خمس سنوات مرَّت على أسر الجندي الإسرائيلي المختطف جلعاد شاليط الذي وقع في قبضة المقاومة الفلسطينية في 25 يونيو 2006، وذلك بعد عدَّة أشهر من تجنيده في خدمة سلاح المدرعات.
حيث قامت مجموعة فلسطينية تابعة لثلاثة من فصائل المقاومة؛ وهي كتائب الشهيد عز الدين القسَّام الذراع العسكري لحركة "حماس"، وألوية الناصر صلاح الدين الذراع العسكري للجان المقاومة الشعبية، وجيش الإسلام، بمهاجمة موقعٍ عسكريٍّ إسرائيليّ تابع للواء جفعاتي، كان يرابط ليلاً في موقع "كرم أبو سالم" العسكري التابع لجيش الاحتلال على الحدود بين مدينة رفح و(إسرائيل).
وتمكَّن عددٌ من عناصر المقاومة من التسلل عبر نفق أرضي كانوا قد حفروه سابقاً تحت الحدود إلى الموقع الإسرائيلي ممَّا ساعدهم في مباغتة القوَّة الإسرائيلية، وانتهى هذا الهجوم بمقتل جنديين وإصابة 5 آخرين بجروح، وأسر شاليط ونقله إلى مكان آمن في قطاع غزة، وذلك في عملية عسكرية نوعية أطلق عليها اسم : "عملية الوهم المتبدّد".
الرَّد الصهيوني
وفي أعقاب هذه العملية، قام جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الدَّاخلي "الشين بيت" بتنشيط المئات من عملائه في قطاع غزة للبحث وللتحرّي عن مصير شاليط، ومكان اعتقاله وهوية محتجزيه.
لم تتوان "إسرائيل" في استخدام كافة الوسائل والطرق التكنولوجية من أجل العثور على شاليط لكنَّها فشلت في ذلك، كما فرضت الحصار على قطاع غزة، ونوَّعت في عملياتها العسكرية بين اجتياح واغتيال وقصف هنا وهناك.
كما شنَّ الجيش على مدار السنوات الثلاث الماضية سلسلة من العمليات الخاصة في مناطق متفرّقة في القطاع في محاولة لتحرير شاليط أو إلقاء القبض على أشخاص يشتبه في ضلوعهم في احتجازه.
ولم تتوان "إسرائيل" في استخدام كافة الوسائل والطرق التكنولوجية من أجل العثور على شاليط لكنَّها فشلت في ذلك، كما فرضت الحصار على قطاع غزة، ونوَّعت في عملياتها العسكرية بين اجتياح واغتيال وقصف هنا وهناك.
لكن ما هي أبرز المراحل التي مرَّت بها عملية التفاوض من أجل تحرير شاليط؟ وما هي الصعوبات والمعيقات التي وقفت سدا منيعا في تأخير تحرره طوال تلك الفترة؟
المرحلة الأولى للمفاوضات
منذ أسر شاليط طالبت حركة "حماس" نيابة عن جناحها العسكري ولجان المقاومة الشعبية وجيش الإسلام، (إسرائيل) بالإفراج عن أكثر من ١٠٠٠ أسير فلسطيني من ذوي الأحكام العالية ورفع الحصار المفروض على قطاع غزه مقابل إطلاق سراح شاليط حيّاً، الأمر الذي رفضته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وقالت بأنها لن تفرج عن ما أسمتهم "فلسطينيين ملطخة أيديهم بدماء إسرائيلية".
ففي السَّادس والعشرين من يونيو/حزيران لعام 2006 ، طالبت المجموعات الثلاث بالإفراج عن نساء وقاصرين معتقلين في إسرائيل مقابل الحصول على معلومات عن الجندي، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أيهود أولمرت استبعد الإفراج عن معتقلين فلسطينيين.
الدور المصري
وعن الدور المصري في الصفقة، أكد د.محمود الزهار القيادي في حركة حماس أنَّ مصرَ شريك وراعٍ أساس في كافة مراحل التفاوض.
وكشف في تصريحات صحفية، أنَّ مصر هي أوَّل من تلقى طلب من حركة حماس حول الصفقة بعد أيام قليلة من اختطاف شاليط عام (2006)، إلاَّ أنه ثبت لها عدم جدية إسرائيل في التفاوض فتوقفت، وسعت في 2009 مرَّة أخرى لكن إسرائيل لم تستجب فتوقفت أيضًا، مؤكّدًا وجود مصر في كافة مراحل الصّفقة منذ بدايتها وحتى نهايتها.
وتحمَّلت مصر مهمَّة التوسط بين "حماس" وحكومة (إسرائيل) لإطلاق سراح جلعاد شاليط، ولكن المفاوضات تعرقلت مرات عديدة خاصة بعد تولي "حماس" الحكم على قطاع غزة في يونيو 2007 ممَّا أدى إلى إغلاق مصر الحدود مع القطاع.
رسالة صوتية لشاليط
وفي الثامن من نيسان/ابريل لعام 2007، أكَّدت إسرائيل أنَّها تسلَّمت لائحة بأسماء معتقلين فلسطينيين مقابل الإفراج عن شاليط.
وفي الخامس والعشرين من حزيران/ يونيو 2007 نشرت حماس رسالة صوتية لشاليط يدعو فيها إسرائيل إلى بذل مزيد من الجهود للإفراج عنه، مؤكدا تدهور صحته.
وفي التاسع من حزيران/ يونيو لعام 2008 تلقت عائلة شاليط رسالة مكتوبة من ابنها، عبر مركز الرئيس جيمي كارتر.
وفي 30 تشرين الأول/ أكتوبر لعام 2008 قامت مصر الوسيطة بين الطرفان بإعلان ان شاليط "بخير".
وفي السابع عشر من آذار/ مارس لعام 2009 رفضت إسرائيل شروط حماس بالإفراج عن مئات المعتقلين الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح شاليط.
شريط الفيديو مقابل 19 أسيرة
وفي الرابع عشر من سبتمبر٢٠٠٩، فاجأت كتائب القسَّام العالم بإصدارها لأوَّل مرة شريط فيديو مصوّر يظهر فيه الجندي شاليط لمدَّة دقيقتين مرتدياً الزيّ العسكري، وحاملاً نسخة من صحيفة "فلسطين" تأكيدا على حداثة التصوير.
وتحدَّث شاليط بالعبرية مخاطباً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالموافقة على شروط حماس، وتأمين الإفراج عنه في أسرع وقت ممكن قبل فوات الأوان.
ومن خلال هذا الشريط، نجح الجناح العسكري لحركة "حماس" في 2 أكتوبر 2009 بوساطة ألمانية مصرية في تأمين الإفراج عن ١٩ أسيرة فلسطينية مقابل إصدار دليلٍ ماديّ يثبت بأن الجندي الأسير لا يزال على قيد الحياة، تمَّت الصّفقة وسلّمت "حماس" شريطاً لـ(إسرائيل) يظهر فيه الجندي المختطف بصحة جيدة.
"عرقلة" المفاوضات
وفي الثاني والعشرين من كانون أول/ ديسمبر، اتهمت حماس إسرائيل "بعرقلة" اتفاق إطلاق سراح شاليط مقابل ألف سجين فلسطيني وفشل المفاوضات.
وفي السَّابع والعشرين من نيسان/ ابريل لعام 2010 نشرت كتائب عزّ الدّين القسَّام الجناح العسكري لحركة حماس رسماً كرتونياً يوحي بأن شاليط سيموت في الأسر.
وفي الأول من تموز/ يوليو 2010 ، أكَّد نتانياهو أنَّ إسرائيل لن تدفع "أي ثمن" مقابل التوصل إلى تحرير شاليط، مؤكّداً في الوقت نفسه أنَّه مستعد للإفراج بشروط عن ألف فلسطيني في المقابل.
وفي الرَّابع عشر من نيسان/أبريل لعام 2011 استقال كبير المفاوضين الإسرائيليين في قضية شاليط، وتمَّ تعيين مسؤول كبير في الموساد مكانه.
وفي الخامس والعشرين من أيار/ مايو اعترف رئيس هيئة الأركان السَّابق الجنرال غابي اشكنازي بفشل إسرائيل في العثور على جلعاد شاليط.
أمَّا في السادس من حزيران/ يونيو رفعت عائلة جلعاد شاليط دعوى في فرنسا بالخطف والاحتجاز.
وصولا لــ "وفاء الأحرار"
وفي الحادي عشر من تشرين الأول/ أكتوبر لعام 2011 ، قدَّم نتانياهو إلى الحكومة الأمنية المصغرة اتفاقاً ينصّ على إطلاق سراح شاليط مقابل ألف أسير فلسطيني .
وكشف مصدر فلسطيني رفيع لـ «بصائر»، أنَّ الجلسة الأخيرة في المفاوضات غير المباشرة التي أسفرت عن اتفاق بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لإنجاز صفقة تبادل الأسرى، استغرقت يومَ عملٍ متواصلاً بلا انقطاع، وأن جولة المفاوضات الأخيرة بدأت في آب الماضي من نقطة الصفر.
وأوضح المصدر: "في اليوم الأخير الذي سبق التوصل إلى اتفاق، استغرقت جلسة المفاوضات 24 ساعة كاملة من التاسعة صباحاً من الإثنين الماضي إلى التاسعة من صباح الثلاثاء".
الجلسة الأخيرة في المفاوضات غير المباشرة التي أسفرت عن اتفاق بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لإنجاز صفقة تبادل الأسرى، استغرقت يوماً متواصلاً بلا انقطاع.
وأضاف: " أجرينا محادثات مكثّفة، وتعمّدنا أن تكون المفاوضات سرية بعيدة من أعين الإعلام لضمان استمرارها وعدم إفشالها".
وقال: "وضعنا أسماء جديدة، وحاربنا من أجل انتزاع موافقة الجانب الإسرائيلي على كلِّ اسم"، مشيراً إلى أنَّ "جميع الأسرى الذين سيطلق سراحهم عبر هذه الصفقة من أصحاب المحكوميات العالية جداً، ومن الذين اعتقلوا قبيل عام 2000".