كان أهالي مدينة خان يونس على موعد اليوم الجمعة الماضي مع تشييع جنازة أحد أبرز أعلام الحركة الإسلامية في فلسطين، وأحد أوائل رجالها الذين أسسوا جماعة الإخوان المسلمين ، فقد احتشدوا في مسيرة ضخمة ضمَّت عشرات الآلاف، حيث لم تتسع شوارع خان يونس لهذا الحشد من الجماهير المشاركة في تشييع الشيخ محمد عبد خطاب النجار الذي وافته المنية عن عمر يناهز "84 عامًا" بعد صراع طويل مع المرض في مستشفى غزة الأوروبي.
كان بيت الفقيد رحمه الله شاهدا تاريخياً على الكثير من القرارات المصيرية التي اتخذتها الحركة الإسلامية في تاريخها وتاريخ القضية الفلسطينية، فكان بيته قبلة للمجاهدين، وهو المعنى الذي أكد عليه رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية؛ حيث رثاه يوم الجمعة الماضية كما أكد على أن اجتماعات كبيرة للحركة وللجماعة كانت تعقد في منزل النجار وفي مراحل عصيبة ومعقدة، مشيدًا بمناقب الشيخ الراحل، وأنه كان علمًا من الأعلام الإسلامية في فلسطين رغم تواضعه الكبير كما قال هنية: "لقد كان النجار مؤسسًا متواضعًا، وقد خرج الأبناء وكان ظلا لهم"
وهي المعاني نفسها التي أكَّد عليها نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني أحمد بحر، والذي أشار إلى أنَّ الفقيد عمل طيلة حياته حارسًا للقيم والفضائل والأخلاق، وكان شعلة في البذل والعطاء التربوي والدَّعوي والاجتماعي الذي تشهد عليه عقود حياته الممتدة التي عمّرها بالخير والدعوة والإحسان، كما أشار بحر إلى دور الفقيد في العمل الخير، وقال: إنَّه أحد أعمدة العمل الخيري والاجتماعي الفلسطيني، وأحد أكثر الحريصين على التواصل والتماس المباشر مع احتياجات وهموم الناس المعيشية، مشيرًا في الوقت نفسه إلى النفس الوحدوي الذي كان يتحرك به الفقيد بين أبناء شعبنا، وحرصه الدائم على تحقيق الوحدة الوطنية والتوافق الداخلي.
سيرته:
ولد الشيخ محمد عبد خطاب النجار رحمه الله بمحافظة خان يونس عام 1927م واقتصر تعليمه على مشايخ الكتّاب مثل الكثيرين من أبناء جيله، ولكنه كان داعية نشيطًا يعطي الدروس والمواعظ من مسجد لآخر في قطاع غزة ، ثم التحق بالجيش الفلسطيني عند دخول الانتداب البريطاني في الأربعينيات، و تركه في بداية 1947، قبل أن يذهب إلى مصر ويمكث فيها 7 شهور، عايش خلالها قادة ومؤسسي جماعة الإخوان المسلمين، وتزوج خلالها في مصر، ورزق 5 من الأولاد و4 من البنات.
انضمَّ لجماعة الإخوان المسلمين عام 1948، وكان يقول عن نفسه انه ميلاده الحقيقي عام 48 أي منذ انضمامه إلى الإخوان المسلمين" ، وشارك إلى جانب الإمام الشهيد أحمد ياسين في إعادة تأسيس الجماعة بعد حرب عام 1967 عاصر رحمه الله أعلام الإخوان في تلك الفترة وعلى رأسهم الشاعر الإسلامي الكبير أحمد فرح عقيلان والشيخ محمد أبو سردانة، ومن خارج فلسطين الشيخ محمد فرغلي وكامل الشريف والشيخ سعيد رمضان والشيخ عبد الحكيم عابدين ، كان رفيقا درب الشيخ الشهيد أحمد ياسين في رحلته الدعوية والجهادية الطويلة، وشارك معه في تأسيس الجامعة الإسلامية وجمعية المجمع الإسلامي وجمعية الرحمة الخيرية ومستشفى دار السلام بخانيونس، كان رحمه الله ممثلا عن خان يونس في الهيئة الإدارية الأولى للإخوان المسلمين في قطاع غزة فترة الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي.
شغل موقع عضو مجلس أمناء الجامعة الإسلامية منذ عشر سنوات وحتى وفاته لعب رحمة الله عليه دورا فاعلاً في احتواء رجال المقاومة فكان بيته مقرًّا وملاذًا للمجاهدين من أمثال القائد العام لكتائب القسَّام محمَّد الضيف ، والشهيد القائد يحيى عيَّاش والشهيد الدكتور إبراهيم المقادمة. ونظراً لهذا الدور البطولي تعرّض لأربع محاكمات عسكرية لدى الاحتلال في فترة الثمانينات وأوائل التسعينات.