أيا كانت نتائج الانتخابات المصرية، فقد جاءت النتيجة مبكرة، فوز كبير وباهر للشعب المصري، بكل اطيافه السياسية والاجتماعية، حين يجدد ثورته في أرفع صورة حضارية، من المشاركة الشعبية الكثيفة في الانتخابات، والانضباط الذي فاجأ المراهنين على الفوضى، والانتظام في طوابير بلغت الاف الامتار امام المقرات الانتخابية، ساعات طويلة انتظر الكثيرون ليدلوا بأصواتهم، لم يضجروا ولم يدفعهم طول الانتظار الى فقدان صبرهم، بدليل ان الأجهزة الامنية لم تسجل قضية جنائية واحدة.
كبار السن جاؤوا للمشاركة بحماسة لا تقل عن الشباب، الفقراء مثلما هم الاغنياء، المتعلمون والاميون، الرجال والنساء، حتى الاطفال اصطحبهم ذووهم ليكونوا شهودا على ميلاد مصر الجديدة، مصر الارادة الشعبية، مصر الانتخابات الحضارية، مصر التي تخرج بكل ابنائها للشارع، لتقول ان مصر جديدة تولد، بين يدي ميلاد قادم للأمة.
البلطجة اختفت من الشوارع، ليتساءل كثيرون لماذا؟! ثقة الناس بان العملية الانتخابية ستفرز ما يختارون لم يعد موضع تشكك، والرضا بالنتائج وعدم المنازعة فيها، مهما كانت قاسية على البعض، هو المرجح، فلماذا يحدث كل هذا مع اننا الى عهد قريب كان كل شيء مختلفا عن هذا، وإلى ايام قليلة كان الشارع المصري تتكثف فيه نذر الصدام والمواجهة.
مشكلتنا كانت دائما تصنعها النظم الشمولية، وأجهزتها القمعية المتخلفة، ولم تكن المشكلة عند الشعب، ولا في نضجه السياسي وتأهله للانخراط في عملية ديموقراطية كاملة، كما ظل يزعم الاوصياء على الشعب من نخب ذيل بغلة السلطان.
كما يبدو إن السبب بسيط، عندما تتخلى السلطات الحاكمة عن العبث، فإن كل شيء ينتظم. مشكلتنا كانت دائما تصنعها النظم الشمولية، وأجهزتها القمعية المتخلفة، ولم تكن المشكلة عند الشعب، ولا في نضجه السياسي وتأهله للانخراط في عملية ديموقراطية كاملة، كما ظل يزعم الاوصياء على الشعب من نخب ذيل بغلة السلطان.
المشكلة كانت في الحكم والحكام الشموليين، الذين احتكروا الحياة السياسية، وشوهوا وأفسدوا كل شيء، السياسة والاقتصاد، الاعلام والتعليم، الاخلاق وحتى علاقات الناس بعضهم ببعض.
وما أن يرفع هؤلاء الشموليون أيديهم عن الشعب، حتى تتغير الصورة وينقلب المشهد، فالشعوب العربية لا تقل تحضرا ولا تأهيلا، عن بقية شعوب العالم المحترمة التي خاضت تجارب ديموقراطية، أعلت من قيمة الانسان وأنتجت بيئة سياسة واقتصادية واجتماعية متعافية، وثمة فارق كبير بين الأصل والصورة، بين الديموقراطية المصممة على مقاس الحاكم، وتلك المعبرة عن ارادة الشعب، والعين لا تخطئ الفوارق، والضمير الجمعي للناس يميز بوضوح كل هذا، وهو ما عبر عنه ملايين المصريين في مشاركتهم الكثيقة في الانتخابات، فهذه الانتخابات تمثلهم وهم لم يصوتوا في الماضي؛ لأنهم كانوا مدركين للعبة، النتائج كانت محسومة وما يوضع في الصناديق ليس هو ما يقرر، والأنكى ان المجلس المسمى مجلس الشعب، او البرلمان، لم يكن هو ايضا الا ديكورا، وصورة لتجميل انظمة متخلفة لا تؤمن الا بالصنم الكبير.
نجحت مصر، والثقة كبيرة انها ستكمل ما بدأت على ذات السوية، وستعبر الى مرحلة الدولة الديموقراطية التي تحترم ارادة الشعب، وتحتكم الى صناديق الاقتراع، وستكون قادرة في زمن قصير على بناء الدولة النموذج، فالشعب الذي بنى الاهرام وحفر قناة السويس وبنى السد العالي، والذي يعمل ابناؤه، على مدار الساعة لانتزاع لقمة العيش، بالجد والعرق، ويتحمل من المعاناة وشظف وقسوة الظروف وبؤس الحياة ما لا تتحمله الجبال، لن يذهب جهده وجهاده هدرا، وسيكون عاقبة كل ذلك خيرا ونصرا، لمصر ولجوارها العربي.
نجحت مصر ورفعت رأسها فوق الماء رغم ضخامة المؤامرة، ورغم صخب دعاية المغرضين، وسيكون لنجاحها صداه في عموم المنطقة العربية، وحين تكمل مصر انجاز تجربتها الديموقراطية، سيكون لذلك وزنا وثقلا في سحب مواقف الكثير من البلاد العربية للاقتداء بها، والسير على خطاها، في انتاج نظم حكم نظيفة تخضع لاختيار الشعب ورقابته، بعد اسدال الستار على حقبة الحكم الشمولي، وسياسات التزوير والقمع واحتكار السلطة والثروة.
مصر نجحت ومن بعدها سينجح العرب في الولوج الى عصر الشعوب، شاء من شاء وأبى من ابى، ويسند تأثير الرسالة المصرية البليغة، ما جرى في تونس الخضراء، وما جرى في المغرب وإن كان خطوة غير مكتملة، وما سيجري في ليبيا واليمن والحبل على الجرار.
إنها طريق باتجاه واحد، تحدده وترسم معالمه ارادة الشعوب، ونزوعها نحو الحرية والعدالة واحترام حقوق الانسان واختياراته، فما عاد ممكنا ان يستمر حكم النخب الفاسدة، وتلك التي هبطت على الحكم بالبراشوت ودون تفويض شعبي.
المصدر: صحيفة السبيل الأردنية