لا يستطيع أحدٌ أن يستغني عن السّؤال في جميع مناحي الحياة المختلفة، فالسؤال يقود إلى معرفة الحقيقة، وقديماً قيل : شفاء العيّ السؤال، وقد تغيب الحقيقة عن المرء حين يبتعد عن منابع المعرفة والعلم، فالمستحي من إلقاء السؤال، والمتكبر عن طلب العلم لا ينالان العلم، كما ورد عن التابعي مجاهد بن جبر : ((لا ينال العلم مستح ولا متكبر)).
ومن أبواب السؤال، الدُّعاء لله سبحانه وتعالى، فالتوجّه إليه وحده بالدعاء والطلب والسؤال من علامات الإيمان، فهو المالك لكلِّ شيء، والقادر على كلّ شيء.
والسؤال إن كان من العبد لربِّه كان طلباً ورجاءً ومدحاً وثناءً، ورغبة ودعاءا واضطراراً والتجاء، وإن كان من الله لعبده كان تكليفاً وابتلاءً، ومحاسبة وجزاءً وتشريفاً وتعريفاً، فمن النوع الأول قوله تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة:186]، وقوله تعالى: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه:36] لما طلب منه آخاه هارون وزيراً، وقوله: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} [إبراهيم:34]، أي: من كل حوائجكم وما تطلبونه بلسان حالكم أو مقالكم، وقوله تعالى:{قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} [هود:46/47]، وقوله: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُل يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29]، والسؤال في الآية يشمل كل أوجه المعاني المذكورة.
السؤال إن كان من العبد لربِّه كان طلباً ورجاءً ومدحاً وثناءً، ورغبة ودعاءا واضطراراً والتجاء، وإن كان من الله لعبده كان تكليفاً وابتلاءً، ومحاسبة وجزاءً وتشريفاً وتعريفاً
والدُّعاء هو أصل العبادة، كما ورد في الحديث، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: ((الدُّعاءُ هوَ العبادةُ)). وقرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }. (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه).
والله عزّ وجل يحب عبده إذا سأله، بينما الإنسان إذا سئل أو طلب منه شيءٌ يضجر ويغضب، ويؤكّد المعنى الأوّل ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((ليس شيءٌ أكرَمَ على الله تعالى من الدُّعاء)). (رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد).
وما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((منْ لم يَسألِ الله يَغْضَبْ عليهِ)). (رواه أحمد في مسنده).
ولعلَّ الشاعر صدق في وصف المعنى الأوّل والثاني؛ حيث قال :
لا تسألنَّ بنيَّ آدمَ حاجةً وسَلِ الذي أبوابه لا تحجبُ
اللهُ يغضبُ إن تركتَ سؤالَه وبنيَّ آدم حين يسأل يغضبُ
والدُّعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، وهو من أنفع الأدوية، وهو عدوّ البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن، وللدُّعاء مع البلاء ثلاث مقامات، كما ذكره الإمام ابن قيم في كتابه (الجواب الكافي) :
1- أن يكون الدُّعاء أقوى من البلاء فيدفعه.
2- أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد، ولكن يخففه وإن كان ضعيفاً.
3- أن يتقاوما، ويمنع كل واحد منهما صاحبه.
استجابة الدُّعاء وموت القلوب ..
إنَّ مداومتك السؤال والدُّعاء في محراب الإنابة والتضرّع كفيلة بالإجابة من عند الله سبحانه وتعالى
مرَّ إبراهيم ابن أدهم في أسواق البصرة، فاجتمع الناس إليه، فقالوا له: يا أبا إسحاق، إنَّ الله تعالى يقول في كتابه :{ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، ونحن ندعوه منذ دهر، فلا يستجيب لنا .
فقال إبراهيم : يا أهل البصرة، ماتت قلوبكم في عشرة أشياء ..
أولها : عرفتم الله ولم تؤدُّوا حقَّه . الثاني : قرأتم كتاب الله ولم تعملوا به. والثالث: ادَّعيتم حبَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وتركتم سنته. والرَّابع: ادعيتم عداوة الشيطان ووافقتموه. والخامس: قلتم : نحب الجنَّة ولم تعملوا لها. والسَّادس: قلتم : نخاف النار ورهنتم أنفسكم بها. والسَّابع: قلتم : إنَّ الموت حق ولم تستعدوا له. والثَّامن: اشتغلتم بعيوب إخوانكم ونبذتم عيوبكم. والتاسع: أكلتم نعمة ربكم ولم تشكروها. والعاشر: دفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم.
وبعد أخي ..
إنَّ مداومتك السؤال والدُّعاء في محراب الإنابة والتضرّع كفيلة بالإجابة من عند الله سبحانه وتعالى، فعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ ربَّكُم تبارك وتعالى حييُّ كَرِيمٌ يستَحي مِنْ عبدهِ إذا رفع يديه إليه أن يردَّهما صِفراً)). ( أبو داود والترمذي وابن ماجه).