تشهد بعض الدولة العربية هذه الأيام حالة من الحراك السياسي التي تولّدت عقب ثورات الرَّبيع العربي، ويتصدَّر المشهد فيها بعض الحركات الإسلامية خاصة في تونس ومصر؛ بقيادة حركتي : النهضة التونسية والإخوان المسلمين في مصر.
ويتأهَّب أبناء الحركة في مصر لخوض الانتخابات البرلمانية، فيما يعمل أبناء الحركة في تونس لتشكيل الحكومة، قناعة منهم بأهمية هذه الوسيلة في التغيير وتحقيق الإصلاح المنشود الذي طالما ضحت في سبيله هذه الحركات من دمائها وحرياتها .
ولقد تسبَّب خيار الحركات الإسلامية في اعتماد البرلمان وسيلة لتحقيق الغايات الدَّعوية المنشودة في إرباك الغرب الذي طالما ظل نظر إلى الإسلاميين بعين الريبة، وتعامل معهم كونهم متشددين لا يؤمنون بالديمقراطية ، فكان لخيار المشاركة البرلمانية دور فاعل في دمج الإسلاميين في الحياة السياسية، وتعرية كل الذرائع التي استخدمتها الأنظمة الاستبدادية في تصدير مشهد الهلع والفزع من الإسلاميين، حتى أصبحت وسيلة فاعلة في تحقيق الأهداف الدعوية بدأت تؤتي ثمارها في فلسطين بوصول حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى السلطة في غزة عبر صناديق الاقتراع من خلال انتخابات حرة نزيهة شهد العالم كله بشفافيتها، ففي يناير 2006م خاضت حماس انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني رغم تأكيدها علي عدم الاعتراف باتفاقية أوسلو وعدم الاعتراف "بإسرائيل"، وحقَّقت فيها فوزاً كاسحاً بواقع 76 مقعد من أصل 132 مقعداً وشكلت الحكومة الفلسطينية العاشرة برئاسة إسماعيل هنية .
بل وبدأت النظرة الغربية تختلف في التعامل مع الإسلاميين على الأقل من منطلق براجماتي، حيث بدأت تقرأ المشهد بشكل مختلف الآن ، فرغم التحذيرات اليهودية من خطورة تصدّر الإخوان المسلمين في مصر للمشهد السياسي واحتمالية حصولهم على الأغلبية البرلمانية إلاَّ أنَّ الإدارة الأمريكية أبدت مرونة عبر كثير من تصريحاتها أعربت فيها عن ترحيبها بوصول الإخوان المسلمين إلى الحكم إذا أتوا عبر الطريق الديمقراطي، بل إنَّ "هيلاري كلينتون" ذهبت في أحد تصريحاتها إلى أبعد من ذلك، وقالت: إنَّ الأنظمة الاستبدادية كانت تخيفنا من الحركات الإسلامية .
تجربة تونس:
واليوم نجحت حركة النهضة الإسلامية في تونس في كسب ثقة التونسيين، فالتف الشعب حولها رغم حالة العزلة التي حاول زين العابدين بن على فرضها على أبناء حركة النهضة التونسية ذات التوجه الإسلامية، ورغم نفي قادتها لأكثر من عشرين عاماً خارج البلاد ، وهو ما جعل كثير من المحللين يقفون عند هذه الحالة الفريدة إلاَّ أنَّ أكثرهم إنصافاً استقر على أنَّ السبب في نجاح حركة النهضة واقترابها من المشاركة في الحكم إلى الفطرة السوية للتونسيين الذين رأوا النموذج الإسلامي الأجدر على الخروج بهم من حالة الفساد والاستبداد ونهب ثروات ومقدرات البلاد لعقود طويلة، إضافة إلى ذلك فقد جرب أبناء الشعب التونسي الخيارات الوضعية والنماذج المستوردة فلم تشبع حاجاتهم ولم تلبي طموحاتهم، بل إنَّها صادرت حرياتهم ونهبت ثرواتهم فراهنوا هذه المرَّة على مشروع الأمَّة الأصيل، المرتكز على الإسلام .
تجربة مصر ..
أمَّا التجربة المصرية، فقد اعتمدت منذ مدَّة على خيار المشاركة في الحياة السياسية من أيام الإمام الشهيد حسن البنا، وكان لبلوغ الدور السياسي للإخوان ذروته في انتخابات 2005 حيث حصدوا 88 مقعداً رغم عمليات التزوير التي مورست ضدهم فرصة للبرهنة على صحة اختيارهم الفقهي فكثيراً ما هاجمت بعض التيارات الإسلامية خاصة فصائل التيار السلفي الإخوان المسلمين بالخروج عن الفهم الصحيح للإسلام بسبب إصرارهم على العمل في السياسية بل إن قلة منهم ذهبت في بعض الأحيان إلى تكفير من يشارك في الانتخابات البرلمانية ويدخل البرلمان، ويصرُّون على أنَّ العمل داخل جدران المساجد هو الطريق الوحيد لإيصال دعوة الله وتعبيد الناس في الأرض، والآن بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير بدأت تتبدل مواقف هذه الحركات ويؤمنوا بصحة الخيار الفقهي الذي اعتمده الإخوان منذ زمن، فأعلنوا مشاركتهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة .