“الإبداع “.. سبيل الدَّاعية النَّاجح

الرئيسية » بصائر تربوية » “الإبداع “.. سبيل الدَّاعية النَّاجح
alt

حدثني أخي أنَّ صديقه دعاه -في شهر رمضان- ليحضر ندوة دينية في مسجد قريب من بيتنا، وأخبره صديقه أنَّ الدَّاعية الذي سيلقي النَّدوة داعية مميّز.

لم يتشجَّع أخي للذَّهاب إلاَّ بعد أن أقنعه صديقه بذلك، ووضَّح له الموضوعات المتنوعة التي سيتناولها الدَّاعية خلال الندوة، فما إن دخل أخي القاعة حتّى رأى الدَّاعية مبتسماً وأنيقَ الثياب، فانشرح صدره.
وبدأ الدَّاعية حديثه بذكر نكتةٍ ملتزمة قال فيها:" يروى أنَّ صائمًا دخل قرية في رمضان، فرأى كل من فيها يأكلون نهارًا.

استغرب الأمر، وقال لهم: أمَّا عندكم رمضان؟! قالوا: بلى، ولكنَّ شيخنا يصوم عنّا.
فذهب إلى دار الشيخ مستغربًا، ودخل وكان الوقت نهارًا، فرأى أمام الشيخ سفرة طولها كذا ذراعًا، وعليها ما لذَّ وطاب من المآكل، والشيخ يلوك الطعام.

فقال له: شيخي، علمت أنك تصوم عن أهل البلد؟! فرد الشيخ قائلاً: يا جاهل، من يصوم عن أهل بلد، أَلاَ يتسحّر مرَّة كلَّ نصف ساعة؟".

وبعد أن أخرج الدَّاعية المستمعين من الجوّ التقليدي الذي يتبعه أغلب الدّعاة في ندواتهم الدينية، أخبرهم أنَّه سيعرض عليهم تسجيلاً صوتياً لعدةِ أشخاص جاؤوا إليه واعترفوا له عن ذنوب اقترفوها، وأنَّهم الآن نادمون على ما فعلوا، وسجلوا قصصهم حتَّى تكون عبرةً للآخرين.

فازداد أخي والحضور تشوّقاً لما سيعرضه الدَّاعية، فسادت القاعة حالة من الصَّمت ينتظرون سماع ما يحتويه التسجيل، فوضع الدَّاعية التَّسجيل الأوَّل على جهازه الشخصي، فسُمِعَ صوت شخص مجهش بالبكاء.
يقول التائب:" يا إخوتي أنا قصتي قاضية، أرجو أن تتعظوا منها، كنت عاقاً والدي، والدي كان مقعداً وكان شبه فاقد للنطق، وأمي كانت مسكينة، كانت تتحملني رغم عقوقي، ورغم قلة حيلتي، كنت أنا المتحكّم في مصروف البيت، كنت أعطيهم القليل جدّاً".

يضيف:" كانوا يحتاجون ثمناً للدَّواء، كنت أمنعه عنه، حتَّى ازدادت حالتهم سوءاً، وعندما كانوا يصرّون على شيء ما، كنت لا أخجل من ضربهم، ولكن بعد أن تزوّجت، وأصبحت أباً لشاب بعمر ال18 عاماً، لم أجد منه سوى عقوقاً وعقوقاً وعقوقاً".

ويتساءل:" فكيف أجد الأفضل، وأنا لم أكن الأفضل ؟.! لو يرجع الزَّمن إلى الخلف قليلاً لأصبحت خادماً لوالديّ، فأنا اليوم يا إخوتي نادمٌ جداً، وأعتذر منهما، وأدعو الله يغفر لي ذنوبي، وأن يرحمهما ويحسن إليها، أمَّا أنتم فاحرصوا على رعاية أهلكم، فطاعة الله من طاعة الوالدين".

آه.. من المخدرات

أمَّا التسجيل الثَّاني، فكان لصوتٍ مكسور، فقال بعد "تأتأة" طويلة:" المخدرات، قصتي يا إخوتي بدأت بعد تخرّجي من الجامعة، فلم أجد العمل الذي يتناسب وخبرتي، فعملت أعمالاً عدّة (بناء/دهان/بيّاع...إلخ)، وخلال عملي تعرّفت على رفاق السوء".

يكمل:" في مرّة قدّموا إليَّ نوعاً من المخدرات، لم أتردَّد بداية، وجربتها، وشعرت براحة أنستني واقعي المرير، واعتدت عليها، جيبي لم تخل يوماً منها، وبعد أن تزوجت و وهبني الله طفلاً، كبر الطفل وأبوه مدمن للمخدرات، وعندما أصبح في الرَّابع من عمره، كان يرى والده يخرج أقراصاً من جيبه ويتناولها يومياً".
الطفل البريء ظنّ أنَّها نوعٌ من السَّكاكر، وأبوه يخبئها عنه، فاستغل نوم والده، ووضع يده في جيبه، وأخذ جرعة كبيرة منها، فأصيب بخلل دائم في وظائف أعضائه الدَّاخلية، يا إخوتي، عاقبني الله بابني، لأنّي عصيته، وافتريت بالمعاصي، لكنّي نادم حقاً، وأسأل الله العفو، ابتعدوا يا إخوتي عن رفاق السوء، وإياكم والمخدرات".
صفات الدَّاعية المُبدع

تذكر الشابة "سامية النجار" أنَّها ذهبت في مرَّةٍ إلى المسجد لتأخذ درساً في التلاوة والتجويد، وبعد انتهاء الدرس المقرَّر عليها، جلست الدّاعية(المعلّمة) إلى جوارها وجوار الطالبات، وتحاورت معهن، وتحدثن عن حياتهن اليومية.

وطلبت منهن الدَّاعية أن تكتب كلّ واحدة منهن ما يدور في بالها، أو عن المشاكل التي يتعرّضن لها دون ذكر أسمائهن على الورقة، وبعد أن انتهين من الكتابة، جمعت الدَّاعية الورق، وبدأت تفتح ورقة ورقة وتقرأ للطالبات ما كتب فيها، وتتناقش وإيَّاهن بالمواضيع التي احتوتها، فعمّت الفائدة على جميع الموجدات وشجعتهن لأن يأخذوا المزيد من الدروس في ذلك المسجد.

وبدوره، ذكر د.زكريا الزميلي الأستاذ المشارك في قسم أصول الدين بالجامعة الإسلامية بغزة، أنَّ على الدَّاعية أن يتمتع بعدَّة صفات تؤهّله لأن يكون مبدعاً في دعوته، فيجب أن يكون "مثقفاً" في مختلف المجالات "التربوية والاجتماعية والفكرية...إلخ"، فلا تقتصر الثقافة على المجال "الديني".

وأضاف:" الاطلاع على الثقافات الأخرى تجعل من الدَّاعية مرناً يتعامل مع تركيبة المجتمعات المختلفة، وعليه أن يمتلك القدرة على دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، ويساعده في ذلك استعمال البرهان في محاججة الخصم بالإضافة إلى القدرة على الاستنباط والنقد والحوار مع الآخرين".

وأوضح د.الزميلي أنَّ الإبداع في الدَّعوة يعني أن يأتي الدَّاعية بالشيء الجديد، وأن يتميَّز عن غيره في الدَّعوة إلى الله، فقال الله تعالى:{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}.

وبيَّن أنَّ الأمَّة الإسلامية أمةَ التميّز والإبداع، فهي خير الأمم تدعو إلى توحيد الله وإعلاء كلمته، فبإمكان الدَّاعية أن يتبع أساليب تكنولوجية حديثة أو أساليب غير تقليدية تساعده في توصيل رسالته مبتعداً عن أسلوب القراءة من الورق الذي يحتوي على الكلام الرّسمي جدّاً.

وختم صفات المبدع بـ" القدوة الحسنة" ، فعلى الدَّاعية أن يطبقَ ما يدعو الناس إليه، فيجعل من الرَّسول صلَّى الله عليه وسلّم قدوته، ويكون هو قدوةً للناس، يُحسن اختيار الجمل المناسبة في المواقف المختلفة، ويجادل الناس بالتي هي أحسن، وأن يكون ذا أخلاق عالية.

أهمية الإبداع

وعن أهمية الإبداع في الدَّعوة، أكَّد د.الزميلي أنَّ الدَّاعية المبدع لا يُعيقه عائق في التعامل مع الأصناف المختلفة من الناس، فقد ذكر القرآن أربعة أصناف من الناس: (المؤمنين وصفاتهم،الكافرين وصفاتهم، المنافقين وصفاتهم، وأهل الكتاب وصفاتهم).

واستكمل:" تلك الأصناف الأربعة لا يستطيع الدَّاعية التعامل معها إلاَّ إذا كان متميّزاً ومبدعاً في دعوته، فيستخدم الأدلة العقلية مع الكفار الذين يدّعون بأنَّ الحياة مادة، ويثبت الحجة على المنافقين، ويثبت لأهل الكتاب التحريف باستخدام الأدلة من إنجيلهم نفسه، ومن ثمَّ مقارنته مع ما ذكر بالقرآن".
وأوضح أنَّ الإبداع يساعد الدَّاعية في إيجاد الحلول المنطقية للعقبات التي تقف في طريقه نتيجة علمه التراكمي وخبراته التي اكتسبها على يد معلميه، ممَّا يؤهّله لتحقيق أهدافه والوصول إلى قلوب النَّاس عامة.
واستدرك يقول:" إنَّ استخدام الأساليب الإبداعية في الدَّعوة يساعد على إيصال الدَّعوة إلى الأمي قبل المتعلم، والصَّغير قبل الكبير، ممَّا يكسر الجمود العلمي، ويشارك الآخرين عقولهم".

نصيحة للمبتدئ

ونصح د.الزميلي الدَّاعية المبتدئ بأن يجد طريقة للإبداع في أولى خطواته الدَّعوية، فعليه أن يتسلح بالعلم والثقافة، ويبحث عن كلِّ صغيرة وكبيرة في الكتب، بالإضافة إلى التعلّم على يد أساتذة مختصين أو دعاةٍ مختصين حتّى يفهم أساليب الدَّعوة والحوار الحسن عند مجادلة الناس.

وأوجب  على الدَّاعية المبتدئ ملازمة العلماء؛ " فيكونوا العلماء جليساً صالحاً للمبتدئ، إنَّ معظم علمائنا تتلمذوا على يد علماء أفاضل، ولازموهم حتّى استقوا من معارفهم الفذّة".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية فلسطينية مقيمة في قطاع غزة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والاعلام من الجامعة الاسلامية بغزة عام 2011م، وكاتبة في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "الشباب" الصادرة شهرياً عن الكتلة الاسلامية في قطاع غزة. وعملت في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية أبرزها صحيفة فلسطين، وصحيفة نور الاقتصادية، وصحيفة العربي الجديد.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …