بني .. أوصيك بصلاة الفجر

الرئيسية » خواطر تربوية » بني .. أوصيك بصلاة الفجر
alt

ابني الغالي ...أوصيك بصلاة الفجر...

أي بني ... لقد وضع الله امتحانات واختبارات للتفرقة بين المؤمنين والمنافقين ، وبين الصادقين والكاذبين ، هذه الإمتحانات سنة إلهية ماضيةإلى يوم القيامة ،تتفاوت درجات الصعوبة بينها ولكنها في النهاية اختبارمطلوب من المؤمن أن ينجح فيها كلها ليثبت صدق إيمانه ، وتوافق لسانه مع قلبه..

ومن هذه الاختبارات الخطيرة اختبار صلاة الصبح، الدّرجة النهائية في هذا الاختبار بالنسبة للرجال تكون بالمواظبة على صلاة الفجر في جماعة في المسجد، أمّا بالنسبة للنساء فتكون بالصّلاة على أول وقتها في البيت، والفشل في هذا الاختبار الهام يكون بخروج الصَّلاة عن موعدها الذي شرعه الله عز وجل، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:"إنَّ أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً"، وقتها من ظهور الفجر إلى شروق الشمس فقط، إنَّ صلاة الصبح هي أقصر الصلوات المفروضة فهي ركعتان فقط، ولكنّها جعلت مقياساً للإيمان، واختباراً للصّدق لصعوبة وقتها،وقد أكد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على هذا المعنى في حديث الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه حين قال :"من أدرك ركعة من صلاة الصّبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح".. وجاء في البخاري ومسلم قائلاً :" أحب العمل إلى الله تعالى الصلاة على وقتها، قال عبد الله ثم أي: قال: بر الوالدين، قال ثم أي قال: الجهاد في سبيل الله".

فانظر ـ بني الغالي وقرّة عيني ـ كيف قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إقامة الصلاة في أول وقتها على بر الوالدين على عظمه، وكيف قدمها على الجهاد في سبيل الله الذي هو ذروة سنام الإسلام !!

بني ... هل تستطيع أن تستيقظ مبكراً في موعد الفجر أو قبله للذهاب إلى عملك ؟ أم أنك ستعتذر كل يوم لرئيسك في العمل أن ظروفك لا تسمح بالحضور مبكراً، أو أن إمكانياتك البشرية ضعيفة ؟

لماذا لا نستطيع الاعتذار لرؤسائنا من البشر، ونستطيع كل يوم أن نعتذر "لله" عزّ وجل الذي خلقنا وخلق رؤساءنا ؟!

بني ... صلاة الفجر في جماعة وفي المسجد أجر بلا حدود !!!

فالذي يصلي الصبح في جماعة يأخذ كل المزايا التي يأخذها الذي يصلي أي صلاة أخرى في جماعة، ويأخذ فوقها أموراً خاصة بصلاة الصبح فقط، فهو كمصل للجماعة بصفة عامة تحسب له الصلاة بخمس وعشرين أو سبع وعشرين صلاة، وتكتب له الحسنات، وتمح عنه السيئات، وترفع له الدرجات، وتصلي عليه الملائكة،وغير ذلك من أمور صلاة الجماعة بصفة عامة ، وللفجر ميزة إضافية قال رسول الله صلى اله عليه وسلم:
"من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة (أي: مع العشاء كما نص على ذلك حديث أبي داود والترمذي) فكأنما صلى الليل كله" ، فهل تستطيع أن تصلي الليل بكامله ؟!

بني ...وقفة مع النفس...إذا كان الأجر أعلى في الفجر، والغرض أهم في الفجر، والدعاء أقرب إلى الفجر...فلماذا النوم عن هذه الصلاة ؟ولماذا الزهد في هذا الخير ؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة"
و"المشاؤون" هم كثيرو المشي، أي: الذين اعتادوا على هذه الفضيلة العظيمة، و"في الظلم" أي: في صلاة العشاء وصلاة الصبح، و"إلى المساجد" دليل قاطع على أن هذا النور يعطى لمن اعتاد صلاة الفجر والعشاء في جماعة المسجد.

بني ... توضأ واخرج للفجر إلى المسجد وارفع يديك بدعاء الرَّسول الكريم "اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، واجعل في سمعي نوراً، واجعل في بصري نوراً، واجعل من خلفي نوراً، ومن أمامي نوراً، واجعل من فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، اللهم اعطني نوراً..

بني... ألا تريد الجائزة الكبرى والهدية العظمى والمنحة التي تتضاءل إلى جوارها كل المنح!!من الذي ينال هذه الفرصة المهيبة ؟! يا ولدي ؟؟

إنَّهم أولئك الذين يحافظون على صلاتي الصبح والعصر !! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من صلى البردين دخل الجنة "..والبردان هي الصبح والعصر.
يا سبحان الله !!كل هذا الخير في صلاة الفجر !!فإذا علمت أن أناساً من المسلمين سمعوا بذلك الخير ثمَّ ناموا عن صلاة الفجر، فماذا تقول في حقهم ؟!

بني...صلاة الفجر ـ وهي سنة الصبح ـ هي أكثر صلاة نافلة من نوافل الصلوات خصها رسول الله صلى الله عليهوسلم بتعظيم الأجر بصورة لافتة حقاً للنظر ،فعلى سبيل المثال قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها:"ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها".

ووقفة يابني مع هذا الحديث العجيب !!ما الذي يمنعنا من صلاة الصبح ؟!أليس جزءً ضئيلاً جداً جداً جداً من الدنيا !!إما سهر بالليل في أمر من أمور الدنيا.. وإما رغبة في أخذ قسط من النوم لكي تستطيع أن تقوم في السابعة أو الثامنة أو بعد ذلك لأمر آخر من أمور الدنيا..عن السيّدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت :"لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شئ من النوافل أشد منه تعاهداً على ركعتي الفجر"، فما بالكبالفرض !!

بني ... تأمَّل بآذان الصبح ، إنه مختلف عن بقية الصلواتفقد علمنا رسول الله أن  نقول في أذان الصبح بعد حي على الفلاح : "الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم" ، ما الذي يمنعك غالباً من إدراك صلاة الفجر ؟! أليس النوم ولذته راحته وحلاوته ؟ها قد سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يخبرك ـ وهو الصادق المصدوق ـ أن صلاة الفجر خير من النوم مهما كان النوم في اعتباراتك هاماً ومفيداً !!

وكفاك يا بني أنت تكون  في حفظ الله !!ففي الحديث الشريف :"من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله" ،حماية ربانية عظيمة لمن صلى الصبح..أنت في حماية الله...تشعر بثقة هائلة أثناء يومك إذا كنت مصلياً للصبح..تشعر بثبات أمام المحن.. وأمام المصائب.. وأمام الطغاة.. وأمام الجبابرة..

أنت في حماية مالك الملك وخالق الأكوان..ماذا تريد أكثر من ذلك ؟!كل هذا بركعتين !!

بني ...لفت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنظار أصحابه وأنظارنا إلى أن البركة في البكور.. فالساعات الأولى في الصباح (بعد صلاة الصبح) هي أبرك ساعات في اليوم كله،ولن يستغلها إلا الذي استيقظ في هذا الوقت المبكر وصلى الصبح، وبدأ في استغلال يومه من أوله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم بارك لأمتي في بكورها"..وهذه المباركة في كل شئ،وفي كل الأعمال وفي التجارة والزراعة والقراءة والسفر والجهاد في سبيل الله...فماذا كانت نتيجة السهر الطويل والاستيقاظ المتأخر وضياع الساعات الأولى من الصباح؟لقد ذهبت البركة، وقل الإنتاج واشتدت الأزمة الاقتصادية، وليست هناك وسيلة لعودة البركة إلا بالعودة إلى شرعنا بصورة كاملة، والاهتمام بأدق التفاصيل ومن ذلك استغلال اليوم بكامله، من قبل صلاة الفجر وإلى لحظات النوم، ونسأل الله التوفيق لأمة الإسلام.

