الطفل بالنسبة لنا عبارة عن صفحة بيضاء يمكن أن ننقش عليها ما نريد ، ففطرته محايدة لم تنتبش بصورة كما يقول ابن مسكويه في "تهذيب الأخلاق" عن نقوش الأطفال في مرحلة المهد أنها " ساذجة لم تنتبش بصورة" وكما ورد " جون لوك" الذي أتي بعده حوالي 13 قرنا من الزمان بأن:" عقل الطفل صفحة بيضاء تنقشه الخبرة والتعلم" على عكس تربية الكبير وتعليمه ففيها الكثير من الصعوبات وهذا ما عناه الشاعر بقوله:
وينفع الأدب الأحداث في صغر وليس ينفع عند الشيبة الأدب
إنَّ الغصون إذا قومتها اعتدلت ولن يلين إذا قومتها الخشب
ولكون هذه الطفولة تعدُّ من أخطر المراحل في النمو وأكبرها تأثيراً في النفس، لابد من فنون ومهارات وقواعد تربية الأطفال وفق المنهج التربوي الإسلامي، وفي ضوء علم النفس والتربية المعاصرة، حتى نعدّ الطفل باعتباره رجل الغد، وليكن في المستقبل إنساناً يمكن الاعتماد عليه للنهوض بأعباء الأمَّة ومسؤوليتها.
ويضع المختصون ثلاثَ قواعد أساسية لتربية الطفل يجدر مراعاتها قبل تغيير السلوك؛ وهي:
أولاً: إثابة السلوك المقبول الجيّد إثابة سريعة دون تأجيل، وهذا منهج أساس في تأسيس الولد، والسيطرة على سلوكه وتطويره، وذلك بإثابة المحسن على إحسانه وعقاب المسيء على إساءته.
وظائف الإثابة:
أ- تزيد من دافع الطفل وتحفزه وتؤدِّي إلى حدوث التعلم.
ب- تزوده بمعلومات مباشرة عن نتائج عمله ومعرفته بعوائد عمله هذا، فينال المكافأة عقب نجاحه مباشرة.
توقيت الإثابة:
تؤكِّد الدّراسات الحديثة أنَّ أفضل توقيت للإثابة هو الوقت الذي يعقب الفعل مباشرة في هذا الوقت تحدث الآثار القصوى المرجو تحقيقها من وراء هذا الثوب، لكن ثمَّة نوع من الأعمال يؤدّيها الطفل على مدى زمني طويل وتحتاج إلى مجهودات متواصلة كالإنجاز الدراسي أو مكافحة السمنة والتبول اللاإرادي، فالثواب هنا يكون آجلا لأنَّها تحتاج إلى وقت وجهد طويل، ولا بدَّ من استخدام أشكال التعزيز المعنوي كالتشجيع أثناء محاولاته وسعيه نحو الهدف .
أنواع الإثابة:
أ- الإثابة الاجتماعية: كالابتسامة والتقبيل والمعانقة والرّبت والمديح والاهتمام وإيماءات الوجه وتعبيرات العين المعبرة عن الإستحسان.
ب- الإثابة المادية:هي المكافئات المادية؛ كإعطاء النقود أو شراء هدية، ودلَّت الإحصاءات على أنَّ الإثابة الاجتماعية تأتي بالدرجة الأولى في تعزيز السلوك المرغوب بينما الإثابة المادية تأتي في الدرجة الثانية.
فالمربي كالطبيب لا يجوز أن يعالج المرضى بعلاج واحد مخافة الضرر بل عليه أن يبحث عن الباعث الذي أدى إلى هذاالخطأ، وعن عمر المخطئ وثقافته والبيئة التي يكتسبه منها،ليصف العلاج المناسب
عوامل تحدد مدى فعالية الإثابة في التحكم في السلوك:
1) الشيء المستخدم كإثابة:
2) المهم إعطاء الطفل شيئا يحبه كثيراً، والتدعيم يجب أن يكون فورياًّ، لأنَّ التأخير قد يؤدِّي إلى تدعيم سلوك غير السلوك الأصلي، وإذا قدم هذا التدعيم ولم يؤد إلى تقوية السلوك المطلوب، فالأفضل البحث عن مدعم آخر لأنذلك المدعم غير فعال.
3) المدَّة الزمنية بين حدوث السلوك المطلوب وإعطاء الإثابة للطفل: وهي تعني سرعة تقديم الإثابة، لأنَّها تؤثّر على السلوك الحادث في وقت إعطاء هذه الإثابة.
لكن التدعيم الفوري قد يثير مشكلة أمام المربي بعدم توافره دائما( كإعطاء قطعة حلوى مثلا)،ويمكن تفادي ذلك باستخدام بعض العبارات المدعمة؛ كقول أحدهم: (أنت ولد شاطر)،مع الإبتسامة والتشجيع.
4) طول الوقت الذي حرم منه الطفل من الإثابة ( المحرمات): فقوة الإثابة تتوقف على طول المدة التي مرت بالطفل وهو لا يتلقاها( فمن أكل وجبة كبيرة لا يشتاق للإثابة بقطعة الحلوى)، لذلك يمكن جعل الإثابة أكثر فعالية بحرمان الطفل قبل بدء التدريب ، والتعليم يحدث للطفل عند تلقيه لأي نوع من أنواع التدعيم( نقود، عناية، طعام، تدليل)، ولا يحدث هذا التعلم إذا لم يتوافر للطفل هذا التدعيم، ولكل طفل ميوله الخاصة لأيّ من هذه الأنواع وعليه يجب التنبه لما يفضله الطفل من الأشياء المدعمة.
5) حجم الإثابة:عكس الحرمان التشبع، وعليه يجدر بالمربّي إعطاء الطفل مقادير صغيرة لا تكفي للوصول إلى حالة التشبع، لحثه على العمل فالمطلوب لا إفراط ولا تفريط.
طرق الإثابة: يمكن بناء وتعديل أيّ سلوك بإحدى هاتين الطريقتين وهما:
1. الإثابة بواسطة النقاط
2. الإثابة بواسطة التعاقد
بعض الوصايا عن التعامل بأسلوب الإثابة:
1) جعل الإثابة المقدمة تتناسب مع اهتمامات الطفل.
2) إشباع حاجات الطفل النفسية أو المادية فمن غير المناسب إعطاء كرة على طفل يهتم بالموسيقى، لكن من المناسب إعطاء متفوق بالرسم الألوان وأوراق الرسم.
3) مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال تؤثر على شكل الإثابة، فهناك من ينتشي بعبارات الإطراء، وهناك من لا تحرك هذه الكلمات فيه ساكنا.
4) عدم التفريط في الإثابة المادية.
5) التوقف عن إثابة السلوك الخاطئ.
6) تقديم الإثابة بعد حدوث السلوك المرغوب مباشرة.
ثانيّاً:-عدم إثابة السُّلوك السيّئ إثابة طارئة أو بصورة غير مباشرة
لأنَّ ذلك من شأنه أن يعزّز هذا السلوك ويكرّره في المستقبل، مثال:إغفال لوالدين للولد عدم التزامه بموعد النوم وتركه مع التلفاز، هذا الإغفال هو إثابة غير مباشرة.
ولعلَّ هذا الجانب من سوء التقدير وضعف الفطنة هو من أكثر الأخطاء شيوعا في أجواء الأسر.
ثالثاً: معاقبة السلوك السيّئ عقاباً لا قسوة فيه
وذلك لأنَّ الهدف هو عدم تعزيز السلوك السيء والحيلولة دون تكراره مستقبلاً، وليس إيذاء الطفل وإلحاق الأذى بجسده ونفسيته، مع التأكيد على أنَّ هذا العقاب لا يلجأ إليه في جميع الحالات والمواقف فليس هو الأصل، وليس هو أول ما يلجأ إليه المربِّي، بل يجب البدء بالمثوبة، فإن احتاج إلى العقاب فيكون العقاب المعنوي إلى أن يحتاج إلى العقاب الحسّي.
والطفل يحتاج إلى المثوبة كما يحتاج إلى العقوبة، وفي كلا الحالتين نحتاج إلى حوافز ومشجعات أو إلى نواه وزواجر، وخاصة في المرحلة الأولى لعدم استجابته لما نريد أو لعدم تعوده على ضبط مشاعره، فلا بد من الحزم في تربية الأطفال وتربية الكبير كذلك، ومن الحزم استخدام العقوبة أو التهديد، والإسلام يتبع هذه الوسائل، فلا يترك منفذا في النفس إلاَّ ويصل إليه.
وتأخذ العقوبة مظاهر وتعابير متعدّدة؛ منها:
1. التوبيخ والتقريع ولهجة الصوت القسية.
2. التنبيه لعواقب السلوك السيء.
3. الحجز لمدة معينة.
4. العقوبة الجسدية.
5. تجدر الإشارة قبل استخدام أسلوب العقاب إلى التنبه إلى المشكلات والمتاعب السلوكية عند الأطفال سببها الحالة الفيزيولوجية البدنية فالطفل الجائع المتعب تنخفض قدرته في السيطرة على ذاته مؤقتا، والمتأخر دراسياً قد يكون سببه انخفاض قدراته العقلية وذكاؤه المتوسط وكذلك بعض الحالات المرضية التي تزيد من المشكلات عند الأولاد، فلا بد للآباء من التبصر في المشكلات وعلاج أسبابها قبل الأخذ بأسلوب العقاب.
بعض الاعتبارات الهامة المتعلقة بالعقاب في التعليم مقارناً بالثواب:
1. أثر العقاب في التعليم أضعف من أثر الثواب.
2. أثر العقاب أقل دواما وتواصلا من أثر الثواب.
3. أثر العقاب سلبي وأثر الثواب إيجابي.
4. لا يضمن العقاب الكف عن السلوك المعاقب عليه، بينما يضمن غالبا الثواب ذلك.
5. للعقاب – إذا لم ينبثق من رؤية تربوية- نتائج سلبية قد تكون خطيرة ومدمرة في مستقبل حياة الإنسان، بينما ليس للثواب مثل هذه النتائج.
الطريقة التي انتهجها الإسلام في عقوبة الولد:
1. معاملة الولد باللين والرحمة هي الأصل، روى البخاري في الأدب المفرد: ((عليك بالرفق وإياك العنف والفحش))، وروى الآجري : ((عرفوا ولا تعنفوا)).
2. مراعاة طبيعة الطفل المخطئ في استعمال العقوبة، فالأولاد يتفاوتون فيما بينهم من ذكاء واستجابة ومرونة وأمزجتهم مختلفة ، وبعضهم من ينفع معه النظرة العابسة للزجر والإصلاح، وقد ينفع مع بعضهم استعمال التوبيخ في عقوبته،وعند كثير من علماء التربية الإسلاميين كابن سينا والعبدري وابن خلدون أنَّه لا يجوز اللجوء إلى العقوبة إلا عند الضرورة القصوى وألاَّ يلجأ إلى الضرب إلاَّ بعد التهديد والوعيد وتوسط الشنعاء، يقول ابن خلدون :" إنَّ من يقابل بالقهر يصبح حملا على غيره؛ إذ هو يصبح عاجزاً عن الذَّود عن شرفه وأسرته لخلوه من الحماسة والحمية على حين يقعد عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل وبذلك تنقلب النفس عن غايتها ومدى إنسانيتها"، وهذا القول يتفق مع التوجيه النبوي في الملاحظة والرِّفق واللين، وينسجم مع المعاملة الرقيقة الرحيمة التي كان عليها النبي صلّى الله عليه سلّم يعامل الأولاد جميعاً.
3. التدرج في المعاملة من الأخف إلى الأشر:
فالمربي كالطبيب لا يجوز أن يعالج المرضى بعلاج واحد مخافة الضرر بل عليه أن يبحث عن الباعث الذي أدى إلى هذاالخطأ، وعن عمر المخطئ وثقافته والبيئة التي يكتسبه منها،ليصف العلاج المناسب والأسلوب الأفضل فيه ، قد تكون المعالجة بموعظة بليغة، أو نظرة خاطفة، أو ملاحظة رقيقة، أو إشارة عابرة أو كلمة زاجرة ، ومنهم من لا تجدي معه هذه الأساليب فيبدأ الأشد وهو التوبيخ فإذا لم يجدي فالضرب غير المبرح فإذا لم يجدي فالضرب المبرح.
خمسة طرق لبناء وتحسين السلوك عند الأطفال وهي كالآتي:
1. تشجيع الطفل كلما أقدم على السلوك الجيد.
2. اللجوء إلى تجاهل السلوك غير المرغوب.
3. إثابة السلوك الجيد البديل بعد تحديد السلوك غير المرغوب فيه.
مثال(إذا كان السلوك غير المرغوب هو العويل والصراخ، يتعين إثارة الكلام حول السلوك البديل مع الطفل المتعب ولكن بصوت لطيف ونبرة هادئة، إذا كان الطفل يبكي عادة كل مرة يرغي فيها الحصول على شيء ما، يتعين مدحه وتشجيعه إذا طلب أي شيء دون البكاء والصراخ،فإثابة السلوك البديل أمر جوهري عند الطفل.
أمثلة أخرى
السلوك غير المرغوب(مطلوب معالجته)
العويل والصراخ
خطف اللعبة وانتزاعها عنوة
ثورات الغضب عند فشل الطفل بتحقيق مطلبه
السلوك المطلوب المرغوب ( مطلوب مدحه وتعزيزه)
الكلام بصوت عادي ونبرة هادئة
المشاركة في اللعب بالألعاب مع الآخرين
السيطرة على الذات عند الشعور بالإحباط
4. مساعدة الطفل على ممارسة السلوك الجيد المقبول الذي يرغب المربي في تعليمه له.
5. تطبيق مبدأ "غراندما" عند التعامل مع الطفل ويسمى مبدأ premack وهذا المبدأ التربوي يساعد الطفل على أداء الأعمال والواجبات غير المحببة إليه ثم السماح له باللعب مرة ثانية، أي إغراء الطفل بإنجاز الواجبات المكروهة إذا كان يطمح باللعب فيما بعد.
وفي الحلقة القادمة نتناول وسائل تغيير السلوك غير المرغوب فيه عند الأطفال .