مرحلة الشباب من أخطر مراحل عمر الإنسان، تسبقها مراحل عمرية، وتليها مراحل أخرى، ومن هنا كانت مفعمة بالحيوية والنشاط والتفاعل والحركة، يسعى فيها كل فرد إلى تحقيق ذاته تربوياً وعلمياً وفكرياً، وهي مرحلة تتميّز بكثير من الصفات والخصائص.
يعمل المربّون والمختصون على مختلف اتجاهاتهم وأفكارهم على العناية بهذه الشريحة التي تعدّ ركيزة المجتمع والأمَّة، وتوجيها وفق خطط وبرامج تعتمد في أصولها على أيديولوجيات مختلفة.
لكن تبقى نصاعة التوجيه الرباني وسداد التربية الإسلامية المستمدة من الوحيين؛ القرآن الكريم وسنة الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم، والمرتكزة على بيان القدوة الصالحة من خلال سير العلماء والصَّالحين المعين الأوّل في توجيه الشباب المسلم كي يكون في طليعة الملتزمين بمنهج الله عزّ وجل، وفي مقدّمة المحافظين على ثوابت الأمَّة والمدافعين عنها.
سواء كانوا طلاباً على مقاعد الدراسة، أو باحثين في مراكز العلم والتكنولوجياً، أو دعاةً ومدرسين في المدارس والجامعات، أو ممارسين لمهن علمية أو تجارية أو غيرها ...
معالم نجاح شباب الأمّة الإسلامية في حياتهم، وسبل نجاتهم من المغريات والمثبطات .. وتيسير وصولهم إلى منابع العلم النافع، ومفاتيح التوازن بين الحقوق والواجبات والأولويات.. كلّ ذلك كان في حوار جمعنا مع الدَّاعية مخلص يحيى برزق، فإلى تفاصليه ..
إنَّ سبيل النجاة هو ذاته الذي خطّه رسول الله صلى الله عليه وسلم لكلِّ من يتشرَّف بالانتماء له ولدينه وأمته، ألا وهو الحرص كلَّ الحرص على التمسك بتلك الهوية الغالية والتحلّي بكل الصفات التي تجعلك مسلماً بحق.
بصائر: يعيش شباب الأمَّة الإسلامية اليوم بين مغريات ومثبطات تمنعهم من المضي نحو تحقيق الهدف من وجودهم وحياتهم، ما سبيل النجاة؟
برزق: أخشى أن يوحي سؤالكم للشباب بأنَّه وحده الذي ابتلي بالمغريات والمثبطات، فالشباب على مدى الأزمان كلّها ممتحن ومبتلى بذلك، وهذه سنة إلهية لا تتغيّر {ليميز الله الخبيث من الطيب}، وليتم الاصطفاء والاجتباء لمن تاقت نفسه للمعالي، وترّفعت عن دنايا الدنيا وبهارجها.
ألم يأت شاب في زمن صفوة الصفوة للنبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الزِّنا؟
ألم تفتح الدنيا على مصراعيها على شباب المسلمين بعدما فتحت البلاد والأمصار؟
ألم يناد بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فأبشروا وأَمِّلُوا ما يسرُّكم، فوالله ،لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبْسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ. - وفي رواية : . وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ)). (متفق عليه).
إنَّ سبيل النجاة هو ذاته الذي خطّه رسول الله صلى الله عليه وسلم لكلِّ من يتشرَّف بالانتماء له ولدينه وأمته، ألا وهو الحرص كلَّ الحرص على التمسك بتلك الهوية الغالية والتحلّي بكل الصفات التي تجعلك مسلماً بحق.
إنَّ أناساً يفتخرون بالانتماء إلى بلد أو قطر أو قارة أو جنس يبذلون لأجل المحافظة عليه أموالهم وأعمارهم، بل إنَّ دولاً تصرف الملايين على الفولكلور الشعبي زيّا وغناءً وأعياداً ومناسباتٍ وغير ذلك حفاظاً على صبغة تميّزها عن شعوب الأرض..
إنَّ المطلوب من شباب الأمّة في الحد الأدنى ألاَّ يتنكروا لهويتهم وماضيهم المجيد وألاَّ يسقطوا في حبائل إبليس بأنهم لا طاقة لهم في تغيير الواقع أو النجاة من فتنه المتلاطمة..
فكيف لا يبذل شبابنا من أوقاتهم وجهدهم وهمّهم وتفكيرهم بل وأموالهم ودمائهم لأجل المحافظة على صبغة الله {ومن أحسن من الله صبغة} والمحافظة على هويّة معطّرة بالوحي ومطيّبة بأنفاس المصطفى صلى الله عليه وسلم ومخضّبة بدماء الصحابة الكرام ومعمّدة بأمجاد الفاتحين العظام..
إنَّ المطلوب من شباب الأمّة في الحد الأدنى ألاَّ يتنكروا لهويتهم وماضيهم المجيد وألاَّ يسقطوا في حبائل إبليس بأنهم لا طاقة لهم في تغيير الواقع أو النجاة من فتنه المتلاطمة..
المطلوب منهم الاعتزاز قولاً وفعلاً بكل ما جاء به القرآن الكريم وصحّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
بصائر: وما الخطوات العملية لكي يحافظ الشباب على التربية الصَّحيحة والسّلوك الرَّزين؟
برزق: على الشباب أن يبحث عن بواعث القوَّة الكامنة فيهم دون يأس أو كلل أو ملل والتوافق على قواسم مشتركة بين جموع الشباب في أرجاء الأمَّة، ونبذ الفرقة والتنازع، والتخلص من ذلك الانكفاء المناطقي والإقليمي والشعوبي، على الشباب انتزاع زمام المبادرة والسير مجدّداً على خطى الرَّسول صلّى الله عليه وسلم الذي أقام الدولة على ثلاثة أسس رئيسة هي: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وبناء المسجد، وكتابة ميثاق يحكم العلاقة مع أهل الكتاب في المدينة المنورة..
نريد شباباً يتآخى في أحضان بيوت الله والمساجد التي تشع إيماناً وعلماً وتصوغ شخصية متكاملة وسطية، لا تعنو جباهها إلا لخالقها، ولا تفرط في استخدام القوة مع من خالفها، نريد شباباً يتعامل مع أصحاب الملل الأخرى بتلك الإنسانية التي صاغتها وثيقة العهد النبوي الأول مع يهود المدينة كي لا ينزلق إلى مهاوي التطرف والقسوة التي لا يقرها إسلامنا وشرعنا الأغرّ.
نريد شباباً يتآخى في أحضان بيوت الله والمساجد التي تشع إيماناً وعلماً وتصوغ شخصية متكاملة وسطية، لا تعنو جباهها إلا لخالقها
بصائر: برأيكم، كيف يمكن أن يوازن الطلبة اليوم ونحن في بداية العام الدراسي بين الواجبات المدرسية وبين الواجبات نحو الله، والنفس، والأسرة والمجتمع ؟
برزق: لا تعارض البتة بين تلك الأمور جميعاً، لأنَّ كلَّ واحد منها يفترض أن يعزّز الآخر، قيامك في الصلاة وتذللك بالدّعاء لله أن يعينك على أمور دينك ودنياك يجعلك بنفسية لا تقف أمامها أيّ عقبة ولا يثبطها أي عائق، والطالب الذي يستحضر النية أن ينفع بدراسته أمّته وينهض بها من كبوتها إنَّما يحوّل قاعة الدراسة إلى محراب يرتقي فيه إلى مراتب العبّاد والزهّاد والمجاهدين في سبيل الله..
محراب لا ينبغي لمن يدخله أن يتصف بالغش أو الخمول والكسل أو اللامبالاة، ولكي تبقى تلك النيّة حاضرة، وجب على الطالب أن يقسم وقته بدقة وينظم أعماله المختلفة دون أن يطغى عمل على آخر، وله العبرة في تقسيم الله أوقات الصّلاة وجعلها منسجمة مع ما يجري في الكون من ظواهر لا تختل أبداً كشروق الشمس وغروبها. عليه أن يرفد دراسته بزاد روحي كبير، وينزه عبادته عن التواكل والرّهبنة غير المحمودة..
فما أروع ذلك المشهد لطالب صلّى المغرب جماعة في المسجد، ثمَّ عكف على كتاب مدرسي له مستنداً لاسطوانة من اسطوانات المسجد حتّى صلاة العشاء، وما أروع ذلك المشهد أيضاً لطالب في مدرسته أخرج مصحفه من جيبه ليراجع آيات يحفظها في فترة الرَّاحة أو ما بين المحاضرات.
بصائر: تطالعنا كتب السير والتراجم بنماذج فذَّة قادت التغيير والنَّصر عبر تاريخنا الإسلامي، هلاَّ أطلعتم جيل اليوم بلقطات وعبر ودروس منها ؟
إنَّها رسالة للشباب الذين يزدرون أنفسهم ويختزلون أدوارهم في التافه من الغايات والدنيء من الأفعال والأعمال
برزق: قد تفي أسطر قليلة مختبئة بين صفحات التراجم والسير عن مجلدات ضخمة لما يمكن أن تحمله من دلالات وعبر لمن تأمل بها وتدبّر، وأسوق هنا سطراً أورده تقي الدين المقريزي في "إمتاع الأسماع" عن سبب غزوة الفتح بقوله "ثم كانت غزوة الفتح، وسببها أن أنس بن زنيم الديلي هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فسمعه غلام من خزاعة فضربه فشجه؛ فثار الشر بين بني بكر [حلف قريش]، وبين خزاعة [حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم]".
إنَّها رسالة للشباب الذين يزدرون أنفسهم ويختزلون أدوارهم في التافه من الغايات والدنيء من الأفعال والأعمال، ذاك غلام حرّكه إيمانه للدفاع عن قائد الأمّة صلى الله عليه وسلم ففعل ما رأى أنه يستطيع فعله، واجتهد بما يمكن أن يقدّمه لهذا الدين، فبارك الله له في عمله، وجعله سبباً لأعظم الفتوح..
ذاك غلام خفيّ تقيّ، نجهل اسمه، وبالكاد نعرف عنه شيئاً، وما يضرّه ذلك ولا ينقص ذلك من قدره ومقامه شيئاً مادام الله تعالى يعرفه ويعرف حسن صنيعه.. وهو ما نريده ونأمله من شباب أمّتنا ليبارك الله لهم في أعمالهم وصنائعهم فيجعلها سبباً لنصره الموعود.. وهنيئاً لمن جعله الله مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر بصدق توجهه وإخلاصه وحسن عمله.
بصائر: لعلَّ رافد القراءة والمطالعة يعزّز من بلورة المفاهيم والأفكار لدى شباب اليوم، ما هي أهم الكتب التي ينبغي أن يعكفوا على مطالعتها وتلخيصها؟
الشباب مطالبون بأن يعبّوا من ذلك المعين حتى يتضلّعوا منه، ولكن بعد التّحري والاستقصاء عن كل كتاب يقدمون على مطالعته.
برزق: إنَّ طريقة التعامل مع الكتب تؤثر كثيراً في زيادة تأثيرها وحجم الاستفادة منها. فالذي ينظر إلى الكتب على أنها كتل جامدة تحوي طلاسم معقدة ومواد عسيرة على الهضم، لن يقبل عليها ولن يستفيد منها كذلك الذي ينظر للكتب على أنها بساتين تحوي عاطر الزهر وطيّب الثمر، دون إغفال أن منها نبت شيطاني ينفث سمّاً زعافاً وإن تلونت أوراقه كما الأزهار اليانعة..
ودون تحديد لكتب بعينها يمكن الإشارة إلى مواصفات عامّة للكتب التي يحسن بشبابنا التهامها والمسارعة إليها، وهي ببساطة تلك التي يثني عليها العلماء الثقات والدعاة المخلصون خيراً، فالشباب مطالبون بأن يعبّوا من ذلك المعين حتى يتضلّعوا منه، ولكن بعد التّحري والاستقصاء عن كل كتاب يقدمون على مطالعته.
ولهم بعد ذلك أن يتوسعوا في القراءة مادام ذلك منهجهم، فإن اشتمّوا ما يريبهم في بعض مضامين لكتابٍ ما، فليردّوا ذلك إلى أولي العلم والاختصاص والتقوى والصلاح ليبيّنوا ذلك لهم، والله ولي التوفيق والسّداد.