بني... لم يكن خالد بن الوليد رضي الله عنه يبدأ قتاله إلاَّ بعد صلاة الصبح..
،ويوسف بن تاشفين، رحمه الله، زعيم دولة المرابطين وقائد من أعظم قادة المسلمين لم يخض موقعة الزّلاقة المشهورة إلاَّ بعد أن صلى الفجر بجيش المسلمين، ثم بدأ القتال ، قطز رحمه الله بدأ القتال في موقعة "عين جالوت" المشهورة ضد التتار بعد صلاة الصبح مباشرة.
لم تكن أعمالهم تبدأ في الخامسة صباحاً أو السادسة صباحاً أو السابعة صباحاً، إنما كانت أعمالهم مرتبطة بصلاة الصبح ، تكيف الدنيا ـ كل الدنيا ـ على مواعيد الصلاة ، ولا تكيف مواعيد الصلاة عل أي شئ أخر!قواعد في منتهى الوضوح في فكر كل قائد مسلم ناجح.

ما أروعكم يا صحابة رسول ... ها هو أنس بن مالك رضي الله عنه كان يبكي كلما تذكر فتح "تستر"،و"تستر"كانت مدينة فارسية حصينة حاصرها المسلمون سنة ونصف بالكامل، ثم سقطت المدينة في أيدي المسلمين، وتحقق لهم فتحاً مبيناً،وهو من أصعب الفتوح التي خاضها المسلمون،فإذا كان الوضع بهذه الصورة الجميلة المشرقة فلماذا يبكي أنس بن مالك رضي الله عنه عندما يتذكر موقعة تستر،لقد فتح باب حصن تستر قبيل ساعات الفجر بقليل، وانهمرت الجيوش الإسلامية داخل الحصن، ودار لقاء رهيب بين ثلاثين ألف مسلم ومائة وخمسين ألف فارس، وكان قتالاً في منتهى الضراوة،وكانت كل لحظة في هذا القتال تحمل الموت، وتحمل الخطر على الجيش المسلم،موقف في منتهى الصعوبة، وأزمة من أخطر الأزمات!ولكن في النهاية – بفضل الله - كتب الله النصر للمؤمنين وانتصروا على عدوهم انتصاراً باهراً، وكان هذا الانتصار بعد لحظات من شروق الشمس !!واكتشف المسلمون أن صلاة الصبح قد ضاعت في ذلك اليوم الرهيب !!لم يستطع المسلمون في داخل هذه الأزمة الطاحنة والسيوف على رقابهم أن يصلوا الصبح في ميعاده!!ويبكي أنس بن مالك رضي الله عنه لضياع صلاة الصبح مرة واحدة في حياته.. يبكي وهو معذور، وجيش المسلين معذور، وجيش المسلمين مشغول بذروة سنام الإسلام، مشغول بالجهاد ،لكن الذي ضاع شئ عظيم!يقول أنس: وما تستر ؟! لقد ضاعت مني صلاة الصبح، ما وددت أن لي الدنيا جميعاً بهذه الصلاة !!

هنا نفهم لماذا كان ينصر هؤلاء !!"إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم "، إن كان الجيش على شاكلة أنس بن مالك رضي الله عنه.. يحاسب نفسه على الصلاة الواحدة.. فهو ولا شك جيش منصور،"ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز".

بني ...هاك بعض الوسائل التي ستيعينك بإذن الله على  المحافظة على صلاة الصبح في جماعة:

بني... أخلص لله عزّ وجل وأعط له قدره..
بني... اعقد العزم وحاسب نفسك يومياً..
بني...  تب من الذنوب واعقد النية على ألا تعود إليها..
بني ... أكثر من الدُّعاء أن يرزقك الله صلاة الفجر..
بني ...احرص على الصحبة الصالحة...
بني ... درّب نفسك على النوم بهدي رسول صلّى الله عليه وسلمّ،النّوم مبكراً وعدم إطالة السهر، وعلى وضوء وعلى الجانب الأيمن ولا تنس أذكار النوم.
بني ... لا تأكل كثيراً قبل النوم وتجنّب الشاي والقهوة في الليل..
بني ... اضبط المنبّه على ميعاد الفجر تماماً بحيث يدق مع الآذان، فتسمع كلمات الآذان الجميلة: حي على الصلاة.. حي على الفلاح.. الصّلاة خير من النوم.. الله أكبر.. لا إله إلاَّ الله..
وهذه الكلمات إن شاء الله ستحرك القلب والروح والجسد للقيام..
بني ... لا داعي للتفاؤل الزَّائد في البداية بأن تعزم على قيام الليل في الثلث الأخير من الليل قبل صلاة الفجر، فإنك إن وضعت المنبه قبل الفجر ولو بربع ساعة فإنك إن لم تكن معتاداً عل القيام فإنك غالباً ستغلق المنبه وتستريح ـ كما سيوسوس لك الشيطان ـ خمس دقائق فقط !! فلذلك نصيحتي أن تأخذ نفسك بالتدرج، فحاول في البداية أن تلتزم بصلاة الفجر، فإذا اطمأننت على قدرتك على الاستيقاظ في هذا الموعد، وتعودت على حلاوة صلاة الفجر فإنك تستطيع في هذه اللحظة أن تقدم المنبه بضع دقائق لتصلي قيام الليل، ثم بعد ذلك قدمه أكثر وأكثر حسبما تسمح قدرتك وطاقتك..
بني ...أحرص على شراء منبّه بصوت مزعج غير موسيقي حتّى يكون أقدر على إيقاظك..
بني ... لا تضع المنبّه بالقرب من يدك، بل ضعه على مسافة بعيدة في الغرفة بحيث تضطر إلى القيام لإغلاقه، فهذا أدعى إن شاء الله ليقظتك، وابدء بذكرالله أول استيقاظك.
بني ...اتفق مع أحد أصحابك أو مع بعض أصحابك أن من يستيقظ أولاً يوقظ الآخر بالتليفون، وهكذا تتعاون أنت وأصحابك على هذا العمل النبيل..
بني ...ادع غيرك إلى صلاة الفجر، وابدأ بأهلك وأولادك وزوجتك وإخوانك، وإذا كنت تجد صعوبة في صلاة الفجر فلا داعي أن يمر أحبابك بنفس التجربة الصعبة، ولكن علمهم وحفزهم وساعدهم بكل طاقتك،واعلم أن هذا في حق أهلك ليس فضلاً منك، بل فرضاً عليك.
بني ...صلاة الفجر في موعدها تعيد تنظيم اليوم بكامله إلى الطريقة التي أرادها الله عز وجل، وإلى الطريقة التي خلق الله الكون ليسير عليها..
بني ... صلاة الفجر تربط الأمة بربها من أول يوم.. فتبدأ الأمَّة الإسلامية يومها بطاعة وذكر وصلاة ودعاء..
صلاة الفجر تجعل الأمة ـ كل الأمة ـ في ذمة الله طول اليوم، وفي حفظ الله طول اليوم، وفي ضمان ورعاية وحماية الله طول اليوم..
بني... صلاة الفجر مقياس لمستوى الأمة ومقياس لقيمة الأمة،فالأمة التي تفرط في الفجر في جماعة أمة لا تستحق القيام بل تستحق الاستبدال،والأمة التي تحرص على صلاة الفجر في جماعة أمة اقترب ميعاد تمكينها في الأرض !!كيف أعاد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله بناء الأمة ؟!إنه أهتم أول ما أهتم بتحفيز المسلمين على صلاتها في المسجد، وعلم أن الجيش الذي يصلي في جماعة جيش يستطيع أن ينتصر على الصليبين أو على غيرهم من أعداء الأمة.
إنَّ هذا الدّين ـ يا بني ـ لن ينصره إلاَّ من أحاطه من جميع جوانبه، الذي أدَّى عباداته، والتزم بعقائده، وتخلّق بأخلاقه، واتبع قوانينه، ولم يتعد حدوده، ولم يترك صغيرة ولا كبيرة فيه إلاَّ وحرص عليها،هذا هو الذي ينصر الدين، وهذا هو الذي ينصره الله عزّ وجل.
رب اجعلني مقيم الصّلاة ومن ذريتي ربنا وتقبّل دعاء.


§    المراجع :-
v    كيف تحافظ على صلاة الفجر ، د. راغب السرجاني

§    مراجع للاستزادة :-
v    صفقات رابحة - د. خالد أبو شادي
v    لماذا صلاة الفجر؟  - عدنان الطرشة
v    كتآب مهَارات عمٌلية للاستَيقاظ لصَلاة الفجر - مريد الكٌلاب

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …