من حق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة والضفة الغربية، أن يشعروا بالزّهو والفخر بمشاركتهم في تحرير الأسرى، وبصبرهم وتحمّلهم وتكبّدهم المعاناة لخمس سنوات قضوها منذ أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط.
فمنذ إقدام المقاومة الفلسطينية على أسر شاليط في عملية 'الوهم المتبدّد"ـ كثفت قوات الاحتلال المجازر والاغتيالات، وقامت بسلسلة من الاجتياحات، كما حدث في شمال غزة، وحي الشجاعية، ودير البلح، ومخيم المغازي، والشوكة برفح، أسفرت عن استشهاد مئات الفلسطينيين وجرح الآلاف، بل قام الطيران الحربي الصهيوني بعمليات قصف لمنازل المواطنين وبعض المراكز الأمنية الفلسطينية، بالإضافة إلى شنّ الغارات الوهمية، ممَّا أثار الرُّعب في نفوس الأطفال، وتسبَّب في العديد من الخسائر المادية، وإصابة العديد من المرضى خصوصاً مرضى القلب بنوبات قلبية خطيرة.
وارتكبت قوَّات الاحتلال العديد من المجازر بحق العديد من العائلات؛ منها عائلة حجاج، وعائلة أبو سلمية، وعائلة عوكل.
وإضافة إلى كلّ ذلك، قامت بفرض الحصار على سكان القطاع، الذي ساهم في التضييق الاقتصادي، أقفلت خلالها قوات الاحتلال جميع المعابر والمنافذ، وعلى رأسها معبر رفح الحدودي لتجعل من قطاع غزة سجناً كبيراً يضمّ قرابة المليون ونصف المليون من المواطنين الفلسطينيين.
استهداف النواب
شارك الفلسطينيون في الضفة الغربية إخوانهم في غزة في دفع فاتورة أسر "شاليط" حيث اعتقلت قوات الاحتلال جميع نواب المجلس التشريعي من حماس، وقادة الحركة هناك، وعلى رأسهم د.عزيز دويك.
وفي الضفة الغربية كان للشعب الفلسطيني نصيبا من دفع فاتورة أسر الجندي شاليط فلم تتوان قوات الاحتلال في اعتقال جميع نواب المجلس التشريعي من حماس، وقادة حركة المقاومة الإسلامية، على رأسهم رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني في الضفة الغربية د. عزيز دويك.
ويشكّل اختطاف وزراء ونواب ممثلي الشعب الفلسطيني سابقة تاريخية خطيرة وجريمة سياسية جديدة وصفعة للديمقراطية وطعنة للكرامة المسلوبة، ويُعدُّ انتهاكاً فاضحاً لأبسط الأعراف والمواثيق الدولية، وعدواناً سافراً على المؤسسات الشرعية الفلسطينية ورموزها، ومساساً فاضحاً بالحصانة التي يتمتعون بها، بهدف تقويض السلطة، وعمل المجلس التشريعي، وإضعاف النظام السياسي الفلسطيني، فاختطاف النواب وتقديمهم للمحاكمة أمر غير قانوني، وعملية اعتقالهم لا تستند إلى أيّ مبرّر قانوني.
ولم يتوقَّف الأمر على سكان القطاع والضفة، بل دفع الأسرى بالإجمال وعلى مدار مدّة أسر شاليط فاتورة قاسية وثمناً باهظاً جراء استمرار احتجازه ولربما يكون الثمن الأقسى عبر تاريخ الحركة الأسيرة، والمرحلة الأسوأ منذ العام 1967.
لكن لا يعني هذا أنَّ المرحلة التي سبقت هذه العملية كانت تتسم بالهدوء والأمن، فالمجازر الصهيونية والجرائم لم تتوقف سواء قبل أو بعد أسر شاليط.
