القرآن طريقنا للإيمان

الرئيسية » بصائر تربوية » القرآن طريقنا للإيمان
alt

لقد حفل القرآن الكريم بالآيات الكثيرة التي تقود الإنسان إلى طريق السعادة في الدنيا، والنجاة في الآخرة، وأول هذا الطريق، ومبتدأ هذا السبيل هو الإيمان بالله عز وجل، ولا يخفى على أحد الكم الهائل الذي حملته لنا آيات القرآن في الدعوة والتأسيس للإيمان، ويكفي النداء المستمر الذي حملته الآية العظيمة في قوله جل في علاه:"يا أيها الذين آمنوا، آمنوا" [النساء، 136].

الإيمان بالله وتوحيده، هي دعوة الإسلام الرئيسية، ولكن ما هو الإيمان؟ وماذا يعكس على المؤمن؟
لن أتناول الإيمان بتلك التعريفات العلمية الرصينة التي أبدع علماؤنا بصياغتها، ولن أتطرّق إلى اختلافهم في تحديد جوهر الإيمان وماهيته، وإنّما أكتفي من ذلك بأنَّ الإيمان هو التصديق، وإن كان في تعريف الإيمان بالتصديق نوع من خفض سقف المصطلح الأم، "الإيمان"، إلاَّ أنه أقرب ما يمكننا التعبير عن الإيمان به، والإيمان أعلى من العلم بوجود الله، فأبليس آكدنا علما بهذا، ولكنه نوع من الشعور الذي يملأ قلوبنا، ويشغل تفيكرنا، ويقود حركتنا، ويضبط أخلاقنا.

والإيمان بالشيء أكبر بكثير من مجرد تصديقه، أكبر بكثير من مجرد الإذعان إليه والانقياد نحوه،الإيمان بالشيء أكبر بكثير من مجرد تصديقه، إنه الانتماء الصادق التام له، بقلوبنا وجوارحنا وعقولنا ونوازعنا إنه الانتماء الصادق التام له، بقلوبنا وجوارحنا وعقولنا ونوازعنا، نعم حتى النوازع والشهوات والرغبات والأهواء، "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به" [ حديث صحيح].

صور الإيمان   ..
المتأمل في القرآن الكريم يجد تناول موضوع الانتماء الصادق للإيمان بأعظم صوره في إيمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، في قوله جل وعز:{فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا} [الكهف، 6]، وقوله جل في علاه:{فلا تذهب نفسك عليهم حسرات}[ فاطر، 8]، هذا هو الإيمان الحقيقي بأرقى مراتبه، وأعلى درجاته، وهو التعبير الصادق عنه دونما حظ للنفس، أو ميل للذات.

معنى الإيمان هو هذا الذي مثله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عندما أرهق نفسَه، وأتعب جسدَه، وشغل تفكيرَه، وملأ قلبَه، همُّ هذا الدين، وهم الدعوة إليه، وإيصاله إلى الناس، في تأثر واضح بمفهوم الإيمان الصادق، الإيمان الذي يجذب الباحث عن الحقيقة إليه، ثم يتحول هذا المؤمن إلى جزء لا يتجزأ من إيمانه، في انتماء تام لما آمن به، يتعدّى كلّ الحدود، فيصير جاذباً لكلِّ من هم من حوله، إلى ما أكرمه الله به، هذا هو المعني الحقيقي للإيمان، وهذا ما يعكسه الإيمان على قلب المؤمن وفكره وسلوكه.

وفي الوقت نفسه، الذي نشهد فيه أشدّ صور إرهاق النفس في دعوة الآخرين، نجد المنهج القرآني واضحا في التعامل مع الغير، على أساس قوله تعالى: {لا إكراه في الدين} [البقرة، 256]، فبقدر حرقتنا على من فاته التلذذ بنعيم الإيمان بالله تعالى وتوحيده، يظل يحكمنا أن لا إكراه في الدين، وبقدر حرصنا على نصرة الحق، ومنع الباطل، وهدم أركانه، وإيقاف شروره، يظل يحكمنا منهج لا إكراه في الدين، في موازنة راقية بين الإيمان بصدق ما ندعو إليه، وحرية الاعتقاد التي أسس لها ديننا.
الإيمان يدعونا للنظر إلى أهل المعاصي نظرة الطبيب إلى مريضه، فقلوب هؤلاء بحاجة إلى من يصلحها ويعالجها من أمراضها وأسقامها.
وينسحب الكلام الذي قلناه في حق غير المسلمين، على المسلمين العصاة، الذين تلطخت أحوالهم ببراثن المعاصي والتقصير، فنظرتنا إليهم هي ذاتها نظرة الإيمان، الإيمان الذي يدعونا للنظر إليهم نظرة الطبيب إلى مريضه، فلا أعرف طبيبا قرع مريضا لتقصيره في المحافظة على صحته، ولم أسمع عن طبيب رفض دخول أحد المرضى إلى عيادته لأنه أعاد نفس الخطأ الذي سبب له المرض السابق بعد أن نجح الطبيب في علاجه، فإذا كان هذا حال الطبيب، طبيب الأجساد الفانية مع مرضاه، فما بالنا مع القلوب التي جاء القرآن الكريم ليصلحها ويعالجها من أمراضها وأسقامها، ألم يخبرنا الله عز وجل أنه يريدها مقبلة عليه سليمة، {إلا من أتى الله بقلب سليم} [الشعراء، 89]، وهل طريق سلامتها سوء الظن والهجر ومحاكمة الناس؟ وهل طريق سلامتها التقريع وكيل التهم وشتم الأشخاص والخوض في الأعراض؟ كلا والله، إنما نسلم ونأسلم ونسلم قلوب الناس إلى ربها بشعور التقصير تجاههم، بذات الشعور الذي سيطر على نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلم، وهو يجهد نفسها وينهكها في دعوة قومه والناس جميعاً، مؤمناً بما يدعو إليه، دون أدنى شعور بالتعصب له، إيمان لا يخالطه شيء من حظ نفسه، بل هو خالص لله عز وجل.
التعصب نقيض الإيمان وعدوه، وفي حال سيطر على القلب، أو تحكم في التفكير، فإن الإيمان يرتحل ولا يعود له مكان في قلب أو عقل هذا الرجل، فالإيمان دعوة لفكرة، والتعصب دعوة لشخص أو لقوم، الإيمان منهج بناء للنفس، والتعصب أسلوب لهدم الغير
الإيمان والتعصب   ..
التعصب نقيض الإيمان وعدوه، وفي حال سيطر على القلب، أو تحكم في التفكير، فإن الإيمان يرتحل ولا يعود له مكان في قلب أو عقل هذا الرجل، فالإيمان دعوة لفكرة، والتعصب دعوة لشخص أو لقوم، الإيمان منهج بناء للنفس، والتعصب أسلوب لهدم الغير، سئل أحد الحكماء: كيف أحصل على أعلى بناية في مكان ما؟، فأجاب: إما أن تبني فعلا أعلى بناية، وإما أن تهدم جميع من حولك، الإيمان يدعونا أن نبني أبراجا شاهقة من أنفسنا، دون أن نهدم حجرا واحدا في غيرنا، بناؤنا لذواتنا هو المطلوب في الإيمان، أمَّا التعصب، فهو هدم للغير، في محاولة سافرة لإظهار النفس، بما يناقض تماما جوهر الإيمان.

ومصاديق هذا الكلام منتشرة في أوساط المجتمع الإسلامي بشكل كبير جداً، في إشارة واضحة إلى الهوة التي سقطت فيها أمتنا بعد أن جهلت دينها، وانعدم فهمها لشريعتها، فخطيب جمعة يصرخ بالناس شاتما ومعاتبا ومهينا، متعصب لا مؤمن، لو كان مؤمنا لرفق بحالهم، ورقت نفسه أمام شططهم وزللهم، فخاطبهم بما ينفع، لا بما يرضي نفسه المتعصبة الغاضبة لذاتها لا لربها. شاب يرفع صوته في وجه إمه لتقصيرها في أمر شرعي، شاب متعصب لا مؤمن، إذ لو سكن الإيمان قلبه دون أن يخالطه التعصب المقيت، لخفض صوته وجناحه لها، فالمؤمن يعلم أنه مقصر مع ربه، حاله في ذلك حال الناس جميعا، وتقصير غيره أكثر منه، لا يعفيه من التقصير، وهل لمقصر أن ينسى تقصيره وينشغل بتقصير غيره؟ وهل للمؤمن إذ يعلم ضعفه، إلاَّ أن يتواضع مع الناس، ويلين لهم الكلام؟ فهذا نبي الله موسى قد ألان القول لمن ادعى الربوبية، فهلا ألان الواحد منا قوله مع من هم أدنى من ذلك.

وليتذكر المؤمن الحق، أنَّ غاية النَّصيحة معرفة المنصوح بالمطلوب، وهذا يتم بإبلاغه ذلك بأرق الأساليب وألينها، وإن كان من ترهيب للبعض، فترهيب بما رهب الله به عباده، من ضنك في الدنيا، وعذاب بالآخرة، أما رفع الصوت على شكل مهين، وإمالة الوجه عن الناس، ومحاسبتهم محاسبة الرب أو الإله، فهو لا يحقق مطلوب، ولا يوصل إلى نتيجة، ولا يحقق مأمول، والكيس من أدرك المطلوب، بأقل مجهود.

المطلوب في تعاملنا مع ديننا كما يحثنا عليه إيماننا هو الاستسماك، لا التعصب، مصداقا لقوله جلَّ في علاه:{فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم} [ الزخرف، 43]، ولقوله جل في علاه:{والذين يمسّكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين}. [الأعراف، 170]

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …