ثلاثة أعوام مرّت على تلك الحرب المجنونة التي قام بها الاحتلال الصهيوني المجرم، ضد أهل غزة الصامدين المرابطين، والتي استخدم فيها جميع أنواع أسلحته وترسانته العسكرية، لإسكات صوت الحق وسحق الثابتين على المبادئ بأي طريقة كانت.
أعادت هذه الحرب للأذهان ما قرأناه عن الحربين العالميتين، وغيرها من الحروب الطاحنة. لكن ما يميّزها أنّها كانت ضد شعب غالبيته أعزل لا يحمل سلاحاً ولا يملك طائرات أو دبابات، إلا أنه واجه هذه الترسانة العسكرية الضخمة بسلاح الإيمان بالقضية والثقة بالله مستخدما بعض الأدوات البسيطة للدفاع عن نفسه، والتي لا تقارن بما عند اليهود من عتاد وجنود ووسائل قتالية.
هي حرب تضاف إلى سلسة جرائم اليهود، وفي نفس الوقت، هي انتصار تضاف إلى سجل الصامدين والثابتين والقلة القليلة والفئة المؤمنة على أرض غزة المباركة.
إذن هي حرب تضاف إلى سلسة جرائم اليهود، وفي نفس الوقت، هي انتصار تضاف إلى سجل الصامدين والثابتين والقلة القليلة والفئة المؤمنة على أرض غزة المباركة.
لماذا الحرب؟؟
بداية لا يحتاج الاحتلال لأي مبرر للاعتداء على الشعب الفلسطيني، فهو يمارس عملياته الوحشية ضدهم منذ أن زرعته بريطانيا قبل عام 1948 على تلك الأرض المباركة، و كان العدوان الصهيوني الأخير على غزة -والتي سماها الاحتلال بـ" الرصاص المسكوب" أو التي سماها أهل غزة بـ " حرب الفرقان"- استكمالاً لسلسلة اعتداءات ابتدأت بدير ياسين، وكفر قاسم، مروراً بصبرا وشاتيلا، ومخيم جنين، وغيرها من تلك الجرائم التي تضاف إلى ملف الإجرام الصهيوني.
لكن من الأسباب التي ساهمت في اندلاع الحرب، الخروقات الصهيونية للتهدئة لأكثر من مرة، والتي استوجبت من الفصائل الفلسطينية الرّد بكل حزم على تلك الاعتداءات الصهيونية، لذا كان شعار الاحتلال في تلك الحرب وقف إطلاق الصواريخ من غزة؛ لتهديدها المغتصبات الصهيونية في شتى بقاع فلسطين المحتلة.
كان الاحتلال يسعى لإنهاء حكم " حماس" في غزة، كونها حكومة "إرهابية" لا تريد السلام مع "إسرائيل" بل تناصبها العداء وترى أنّ الجهاد والمقاومة هي الحل للقضية.
كما أنّ الاحتلال، لم يرق له أن يجد الجماهير تلتف حول خيار المقاومة، والتمسك بالثوابت، رغم كل ما فرضه عليها، من حصار خانق، وتضييق في سبل العيش، والسعي بشتى الطرق لإفشال تجربة حماس في الحكم، لذا كان يسعى لإنهاء حكم " حماس" في غزة، كونها حكومة "إرهابية" لا تريد السلام مع "إسرائيل" بل تناصبها العداء وترى أنّ الجهاد والمقاومة هي الحل للقضية.
وفي نفس الوقت، كان انتصار المقاومة في احتجاز الجندي الصهيوني " جلعاد شاليط" وعدم قدرة الاحتلال وأعوانه على معرفة مكانه، أو تخليصه من الأسر، ضربة قوية لصورة الاحتلال الأمنية، وادعاءاته بأنه صاحب أقوى جيش في الشرق الأوسط، وأنه الجيش الذي لا يقهر. لذا أراد الاحتلال أن يقوم بتلك الحرب لاستعادة الصورة المهترئة بفعل صمود المقاومة وضرباتها الموجعة له على مر التاريخ.
والحقيقة الواضحة، أن العدوان لم يكن يستهدف حماس وحدها –وإن كانت على رأس القائمة-، بل كان يشمل غزة بكل أطيافها، وسكانها، وهذا فيه دلالة واضحة على حالة اليأس والإحباط الذي وصل إليه الاحتلال.
كانت الحرب التي شنها الاحتلال على غزة حرب إبادة وسحق لأبناء غزة وكل ما تحويه غزة من بشر وحجر وشجر.
عدوان شامل ..
لم تكن تلك الحرب التي شنتها قوات الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة ملتزمة بأي قيمة إنسانية أو حضارية، بل كانت تعبر بكل وضوح عن رفضها لكل المعاهدات والمواثيق الإنسانية والعالمية. لأنها كانت حرب إبادة وسحق لأبناء غزة وكل ما تحويه غزة من بشر وحجر وشجر.