كما أقدمت إسرائيل على " احتجاز " جثامين الشهيدين محمد فروانة، وحامد الرنتيسي، اللذين استشهدا خلال العملية التي أسر خلالها " شاليط " وربطت إعادتهما باستعادة شاليط، لتواصل ممارساتها اللاأخلاقية واللاقانونية في استخدام جثامين الشهداء كورقة للمساومة والضغط والابتزاز وعقاب الشهداء بعد موتهم والعقاب الجماعي لذويهم بحرمانهم من دفنهم وفقاً للشريعة الإسلامية.
أسر شاليط ..
يشار إلى أنَّ شاليط تمَّ أسره، في عملية نفذتها مجموعة فلسطينية مشتركة، من الجناح العسكري لحركة حماس (كتائب عز الدين القسَّام، ولجان المقاومة الشعبية وجيش الإسلام) ضد الثكنة العسكرية الإسرائيلية، الواقعة شرق مدينة رفح، في 25 يونيو 2006، حينما استهدفت العملية قوة إسرائيلية مدرعة من لواء النخبة (جفعاتي) المرابطة في موقع كرم أبو سالم (كيرم شالوم) العسكري، التابع للجيش الإسرائيلي، حيث تمَّ اختراق الحواجز الأمنية الإسرائيلية الكثيرة والمعقدة، وقتل العديد من الجنود الإسرائيليين، ثمَّ تمَّ أسر الجندي جلعاد شاليط.
أمطار الصَّيف والشتاء السَّاخن
وأطلقت إسرائيل مسمّيات على عملياتها العدوانية عقب أسر شاليط، مثل حملة (أمطار الصيف) العسكرية الإسرائيلية، والتي بدأت بتاريخ 25/6/2006، وحتى تاريخ 7/8/2006، وأسفرت عن استشهاد 203 شهداء، فيما أصيب 800 آخرين، واعتقال 649 مواطناً، من بينهم عددٌ من الوزراء وأعضاء المجلس التشريعي.
وقامت بحملة الشتاء الساخن، وبعدها عملية "الرصاص المصبوب"، التي شنّتها إسرائيل في السَّابع والعشرين من شهر ديسمبر لعام 2008، واستمرت 22 يوماً كانت الأكثر عنفاً منذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، وأسفرت عن مقتل 1440 فلسطينياً بينهم 431 طفلاً و114 امرأة.
إن نتائج الصفقة رغم هذا الحجم الهائل من الدَّمار والخسائر برهنت بما لا يدع مجالاً للشك أنَّ خيار المقاومة -والمقاومة المسلحة في المقدّمة منها- خير ما يسترد الحقوق المسلوبة، وهو الرهان الرابح لحسم ملف الأسرى الذي فشلت الإرادة الدولية في التعاطي معه.
فآلاف الشهداء سقطوا وعشرات آلاف الجرحى انضموا لجيش المعاقين وآلاف البيوت سويت بالأرض، وآلاف الدونمات جرفت واقتلعت الأشجار منها، والبنية التحتية دمرت بالكامل، كل ذلك بسبب أسر " شاليط " أو كان استمرار أسره ذريعة لكل ذلك، ممَّا نقل قضية " شاليط " من الإطار الحزبي إلى الوطني، وتجاوزت دائرة الفصائل الآسرة لتصبح قضية وطنية عامة.
وها هو يمضي أكثر من (1800) يوم على أسر الجندي الإسرائيلي شاليط، دفع خلاها الشعب الفلسطيني 2587 شهيداً، غير المعاقين والجرحى وهم عشرة آلاف، و20 ألف منزل مدمّر بشكل جزئي، و 23 مسجداً، و60 مدرسة، ولا يزال عددٌ كبير من الناس الذين دمرت منازلهم بالعراء، كان ذلك كله يمثل "مهر شاليط" الذي قدّم إلى غزة على متن دبابته المتطوّرة لقتل أطفال قطاع غزة .
بيد أنَّ نتائج الصفقة رغم هذا الحجم الهائل من الدَّمار والخسائر برهنت بما لا يدع مجالاً للشك أنَّ خيار المقاومة -والمقاومة المسلحة في المقدّمة منها- خير ما يسترد الحقوق المسلوبة، وهو الرهان الرابح لحسم ملف الأسرى الذي فشلت الإرادة الدولية في التعاطي معه.