عرفنا فيما سبق أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى، المعجز المنزل على رسول الله المنقول بالتواتر.. وقد جاء في القرآن والسنة تسمية القرآن بأسماء كثيرة، ووصفه بصفات عديدة، كل منها يدل على جانب أو أكثر من جوانب عظمة القرآن الكريم، وأثره وأهميته.
وهذا بيان لأشهر أسماء القرآن وصفاته:
1-القرآن : ورد هذا الاسم في مواضع كثيرة من القرآن الكريم كقوله تعالى:" إن هذا القرآن، يهدي للتي هي أقوم" الإسراء/9 وقوله: " إن هو إلا ذكر وقرآن مبين" يس/ 69 وقوله :" وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث..." الإسراء/ 106.
وهذا الاسم خاص بهذا الكتاب، إذ لم يتسمّ به كتاب من قبل، وللعلماء في هذه الكلمة أقوال؛
فمنهم من جعلها علماً على القرآن ، فهي غير مشتقة ، وعليه تكون غير مهموزة (قران). وهي قراءة ابن كثير المكي(1)، وبهذا القول أخذ الإمام الشافعي.
ومنهم من رأى أن هذه الكلمة مشتقة، لكنهم أيضاً اختلفوا في أصلها الذي أخذت منه:
فمنهم من جعلها مصدراً لـ (قرأ )، كالغفران والشكران مصدران لـ ( غفر وشكر ).
ومنهم من جعلها مشتقة من قرنت الشيء بالشيء، إذا ضممته إليه، وإنما سمي القرآن بذلك لقرن السور والآيات والحروف فيه.
ومنهم من رأى أن الكلمة مشتقة من القرائن، جمع قرينة، لأن القرآن يصدق بعضه بعضاً(2).
وسواء أكانت هذه الكلمة علماً على القرآن أو مشتقة كما سبق بيانه، فإنها بلا شك كلمة سمي بها القرآن الكريم دون غيره من الكتب(3)، وإذا أطلقت هذه الكلمة توجه الذهن فوراً إلى دلالتها المباشرة على كتاب الله تعالى. وهي تدل بوضوح على القراءة، وأن هذا القرآن مقروء متلو.
2- الكتاب : ورد هذا الاسم في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، كقوله تعالى: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} [البقرة /2]، وقوله:{تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم} [الزمر/1]، وقوله: {حم~ تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم} [غافر/ 1و2] .
وكلمة كتاب من كتب، والكَتْبُ جمع الشيء إلى الشيء، ويرى الراغب أن الكتاب مصدرٌ سُمي المكتوب فيه كتاباً، والكتاب في الأصل اسم للصحيفة مع المكتوب فيه ...والكتابة ضم الحروف بعضها إلى بعض في الخط" (4).
رُوعي في تسمية القرآن الكريم قرآناً كونه متلواً بالألسن، كما روعي في تسميته كتاباً كونه مدوناً بالأقلام، فكلتا التسميتين من تسمية الشيء بالمعنى الواقع عليه
ولهذا الاسم دلالة واضحة على أنه مكتوب في الصحف والألواح، علماً بأن القرآن الكريم لم ينزل مكتوباً في صحف، ولم يأخذه الرسول صلى الله عليه وسلم في ألواح، بل كتبه الصحابة بعد نزوله، كلما نزل منه شيء كتبوه حتى تم لهم جمعه بتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم وإقراره.
ولا شك أن التنبيه على أنه سيكتب، فيه إشارة إلى الجهد الذي سيبذل في كتابته وتوثيقه، وهو جهد عظيم جداً قام به صحابة أفذاذ، هيأهم الله تعالى لحفظ كتابه .
إن تسمية القرآن الكريم بهذين الاسمين؛ القرآن والكتاب، إنما كانت لحكمة عظيمة، وقد أشار إليها المرحوم د. محمد عبد الله دراز بقوله:" رُوعي في تسميته قرآناً كونه متلواً بالألسن، كما روعي في تسميته كتاباً كونه مدوناً بالأقلام، فكلتا التسميتين من تسمية الشيء بالمعنى الواقع عليه .. فلا يقبل القرآن المقروء ما لم يُعرض على المصحف العثماني المكتوب ويتفق معه، ولا يقبل المكتوب ما لم يتفق مع تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه للقرآن، وإقراءهم له وقراءته له أمامهم .." (5).
3- الفرقان : ورد هذا الاسم في عدة مواضع من القرآن الكريم، كقوله تعالى:
{تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً} [الفرقان/ 1]، وقوله: {نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدىً للناس وأنزل الفرقان} [آل عمران/ 3 و4].
والفرقان مصدر من فرق يفرق إذا فصل الشيء من الشيء، وسمي القرآن بذلك لأنه فرق بين الحق والباطل، فتكون هذه التسمية من المصدر الذي بمعنى اسم الفاعل، وقد تكون هذه التسمية بمعنى اسم المفعول، إذا كان المعنى: فرقت آياته أي بينت وفصلت كما في قوله تعالى: {وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ...} [الإسراء / 106].
يلحظ في هذه التسمية ما في القرآن الكريم من تمييز بين الحق والباطل، والخير والشر والهدى والضلال، والعلم والجهل، والسعادة والشقاء، واليسرى والعسرى ... .
---------------------
الهوامش :
(1) انظر: سراج القارئ المبتدئ وتذكار المقرئ المنتهي/ لابن القاصح البغدادي ص161.
(2) انظر: في علوم القرآن عرض ونقد وتحقيق/ د.أحمد حسن فرحات 161
(3) ورد في صحيح البخاري (4/160)، رقم (3417) عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (خُفف على داود عليه السلام القرآن، فكان يأمر بدوابه فتسرج، فيقرأ القرآن قبل أن تُسرج دوابه، ولا يأكل إلا من عمل يده)، ومعنى ذلك: خُففت على داود قراءة الزبور، لأن المراد بالقرآن في هذا الحديث (مصدر القراءة لا القرآن المعهود لهذه الأمة). فتح الباري لابن حجر (8/397).
(4) انظر: المفردات في غريب القرآن/ للراغب ص699.
(5) انظر: النبأ العظيم/د. محمد عبدالله دراز