والدليل على ذلك هي تلك الخسائر المرعبة التي نتجت عن هذه الحرب، ومنها على سبيل المثال :
- 1500 شهيد. بينهم 318 طفلا، و111 امرأة.
- 5500 جريح.
- 50 ألف وحدة سكنية تعرضت للتدمير بشكل كلي أو جزئي.
- 224 مسجداً تعرض للاعتداء.
- 181 مدرسة تعرضت للقصف.
- 236 منشأة صناعية كانت محل استهداف في تلك الحرب.
- 2 مليار دولار قيمة الخسائر الإجمالية .
كما أنّ الاحتلال أكّد على همجيته عبر استخدامه للأسلحة المحرمة دولياً، كالفسفور الأبيض وغيره، ناهيك عن قصف غزة على مدار 23 يوماً دون توقف، من البر والجو والبحر.
صمود أسطوري
وفي مقابل تلك العنجهية الصهيونية نجد ذلك الصمود الفلسطيني العجيب، رغم كل ما تعرّض له أهل غزة من أذى، وتدمير وغير ذلك.
لقد أفشل أهل غزة كل المؤامرات التي راهنت على حالة الانفلات الأمني، والثورة على الحكومة المنتخبة، واستقبال الصهاينة بالورود. فكانوا نعم الأوفياء لنهج المقاومة، وقدموا كل ما يستطيعون في سبيل الانتصار على العدو ودحره عن أرضهم.
فأهل غزة، أفشلوا كل المؤامرات التي راهنت على حالة الانفلات الأمني، والتي توقعت من أهل غزة القيام بثورة على الحكومة المنتخبة، واستقبال الصهاينة بالورود، ومنع إطلاق الصواريخ، كونها السبب في اشتعال الحرب.
إلا أن أهل غزة الصامدين، وقفوا بكل قوة وحزم، مع مقاومتهم، ودعموها بكل ما يستطيعون، واحتسبوا شهداءهم عند الله، فالمهم عندهم أن لا يحقق الصهاينة أي هدف أو غاية من حملتهم المصعورة.
أما حكومة غزة الشرعية، فبالرّغم مما تعرّضت له، من قصف همجي استهدف مقرّاتها ومراكزها الأمنية، إلا أنها بقيت تسيّر الأمور وتقوي الجبهة الداخلية، رغم كل محاولات الاستهداف والقتل التي تعرضت لها، كان أبرزها، استشهاد وزير الداخلية، القائد سعيد صيام، وهو يثبّت دعائم صمود المقاومة الباسلة، ويحصّن الجبهة الداخلية من الضعف والاختراق.
أما كتائب القسام، فكانت رغم كل ما تواجهه من مصاعب ومعوّقات، أشبه بكابوس يرعب كل صهيوني حاقد، ومتآمر متخاذل، وكانت الصخرة التي تتحطّم عليها كل المراهقات العسكرية الصهيونية.
فقد نقلت جزءاً من المعركة إلى داخل المستوطنات والمدن المغتصبة، وواجهت الاحتلال بكل حرفية وإتقان وتخطيط، لتقتل ما يقارب 80 جندياً صهيونياً في ساحة المواجهة، كما صرّح بذلك الناطق باسم الكتائب "أبو عبيدة"، حيث تحدّى الاحتلال أن يصدر أرقاماً واضحة بعدد الخسائر البشرية الصهيونية في غزة.
إن مئات الآلاف التي احتشدت في ساحة الكتيبة قبل أيام قليلة، هي نتاج صمود المقاومة، وثباتها، وتضحيات القادة الشهداء، أمثال نزار ريان، وسعيد صيام وغيرهم الكثير.
إنّ ثبات غزة وأهلها ومقاومتها، وإفشالهم لكل الأهداف الصهيونية المعلنة وغير المعلنة، يعتبر انتصاراً أسطورياً بعد سلسلة من الهزائم التي مُني بها العرب في صراعهم مع "إسرائيل".
إنّ حرب الفرقان، جعلت غزة أسطورة نصر وعزة، وملهمة لروح الثورة والكرامة، ورسّخت أسس الصمود والثبات على المبادئ، فهي زادت من الالتفاف الشعبي حول حماس ومن معها، وما مئات الآلاف التي احتشدت في ساحة الكتيبة إلا نتاج لتضحيات أبطال غزة وقادتها في سبيل التحرّر والعزّة والكرامة، كنزار ريان، وسعيد صيام وغيرهم الكثير.
واليوم وبعد مرور ثلاث سنوات على تلك الحرب الغاشمة، أدرك الاحتلال جيداً، أن حربه كانت فاشلة بامتياز، وأن غزّة اليوم أقوى وأكثر صموداً والتحاماً من ذي قبل، مما يؤشر على قرب زواله، وانتهاء احتلاله الذي استمر عقوداً طويلة.