السَّلف .. واستقبال عشرة ذي الحجة

الرئيسية » بصائر العبادة والدعاة » السَّلف .. واستقبال عشرة ذي الحجة
alt

إنَّ من فضل الله تعالى على عباده أن جعل لهم مواسم للطاعات، يستكثرون فيها من العمل الصالح ، ويتنافسون فيها فيما يقرّبهم إلى ربّهم ، ومن بين هذه المواسم شهر ذي الحجة، ذلك الشهر الكريم والموسم العظيم .

فهو شهر الحج وشهر المغفرة والوقوف بعرفة ، شهر يتقرَّب فيه المسلمون إلى الله بأنواع متعدّدة من القربات من حج وعمرة وصلاة وصيام وصدقة وأضحية وذكر الله ودعاء واستغفار ، وقد خص الله تعالى العشر الأوائل من ذي الحجة فقال تعالى :" ويذكروا اسم الله في أيام معلومات " ( الحج 27)، قال ابن عبَّاس – رضي الله عنه -: الأيام المعلومات هي (أيام العشر )، وقد أقسم الله بهن في محكم الآيات في قوله : ( والفجر وليال عشر ) (الفجر2)، فهي أفضل من كل عشر سواها ، والعمل فيها أفضل من العمل في غيرها.

فالسعيد من أنعم الله عليه في هذه الأيام العشر فأحسن العمل فيها ، لعله يحظى بالمغفرة من الله والعتق من النار.

ولعلنا إذا ما استعرضنا حال السلف في هذه العشر وكيف كانوا يكثرون من الأعمال الصالحة فيها وكيف كانوا يحرصون عليها أشد الحرص ، لعل ذلك يكون دافعا لنا وقدوة عملية في كيفية استغلال هذه العشر الأوائل من ذي الحجة.

فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه- قال : كان يقال في أيام العشر : بكل يوم ألف يوم ويوم عرفة عشرة ألاف يوم ، قال – يعني في الفضل – لذلك كان السلف يجتهدون في العشر اجتهادا عظيما >

وهذا سعيد بن جبير كان إذا دخلت أيام العشر اجتهد اجتهادا شديد حتى ما يكاد يقدر عليه ، وعنه أيضا أنه قال : لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر ويقول : يقظوا خدمكم يتسحرون لصوم يوم عرفة.

وكان الحسن البصري يقول : صيام يوم من العشر يعدل شهرين، وعن الأوزاعي : بلغني أنَّ العمل في اليوم من أيام العشركقدر غزوة في سبيل الله ، يصام نهارها ، ويحرس ليلها إلاَّ أن يختص امرؤ بشهادة.

وقال مجاهد : كان أبو هريرة وابن عمر – رضي الله عنهما- يخرجان أيام العشر إلى السوق فيكبران ؟ فيكبر الناس معهما، لا يأتيان السوق إلا لذلك .

لقد كان السلف -رحمهم الله- يعظمون هذه العشر ، فلا يحدثون فيها ذنباً ولا إثماً، حتى في ذكر الحديث الضعيف أو الحديث الذي فيه خطأ فهم لا يقومون به.

فقد ذكر البرذعي في سؤالاته لأبي زرعه الرازاي، قال : سألت أبا زرعة عن حديث ابن أبي هالة في صفة النبي – صلى الله عليه وسلم – في عشرة ذي الحجة ، فأبى أن يقرأه علي ، وقال لي : فيه كلام أخاف أن لا يصح، فلما ألحت عليه، قال : فأخره حتى تخرج العشر، فإنّي أكره أن أحدّث بمثل هذا في العشر.

بل إنَّ بعضهم كان يترك التعليم والتحديث لطلابه أيام العشر، قال الأثرم : أتينا أبا عبد الله ويعني أحمد بن حنبل – فقال : في عشر الأضحى، فقال : قال أبو عوانة : كنا نأتي سعيد الجريري في العشر فيقول :هذه أيام شغل وللناس حاجات ، وقد كان السلف رضي الله عنهم ينوعون في العبادات في عشر ذي الحجة من أجل أن تستوعب أيام العشر أنواعا من العبادات، فقد قال عمر بن الخطاب : (لا بأس بقضاء رمضان في العشر).

وكان الحسن البصري يكره أن يتطوَّع بصيام وعليه قضاء من رمضان إلاَّ العشر.

وكان الحافظ ابن عساكر يعتكف في شهر رمضان وعشر ذي الحجة.

و كان هذا هو حال السلف في عشر ذي الحجة، فكيف سيكون حالنا نحن ونحن أحوج من السلف رضوان الله عليهم في التقرّب إلى الله وفي التوبة الصَّادقة وفي العزم الجاد على اغتنام هذه الأيام، نسأل الله تعالى أن يعيننا وأن يتقبل منا،إنَّه سميع مجيب الدعاء.

مصادر للاستزادة:
§    زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن قيم
§    كتاب العيدين من فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر للعسقلاني.
§    سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • الحج
  • عبادة
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
    كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

    شاهد أيضاً

    alt

    بكري الطرابيشي .. أعلى إسناد على وجه الأرض

    كان شيخاً جليلاً موقراً ذا تواضع جمّ، يجلس في حلقته الكبير والصَّغير .. والعالم والمتعلّم …