تبدأ أولى ثمرات الحب بالظهور مع الاستبشار بقدوم أول مولود، ويتابع الزوجان بعيون الترقب الممزوجة بالأمل والحب نمو ذلك الجنين الصغير في رحم الأم من اللحظة الأولى إلى أن تحين ساعة الولادة..
يولد طفل جديد يبتهج ويسرّ أبواه بولادته ، ويتوافد الأقرباء والأصدقاء للتهنئة والمباركة للأبوين، ويسألوا والده ماذا ستختار له اسماً؟!
الاسم هو أوَّل ما يواجه المولود إذا خرج من ظلمات الأرحام، وأول وسيلة يدخل بها المولود في ديوان الأمَّة، وهو تشريف وكرامة لآدمية الإنسان المسلم، ودعاء له، وعنوان عليه، فهو مرتبط به، وحسن اختيار اسم الطفل هي حق من حقوقه على أبويه، وهذا ما وصى به نبيّنا محمّد عليه أفضل الصّلاة والسّلام، أن يحسن الوالد اسم ابنه، ويحسن أدبه، وقد شكا أحد الأباء إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عقوق ابنه، فقال عمر للابن: صاحب الاسم الحسن يحمله اسمه ويدفعه إلى فعل المحمود من الأفعال، وذلك حياءً من اسمه لما يتضمنه من المعاني الحسنة، "ما حملك على عقوق أبيك"؟ فقال الابن: يا أمير المؤمنين ما حقّ الولد على أبيه؟ قال: "أن يحسن اسمه، وأن يحسن اختيار أمّه، وأن يعلمه الكتاب"، فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّ أبي لم يفعل شيئاً من ذلك، فالتفت عمر للأب، وقال له: "عققت ولدك قبل أن يعقَّك"!
اختيار الاسم :
إنَّ قضية اختيار أسماء للأبناء هي قضية مهمَّة في كلّ بيت، فقبل أن ترزق الأسرة بطفل جديد، يبدأ أفرادها بالبحث عن اسم يناسب مولودهم القادم، البعض يستقي الاسم من أسماء الأب أو الجد، وخاصة إذا كان الولد البكر ، ومنهم من يسمّون على حسب شكل المولود أو ظرف الحمل والولادة أو حسب ظرف العائلة عند قدومه مثل نصر أو عيد، غريب، رمضان، شعبان، ومنهم من يسمّي ابنته بختام، كفايه، منتهى، أو نهاية، عند تواتر مجيء الإناث أملاً بأن تكون هي الأنثى الأخيرة في العائلة، وبعضهم يهوى الأسماء التي تنم على الشّجاعة والقوّة والرّجولة، وبعضهم يسمّي استجابة لرؤيا في المنام ، وآخرون يحرصون أشدَّ الحرص على تسمية أبنائهم بأسماء غير متداولة وغير معروفة ومنتشرة، والبعض للأسف يسمّي أبناءه بأسماء مشاهير الفن والتمثيل والغناء وبأسماء أجنبية غير عربية، ظنّاً منهم أنَّه هذا هو التقدّم والرّقي.
ولنا أن نسأل :هل الإنسان يصنع اسماً أم الاسم يصنع الإنسان؟
يشير الإمام ابن قيّم رحمه الله إلى أنَّ هناك علاقة وارتباطاً بين الاسم والمسمَّى، وأنَّ للأسماء تأثيراً على المسمّيات، وبالعكس، ويذكر رحمه الله جانباً تربوياً مهمّاً في اختيار الاسم، إذ أنَّ صاحب الاسم الحسن يحمله اسمه ويدفعه إلى فعل المحمود من الأفعال، وذلك حياءً من اسمه لما يتضمنه من المعاني الحسنة، ويلاحظ فى العادة أنَّ لسفلة الناس ولعليتهم أسماء تناسبهم وتوافق أحوالهم.
وقد أرشدنا ديننا الحنيف ونبيّنا الكريم إلى أسس اختيارنا لأسماء أبنائنا فلذات أكبادنا:-
1. جاء في وقت التسمية ثلاثة وجوه؛ وهذا يدلّ على أنَّ في الأمر سعة ، تسميته يوم ولادته أو إلى ثلاثة أيام من ولادته أو في اليوم السَّابع.
2. المولود ينسب إلى أبيه لا إلى أمّه، يقول الله عزوجل : ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله).
3. يجب اختيار الاسم الحسن في اللفظ والمعنى فيكون حسناً عذباً في اللسان مقبولاً للأسماع يحمل معنى شريفاً، فيه وصف صادق للإنسان، وأن يكون عربياً حسن المبنى والمعنى لغةً وشرعاً، قال الطبري رحمه الله : " لا ينبغي التسمية باسم قبيح المعنى، ولا باسم يقتضي التزكية له، ولا باسم معناه السب، ولو كانت الأسماء إنَّما هي أعلام للأشخاص، ولا يقصد بها حقيقة الصفة. لكن وجه الكراهة أن يسمع سامع بالاسم، فيظن أنَّه صفة للمسمّى، فلذلك كان صلّى الله عليه وسلمّ يحوّل الاسم إلى ما إذا دعى به صاحبه كان صدقاً ".
4. وهذه بعض من الأسماء المستحبة والجائزة على التوالي:-
استحباب تسمية : عبد الله، وعبد الرَّحمن، وهما أحب الأسماء إلى الله تعالى ، كما ثبت الحديث بذلك عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي رواه مسلم وأبو داود وغيرهما، وذلك لاشتمالهما على وصف العبودية التي هي الحقيقة للإنسان. وقد خصهما الله في القرآن بإضافة العبودية إليهما دون سائر أسمائه الحسنى، وذلك في قوله تعالى: ( وأنه لما قام عبد الله يدعوه ) [ الجن : 19 ]، وقوله سبحانه : ( وعباد الرحمن ) [الفرقان :63]، وجمع بينهما في قوله تعالى: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) [الإسراء: 110].
التَّسمية بأسماء أنبياء الله ورسله، لأنَّهم سادات بني آدم وأخلاقهم أشرف الأخلاق وأعمالهم أزكي الأعمال، فالتسمية بأسمائهم تذكر بهم وبأوصافهم وأحوالهم ، وقد سمّى النبيّ ابنه باسم أبيه إبراهيم ، فقال عليه الصّلاة والسّلام : " ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم صلّى الله عليه وسلم " رواه مسلم.
التسمية بأسماء الصّالحين من المسلمين، فقد ثبت من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي : " أنّهم كانوا يسمّون بأسماء أنبيائهم والصّالحين من قبلهم " رواه مسلم. 5. مراعاة قلّة حروف الاسم ما أمكن، مراعاة خفة النطق به على الألسن، مراعاة التسمية بما يسرع تمكنه من سمع السامع،مراعاة الملائمة فلا يكون الاسم خارجاً عن أسماء أهل طبقته وملته وأهل مرتبته. وهذا أدب مهم رفيع، وإحساس مرهف لطيف، نبَّه عليه العلامة الماوردي رحمه الله في كتابه "نصيحة الملوك" فقال : " فإذا ولد المولود ، فإنَّ من أول كراماته له وبرّه به أن يحليه باسم حسن وكنية لطيفة شريفة، فإن للاسم الحسن موقعاً في النفوس مع أول سماعه.
6. دلَّت الشريعة على تحريم تسمية المولود إذا كان اسم معبد لغير الله تعالى وقد غير رسول الله أسماء عبد العزى وعبد الكعبة وعبد شمس وعبد الحارث، وأيضا الأسماء الأعجمية الموالية للكافرين، وكل اسم فيه دعوى ما ليس للمسمّى، فيحمل من الدّعوى والتّزكية والكذب ما لا يقبل بحال ، ومنه ما ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك ..." الحديث، متفق عليه، ومثله قياسا على ما حرمه الله ورسوله : سلطان السلاطين، وأيضا قال ابن قيّم : " التسمية بأسماء الشياطين، كخنزب، والولهان، والأعور، والأجدع، وقد وردت السنة بتغيير اسم من كان كذلك.
7. تكره التسمية بما تنفر منه القلوب، لمعانيها، أو ألفاظها، أو لأحدهما، لما تثيره من سخرية وإحراج لأصحابها وتأثير عليهم، فضلاً عن مخالفة هدي النبيّ صلّى الله عليه وسلم بتحسين الأسماء : ومنها : حرب، مرّة، ويكره تعمّد التسمّي بأسماء الفسَّاق من الممثلين والمطربين. وقد غيّر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم مجموعة أسماء وحولها من الأسماء الشركية إلى الأسماء الإسلامية، ومن الأسماء الكفرية إلى الأسماء الإيمانية ، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغيّر الاسم القبيح إلى الاسم الحسن". وبالختام ندعو الله بأن نحسن اختيار أسماء أبنائنا، و أن يعيننا على تربيتهم تربية إسلامية، وبارك الله لكم في المولود وشكرتم الواهب وبلغ أشده ورزقتم برّه.
المراجع :-
• تسمية المولود - بكر بن عبدالله أبو زيد.
• الوافي في الاسماء العربية ومعانيها – د . بسام محمد عليق.