التجربة التونسية .. استنساخ لم يكتمل في مصر ( 1-2 )

الرئيسية » بصائر الفكر » التجربة التونسية .. استنساخ لم يكتمل في مصر ( 1-2 )
alt

" الشعب يريد إسقاط النظام " هتاف أطلقه أبناء الشعب التونسي  مع اندلاع الشرارة الأولى لثورته المباركة في 18 ديسمبر 2010 تضامنًا مع الشاب محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده في 17 ديسمبر 2010 تعبيرًا عن غضبه على بطالته ومصادرة العربة التي يبيع عليها من قبل الشرطية فادية حمدي .

هي ذاتها مقدمات الثورة التونسية  " البطالة والفقر والفساد والاستبداد " التي كانت مقدمة أيضا للثورة المصرية التي انطلقت شرارتها في الخامس والعشرين من يناير الماضي  وهي أكثر البلاد العربية التي كانت مرشحة لانطلاق الثورة من أحضانها  , إذ شهدت البلاد حركات احتجاجية وصلت لكافة طوائف المجتمع اختلط السياسي فيها بالاجتماعي بالديني في أحيان أخرى على مدى السنوات الست السابقة لثورة الخامس والعشرين من يناير   .

مشهد متشابه ..

ورغم تشابه المشهد بين البلدين حيث تندلع الثورة ويخرج الشعب في تظاهرات في كافة  محافظات وأقاليم البلاد ويتحد الجميع يسار وليبراليين وإسلاميين من اجل مطالب واحدة إلا أن المشهد في مصر اختلف في مرحلة  " التفنيش " أو المشهد الأخير لبداية الانتقال  لسلطة منتخبة تعبر عن الإرادة الشعبية  , فقد صوت التونسيين في أول انتخابات حقيقية  في الرابع عشر من الشهر الجاري في مشهد ديمقراطي ابهر العالم وعكس ايجابية الشعوب العربية التي حيل بينها وبين ممارسة  حقوقها لعقود طويلة  , وقد نجح حزب النهضة الإسلامي في الفوز  بـ 89 مقعدا من أصل 217 مقعدا في المجلس الوطني التأسيسي , وكلل هذا المشهد التاريخي بانعقاد  الجلسة الأولى  يوم الثلاثاء الماضي للمجلس الوطني التأسيسي  الذي سيكتب صفحة جديدة من تاريخ البلاد، تتجسد في وضع دستور "الجمهورية الثانية" منذ استقلال تونس في 1956.

وفي مشهد توافقي عظيم  اتفقت الأحزاب الرئيسة الثلاثة في المجلس (النهضة 89 مقعدا، والمؤتمر 29 مقعدا، والتكتل 20 مقعدا) على ترشيح زعيم التكتل مصطفى بن جعفر (71 عاما) لرئاسة المجلس الوطني التأسيسي  , كما استقرت هذه الأحزاب ترشيح منصف المرزوقي (66 عاما) زعيم المؤتمر من أجل الجمهورية لرئاسة الجمهورية، والأمين العام لحزب النهضة حمادي الجبالي (62 عاما) لرئاسة الحكومة الانتقالية الجديدة.

وفي مقابل الأغلبية المكونة من النهضة والمؤتمر والتكتل (138 مقعدا) اختار الحزب الديمقراطي التقدمي (16 مقعدا- يسار وسط) والتجمع الحداثي الديمقراطي (5 مقاعد) وهو ائتلاف بقيادة حزب التجديد (الشيوعي سابقا)، أن يكونا في المعارضة عبر الوسائل الديمقراطية التي ارتضاها الجميع .

مشهد تغير ..

بيد أن المشهد في مصر مغايرا إلى حد كبير فما أن اقترب موعد استحقاق الانتخابات البرلمانية التي بدأت أولى مراحلها يوم  28  من شهر نوفمبر ومع فوز الإسلاميين في تونس وحصدها لضعف المقاعد المتوقعة أصيب اليسار المصري والاتجاه الليبرالي بحالة من التشنج فبادر نائب رئيس مجلس الوزراء  - المحسوب على التيار الليبرالي والمنتمى لأعرق الأحزاب الليبرالية المصرية  " الوفد  " – الدكتور علي السلمي لطرح وثيقة اعتبرت خطوة استباقية لمصادرة حق البرلمان المقبل في اختيار لجنة المائة لصياغة الدستور الجديد ليضع فيه محددات والية اختيار الهيئة التأسيسية , ظنا منهم بان الإسلاميين سيحصدون الأغلبية البرلمانية في الانتخابات المقبلة ومن ثم ينفردوا باختيار  لجنة إعداد الدستور  .

لم تكن هذه الخطوة بالطبع بعيده عن أيادي القوات المسلحة التي مورس عليها ضغوط أمريكية فسعت من خلال هذه الوثيقة للحصول على صلاحيات تمكنها من استنساخ التجربة التركية التي تعد فيها القوات المسلحة حامية العلمانية , فورد في وثيقة " السلمي  " أن القوات المسلحة هي حامية الشرعية الدستورية فضلا عن إطلاق يد القوات المسلحة للهيمنة على الحكومات القادمة .

في مصر إتفق اليسار والليبراليين والقوات المسلحة على مواجهة الإسلاميين
اتفق مثلث المصالح اليسار والليبراليين والقوات المسلحة على ضرورة أن تمرر الوثيقة وان تكون ملزمة للحيلولة  - من وجهة نظرهم  - دون هيمنة الإسلاميين في المستقبل  ,  وهو الأمر الذي قابلة الإسلاميون والقوى الوطنية المخلصة  من بينها 13 حزبا في التحالف الديمقراطي من اجل مصر ومرشحين لرئاسة الجمهورية والعديد من الائتلافات الشبابية والثورية  برفض صريح  , واعتبروا  الوثيقة مصادرة لإرادة الشعب الذي سينتخب نوابه في البرلمان المقبل , وأمام إصرار  حكومة تسيير الأعمال على الوثيقة نظم  الإسلاميون والقوى الوطنية المصرية مليونية يوم 18 من نوفمبر الماضي بميدان التحرير استطاعوا خلالها أن يحشدوا نحو مليون متظاهر في نحو 24 ساعة فقط فكانت رسالة قوية أيقن الجميع أنها ستكون الضربة القاضية لوثيقة السلمي لتعود البلاد من جديد إلى الجدول الزمني المتفق  عليه لتسليم السلطة والذي بدأ  فعليا بالانتخابات البرلمانية في  28 نوفمبر  ,  ثم تشكيل الدستور ثم الانتخابات الرئاسية ,.

إلا أن الليبراليين واليساريين  الذين لم يدخروا جهدا منذ نجاح الثورة في تشويه الإسلاميين في إطار التنافس السياسي إلا وأعلنوا حربهم المنظمة فاستغلوا اعتداء قوات الشرطة على بعض المعتصمين بميدان التحرير يوم 19 نوفمبر ووجهوا شبابهم إلى الميدان للتظاهر ضد الداخلية والمجلس العسكري  واستخدموا العنف ضد قوات الشرطة التي بادلتهم بالعنف  , وتدخل في هذا الوقت فلول الحزب الوطني بمليشيات البلطجية لسكب الزيت على النار وإشعال  الفتنة , فسالت الدماء بين المتظاهرين  وبين أفراد الشرطة وازداد الموقف سخونة  وساعد على ذلك رغبة المجلس العسكري في إشعال نار الفتنة بين القوى السياسية في محاولة لإطالة أمد بقاءه في السلطة بعد عرقلة الانتخابات في موعدها

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …