لم تكن تلك الحشود الغفيرة التي شاركت في مهرجان الانطلاقة الـرابعة والعشرين لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، قد اجتمعت في ساحة الكتيبة الخضراء، إلاَّ نتيجة عقود طويلة من التاريخ المشرّف والإنجازات المهمَّة، التي قامت بها الحركة منذ نشأتها وحتى الآن.
24 عاماً، جعلت حماس عاملاً رئيساً مؤثراً على مجرى القضية الفلسطينية، حيث أعادت رسم أبعادها، وإقرار ثوابتها، بعد سنوات من التيه، ومحاولات لحرف البوصلة، وتصفية القضية.
24 عاماً، وحماس تبدع في جميع الميادين التي شاركت فيها، لتصبح مدرسة ملهمة لكل الحركات الإسلامية الأخرى، بسبب ثباتها وصمودها، رغم تحديات التداخل، وتآمر الخارج، وضربات الاحتلال، التي استهدفت الرموز والأعضاء،تعدُّ حماس من أوّل من أبدع في الجمع بين المقاومة والسياسة، ناهيك عن تطورها وتميّزها في المجال الإعلامي، والاجتماعي، بل وحتى العسكري، والسياسي، وغيرها من المجالات. وفرض الحصار بكافة أنواعه للحيلولة دون أن تحقق أيّ نوع من النجاح، ولثنيها عن هدفها الأسمى، وهو تحرير فلسطين –كل فلسطين- وعلى رأسها القدس، وطرد اليهود المجرمين من أرض الآباء والأجداد.
واليوم تعدُّ حماس من أوّل من أبدع في الجمع بين المقاومة والسياسة، ناهيك عن تطورها وتميّزها في المجال الإعلامي، والاجتماعي، بل وحتى العسكري، والسياسي، وغيرها من المجالات.
النشأة والتطور
تعدُّ حماس جزءاً من جماعة الإخوان المسلمين، وهي مثال للحركات الإسلامية الشمولية، التي لا تفرّق بين الدين والسياسة، أو بين المقاومة والعمل الخيري، أو بين الدَّعوة وإصلاح المجتمع من جهة، والعمل السياسي والجماعي المنظّم من جهة أخرى.
وكانت حركة حماس قد انطلقت في الرابع عشر من شهر كانون الأول عام 1987، حيث أسست بعد اجتماع تمَّ في منزل الشيخ الشهيد أحمد ياسين رحمه الله، وضمَّ بالإضافة إليه، كلاًّ من (عبد العزيز الرنتيسي، إبراهيم اليازوري، صلاح شحادة، عيسى النشار، محمد شمعة، وعبد الفتاح دخان)، وكان الهدف من هذا اللقاء إيجاد أنجح الطرق للإفادة من مشاعر الجماهير الدينية والوطنية، ردّاً على مقتل عدد من العمال الفلسطينيين في غزة، إثر حادث تصادم بيت شاحنة يهودية، وسيارة عربية، في 8-12-1987، وهو السبب في اشتعال الانتفاضة الأولى المباركة (انتفاضة الحجارة).
أسست حركة حماس نتيجة مراحل عديدة مرَّت بها الحركة الإسلامية في فلسطين منذ دخول فكر الإخوان المسلمين إلى فلسطين عام 1935.
إلاَّ أنَّ هذه الحركة الوليدة لم تأت من فراغ، بل جاءت نتيجة مراحل عديدة مرَّت بها الحركة الإسلامية في فلسطين منذ دخول فكر الإخوان المسلمين إلى فلسطين عام 1935. وهذا ما أكّدته حماس في ميثاقها، حيث جاء فيه : (حركة المقاومة الإسلامية حلقة من حلقات الجهاد في مواجهة الغزوة الصهيونية، تتصل وترتبط بانطلاقة الشهيد عزالدين القسام وإخوانه المجاهدين من الإخوان المسلمين عام 1936، وتمضي لتتصل وترتبط بحلقة أخرى تضم جهاد الفلسطينيين وجهود وجهاد الإخوان المسلمين في حرب 1948، والعمليات الجهادية للإخوان المسلمين عام 1968 وما بعده).
الإخوان في فلسطين
كما تمَّ بيانه سابقاً، فإنَّ حركة المقاومة الإسلامية –حماس- جزء لا يتجزأ من جماعة الإخوان المسلمين، إلاَّ أنَّها مرَّت بمراحل قبل وصولها لهذه الصورة.
تعود العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وفلسطين إلى عام 1935م، حينما أرسل الإمام الشهيد حسن البنا، شقيقه عبد الرحمن والأستاذ محمد أسعد الحكيم، لزيارة فلسطين، حيث تمَّ إنشاء أول مقر للجماعة في حيفا عام 1936م، ثم توسعت في غزة ويافا والقدس وغيرها من المدن الفلسطينية. حتى وصل عدد الشعب والفروع عام 1947 إلى ما يقارب 25 فرع، تضم ما بين 12 -20 ألف عضو.
إلا أن سقوط الجزء الأكبر من فلسطين عام 1948، كان له دور سلبي على عمل الجماعة وتأثيرها في فلسطين، ففي عام 1950 أصبح الإخوان المسلمون في الضفة يتبعون لقيادة الإخوان المسلمين في الأردن.
أمَّا في غزة، فكانت علاقتها بالإدارة المصرية سلبية جداً، حيث لجأت إلى العمل السري، نتيجة الملاحقة الأمنية والتضييق والاضطهاد، ونجحت الجماعة في أواسط الخمسينات من القرن الماضي بممارسة بعض الأعمال المسلحة ضد اليهود، وهو يعطي انطباعاً واضحاً أنَّ مقاومة الاحتلال وطرده كانت موجودة في فكر الإخوان الفلسطينيين منذ بداية مأساة نكبتهم وضياع وطنهم.
إلاَّ أنَّ النكسة عام 1967، وضياع فلسطين بالكامل، وسقوط القدس بيد اليهود، فرض على الجماعة العمل بشكل أقوى تنظيماً، وأكثر فاعلية، ويمكن تقسيم طبيعة عمل الإخوان المسلمين منذ تلك المرحلة حتى وقتنا الحالي (تحت مسمَّى حركة حماس) إلى مراحل خمس هي:
الابتداء بالتغيير الاجتماعي والانتشار الشعبي يشكل الأرضية الأساسية التي ترتكز عليها أيّ مقاومة تريد تحرير أرضها من دنس الاحتلال.
1- مرحلة البناء وتثبيت الدَّعائم (1967-1976)
حيث رأت الجماعة أنَّ التغيير الاجتماعي هو الأساس المعوّل عليه في تحقيق التغيير السياسي، لأنَّه لا يمكن أن يحدث أيّ تغيير دون وجود انتشار شعبي يشكل الأرضية الأساسية التي ترتكز عليها أيّ مقاومة تريد تحرير أرضها من دنس الاحتلال، خصوصاً في ظل الحملات القمعية التي واجهتها، وحملات التشويه المنظمة التي تعرَّضت لها الجماعة ككل، من قبل أبواق الاستبداد والاحتلال، وانتشار الاتجاهات العلمانية والقومية وغيرها، والتي ناصبت الجماعة وفكرها العداء الواضح، وسعت لتحييد دورها عن الساحة. ولهذا لجأت الجماعة إلى بناء المساجد، وترسيخ العقيدة في النفوس، وغيرها من الأعمال الدعوية التي تسهم في تحقيق هذا المبدأ.
كان من أوضح الصور على التوسع الذي وصلت له الحركة الإسلامية وقتئذ، المنافسة في الجامعات على اتحادات الطلبة، والفوز ببعضها، و بروز دورهم وقوة حضورهم في الجامعات الأخرى.
2- مرحلة التوسع وإقامة المؤسسات (1976 – 1981)
حيث انتقلت الجماعة من البناء إلى التنفيذ، عبر إقامة المؤسسات والجمعيات، والأطر الطلابية والنقابية، والجمعيات الخيرية، كان من أبرزها، المجمع الإسلامي في غزة، والذي كان له دور اجتماعي واضح في قطاع غزة، وساهم بشكل بين في رفد الحركة بالأفراد، والتأييد الشعبي، ونيل الثقة من قبل الناس، وكان من أوضح الصور على التوسع الذي وصلت له الحركة الإسلامية وقتئذ، المنافسة في الجامعات على اتحادات الطلبة، والفوز بجامعات غزة، والقدس، والخليل، والنجاح وغيرها، ناهيك عن بروز دورهم وقوة حضورهم في الجامعات الأخرى، كبيرزيت وبيت لحم وغيرها.
تميّزت هذه المرحلة باستخدام المظاهرات، وانطلاقها من المساجد، والسعي للقيام بالعمل المسلح ضد الصهاينة.
3- استكمال بناء المؤسسات والانتقال للعمل المقاوم (1981- 1987)
حيث قامت على مقاومة الاحتلال بشتى السبل السلمية والعسكرية، فاستخدمت المظاهرات كتعبير عن رفض سياسة الاحتلال وإجرامه ضد الشعب الفلسطيني، حيث كانت تخرج بشكل حاشد من المساجد، كما سعت للقيام بالعمل المسلح ضد المحتل، وكان من أمثلة ذلك إقامة تنظيم (المجاهدون الفلسطينيون)، والذي اعتقل بناء عليه عدد من القيادات أبرزهم الشيخ أحمد ياسين رحمه الله، وانتهت في النهاية إلى تأسيس حركة حماس.
شهدت هذه المرحلة انتفاضتين عظيمتين، تميّزت كلّ منهما باستخدام أساليب مقاومة مختلفة، مع الدلالة على تطور نهج المقاومة وسلاحها بين الفترة والأخرى، وهو ما يؤكّد أنَّ حماس تخطو خطوات سريعة نحو التميّز في القوَّة والمقاومة والتصدّي للعدو الصهيوني.
4- الجهاد ضد الاحتلال الصهيوني (1987- 2005)
كانت هناك عدد من الظروف التي شجعت على انطلاق حركة حماس، منها نجاح الثورة الإسلامية في إيران، وتراجع مكانة منظمة التحرير الفلسطينية بعد خسارتها لساحة لبنان، إضافة لاندلاع الثورة الأفغانية والجهاد الإسلامي ضد الروس، ممَّا رفع رصيد الحركات السياسية الإسلامية في الشارع العربي عموماً، والفلسطيني خصوصاً.
وبعد انطلاق الحركة في 14-12-1987، قامت باستخدام جميع السبل والوسائل لمقاومة المحتل، بدءاً من رمي الحجارة، وحرق الإطارات، وحرب السكاكين، مروراً إلى تفجير الحافلات، والعمليات الاستشهادية، انتهاء باستخدام الصواريخ المتطورة، وكانت هذه المرحلة قد تكللت بانسحاب القوات الصهيونية – رغماً عنها – من قطاع غزة، بسبب ضراوة مقاومة الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها الجناح العسكري لحماس –كتائب القسَّام-.
وقد شهدت هذه المرحلة انتفاضتين عظيمتين، تميّزت كلّ منهما باستخدام أساليب مقاومة مختلفة، مع الدلالة على تطور نهج المقاومة وسلاحها بين الفترة والأخرى، وهو ما يؤكّد أنَّ حماس تخطو خطوات سريعة نحو التميّز في القوَّة والمقاومة والتصدّي للعدو الصهيوني.
تمتاز هذه المرحلة بأنَّ الحركة قدَّمت برنامجاً سياسياً واقعياً يجمع بين متطلبات الشعب، وثوابت القضية، ويهدف إلى التطوير والتقدم، والحفاظ على سلاح المقاومة والالتزام بالمقاومة المسلحة كسبيل لتحرير فلسطين.
5- العمل السياسي والاستمرار بمقاومة الاحتلال (2005-وقتنا الحالي)
وقد تميَّزت هذه المرحلة بالمزاوجة بين العمل السياسي والعسكري، عن طريق السعي لإصلاح منظمة التحرير، والمشاركة في الانتخابات البلدية والتي حققت فيها حماس فوزاً ملحوظاً، ثمَّ المشاركة في الانتخابات التشريعية 25-1-2006، والتي اكتسحت فيها حماس بشكل غير متوقّع، وحصلت على الأغلبية البرلمانية.
وتمتاز هذه المرحلة بأنَّ الحركة قدَّمت برنامجاً سياسياً واقعياً يجمع بين متطلبات الشعب، وثوابت القضية، ويهدف إلى التطوير والتقدم، والحفاظ على سلاح المقاومة والالتزام بالمقاومة المسلحة كسبيل لتحرير فلسطين، وهو ما قامت به الحركة رغم المعوقات الداخلية، والحصار الخارجي، والتآمر الدولي التي تتعرَّض له، الأمر الذي زاد من شعبية الحركة، وكثرة مناصريها، خصوصاً بعد رفضها الاعتراف بدولة الاحتلال، رغم كل ما تعرَّضت له، وأبرزها الحرب الغاشمة التي استهدفت القطاع عام 2008، والتضييق عليها في الضفة، بين اعتقال، وتصفية، واضطهاد.