التجربة التونسية .. استنساخ لم يكتمل في مصر ( 2-2 )

الرئيسية » بصائر الفكر » التجربة التونسية .. استنساخ لم يكتمل في مصر ( 2-2 )
alt

تحدثنا في الجزء الأول من المقال عن الشرارة الأولى التي تسببت في انطلاق الثورة التونسية  , وكيف استلهمت الثورة المصرية شرارتها من تونس , فكانت النشأة متشابها إلا أن القوى السياسية التونسية تعالت على المصالح الشخصية وغلبت المصلحة الوطنية ورضخت غالبيتها لنتائج صناديق الاقتراع ,فأنجزت انتخاباتها وشكلت حكومة توافقية واتت أيضا برئيس توافقي في وقت قصير , فيما اختلف المشهد في مصر , فلازالت بعض القوى العلمانية واليسارية تفتعل المشكلات استباقا على الرضوخ لنتيجة صناديق الاقتراع التي بدأت تصب في صالح الحركة الإسلامية .

الحرب الإعلامية ..

استخدمت هذه القوى كل الأدوات التي تمتلكها فشنت القنوات الإعلامية المملوكة لرجال الأعمال من الحزب الوطني المنحل والتي يهيمن عليها تقنيا اليساريين والليبراليين هجوما على الإخوان المسلمين في محاولة لتشويه صورتهم وتخوينهم بعدم النزول للميدان نصرة للدماء التي سالت .

مع تصاعد المشهد علا في الميدان الأصوات التي تطالب بتأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة إنقاذ وطني ومجلس رئاسي ثوري يكون الغالب عليه اليسار والليبراليين ليكون بذلك قد انقلبوا بتحرك استباقي على  نتائج الانتخابات المقبلة التي كان ينتظر فوز الإسلاميين بها  .

بيد أن المشهد بات مربكا مع تدخل أموال خارجية بعضها للفول من قبل دول جوار عربية تحرص كل الحرص على إفشال نموذج الثورات منعا لامتدادها لها  , إضافة إلى أموال غربية تأتي لتغليب الفكر الليبرالي العلماني على المشهد والحيلولة دون وصول الإسلاميين مصدر الخطر الذي سيهدد الوجود الصهيوني في المنطقة  .

الإصرار على الانتخابات ..

ورغم هذا المشهد المرتبك إلا أن إصرار الإخوان المسلمين والقوى السياسية المخلصة على ضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المحددة باعتبارها أولى حلقات الخلاص من هذا المشهد المرتبك وأولى حلقات تسليم العسكر السلطة لسلطة مدنية منتخبة  , وإزاء حالة الفوضى العارمة بميدان التحرير وسقوط عشرات القتلى أمام وزارة الداخلية ممن حاولوا اقتحامها وجد المجلس العسكري نفسه في ورطة كبيرة فاستجاب للرغبة الشعبية العارمة التي تصر على إجراء الانتخابات في موعدها , وبالفعل قد تمت الانتخابات واستثمرها المجلس العسكري في إعادة تبييض وجهه أمام الشعب بعد أن تورط في للمرة الأولى في اقتحام ميدان التحرير ليكون هذا المشهد أول صدام مباشر بين جنود القوات المسلحة والشعب , ونجحت القوات المسلحة بالفعل في تبيض وجهها لدى الشعب بإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها  , بل وتأمين الانتخابات تماما ومنع أي أعمال بلطجة  , ونجحت في ذلك نجاحا مبهرا  , فبخلاف ما كان متوقعا لم تتم عملية بلطجة تذكر وتمت الانتخابات في انسيابية وسلاسة منقطعة النظير , وشهدت الانتخابات إقبالا أيضا مبهرا حيث صوت في هذه الانتخابات  في المرحلة الأولى نحو 60% ممن لهم حق التصويت  لتكون أعلى نسبة في تاريخ الانتخابات المصرية  .

جاءت نتائج الانتخابات حاملة بالتيار الإسلامي وفي مقدمته الإخوان المسلمين إلى البرلمان حيث حصل الإخوان في المرحلة الأولى على نحو 62 % من المقاعد البرلمانية وتلا حزب الحرية والعدالة في النتائج حزب النور السلفي الذي حصل على نحو 20% من مقاعد المرحلة  .

العسكري يحاول ..

ورغم أن هذه النتيجة كانت متوقعة نظرا لحالة القبول الشعبي للإخوان المسلمين إلا أن المجلس العسكري عاود من جديدة محاولة الالتفاف على الإرادة الشعبية , فخرج علينا ببدعة جديدة وهي المجلس الرئاسي الاستشاري , بدا هذا المجلس منذ الوهلة الأولى مجلسا استشاريا يضم في عضويته نحو 30 ممثلين لقادة القوى السياسية والطائفية على اختلاف مشاربها وضم المجلس العسكري في عضوية هذا المجلس الدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة والدكتور أسامة ياسين الأمين العام المساعد لحزب الحرية والعدالة  , ووافقت قيادات الحزب على الانضمام , حتى اكتشفت أن مهام المجلس ليس استشاريا ومعينا للمجلس العسكري في اتخاذ قراراته المهمة بل تعدت ذلك لتنتزع العديد من صلاحيات مجلس الشعب المنتخب والتي يأتي على رأسها تشكيل لجنة المائة لصياغة الدستور الجديد في محاولة لمصادرة حق الشعب الذي اختار برلمانه في تشكيل لجنة صياغة الدستور  , فقرر على الفور حزب الحرية والعدالة الانسحاب من هذا المجلس  .

ولم يكن هذا أيضا المشهد الوحيد الذي يعكس حالة من الارتباك داخل القوات المسلحة ويعكس في ذات الوقت على حالة من الإصرار على عدم ترك الساحة للإسلاميين الذين ينتظر أن يكونوا الأغلبية البرلمانية المقبلة في اختيار لجنة صياغة الدستور فخرج علينا اللواء مختار الملا عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة معلنا أن الحكومة التي شكلت مؤخرا يجب أن توافق على  أعضاء اللجنة المختارة من قبل البرلمان لصياغة الدستور مشدداً على أن المجلس الرئاسي الاستشاري ستكون من صلاحياته وضع ضوابط اختيار من سيشكلون الدستور وهو ما اعتبرته الكثير من القوى السياسية ورجال القانون تدخلا سافر في اختصاص البرلمان ومصادرة على حق الشعب المصري , إذ وضع المجلس العسكري في إعلانه الدستوري منذ تنحي الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك عقب نجاح ثورة 25 يناير ما يؤكد أن البرلمان المقبل المنتخب هو الوحيد المخول باختيار لجنة صياغة الدستور .

بيد أن كل المؤشرات تؤكد أن القوى الرابحة في الانتخابات والتي باتت تمثل رقما صعبا في المعادلة لن ينجح المجلس العسكري والقوى العلمانية واليسارية الداعمة لموقفه في كثير من الملفات لن ترضخ لمحاولة سلب الشعب إرادته التي فرضها في صندوق الانتخابات  , إذ تشير المؤشرات إلى تراجع المجلس العسكري عن منح المجلس الاستشاري صلاحيات البرلمان المقبل  .

 

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …