعة بعرض قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال على الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان بجنيف، واتخاذ قرار يدين سوء معاملة الاحتلال الإسرائيلي ويلزمه باحترام حقوقهم المشروعة.
وأوصي الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي بضرورة تحشيد الجهود الشعبية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية، داخلياً وخارجياً، لنصرة أسرانا البواسل في سجون الاحتلال الذين يخوضون إضراباً مفتوحاً عن الطعام، وأطالبهم بالتحرك العاجل لنصرتهم. فقضية الأسرى تشكل إحدى أهم القضايا والملفات الوطنية الأساسية التي تقض مضاجع أبناء شعبنا وتؤرّق بال كل المخلصين والغيورين على مصالح شعبنا وقضيته الوطنية.
و ينبغي على الجامعة العربية، وأمينها العام السيد نبيل العربي، بالإضافة إلى المؤسسات الحقوقية العربية والدولية، أن تلعب دوراً بارزاً لتحريك قضية الأسرى في المحافل الدولية، وأن تطلق حملة دولية فعّالة تُشعر فيها العالم بحجم الألم والمعاناة التي يواجهها الأسرى على يد الاحتلال، مستعينة بإمكانياتها ووسائلها التي تمنحها سهولة الحركة والوصول إلى مختلف الأوساط والمحافل الدولية.
وبالنسبة لمنظمة المؤتمر الإسلامي فعليها مهام ومسؤوليات جسام لتحريك قضية الأسرى وتفعيلها دولياً، إذ لا يعقل أن يصل التأثير الصهيوني بخصوص قضية الجندي شاليط إلى حد قيام الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" بزيارة عائلة "شاليط" ثم لا نجد صوتاً عربياً أو إسلامياً ينافح عن الأسرى ويتبنى قضيتهم ويدوّي بصوتهم في مختلف المحافل الدولية، لذا ننتظر حراكاً فاعلاً ومؤثراً لإثارة قضية الأسرى.
بصائر: ما هي كلمتك التي توجهها للأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام ؟
د.أحمد بحر: بداية أحيي الأسرى الذين لا زالوا يضربون عن الطعام لليوم الرابع عشر على التوالي في سجون الاحتلال، فهناك 22 نائباً لا زالوا يقبعون خلف زنازين الأسرى على رأسهم النائب المقدسي أحمد عطون والنائب عن حركة فتح مروان البرغوثي والنائب عن الجبهة الشعبية أحمد سعدات.أتمنى أن يُصار إلى توحيد وتنظيم الجهود الخاصة بنصرة الأسرى في إطار خطة شاملة متكاملة الأبعاد بحيث تراعي التوازن بين العمل الداخلي والفعل الخارجي، ما سوف يلقي بظلاله الإيجابية على الزخم المتوقع والفعالية المنشودة لقضية الأسرى
وأقول لهم بأن المجلس التشريعي الفلسطيني سيبقى الأكثر اهتماماً بقضية الأسرى إضافة لكل الغيورين من أبناء شعبنا في الداخل والشتات.
بصائر: هل من كلمة أخيرة تود إضافتها في ختام حديثك؟
د.أحمد بحر: أتمنى أن يُصار إلى توحيد وتنظيم الجهود الخاصة بنصرة الأسرى في إطار خطة شاملة متكاملة الأبعاد بحيث تراعي التوازن بين العمل الداخلي والفعل الخارجي، ما سوف يلقي بظلاله الإيجابية على الزخم المتوقع والفعالية المنشودة لقضية الأسرى، ويُمكّننا من الانتصار على الدعاية الصهيونية المضللة، وفضح قمع وفجور وعنصرية الاحتلال بحق أسرانا الأبطال، ورسم ملامح فجر الحرية والخلاص لهم بإذن الله.
وأتمنى أن يكون لقائي الآخر مع موقع " بصائر" وقد تحررت فلسطين من دنس الاحتلال وحرر المسجد الأقصى المبارك، وأفرج عن كافة الأسرى والأسيرات, وزال طغيان العدو المتجبر كما وعدنا الله جل وعلا في كتابه العزيز.