شهدت الأعوام الماضية حالة من الصّعود الإسلامي مكّن البعض من الوصول إلى سدَّة الحكم ويقترب بالبعض الآخر من إنجاز هذه الوسيلة الدَّعوية عبر انتخابات بدأت تشكـل خارطة جديدة لمرحـلة قادمة عنوانها :" الإسلاميـون يصافحون السياسية".
وقد صـعد التيار الإسلامي إلى السلطة في فلسطين ليمتد بعد الثـورات الأخيرة إلى شتى العواصم العربية .
ومع تغير المشـهد لاح في الأفق السؤال الكبيـر: هل يستطيع الدُّعاة أن ينخرطوا في العمل السياسي بكافة تفاصيله وأشكاله, وكيف ستتلاقى الدَّعـوة مع السياسة، وأين ستفترقان ؟
تحدّي هذه المرحـلة طرحته "بصائر" على طاولة البحث مع دعاة فلسطينيين وصلوا لسدَّة الحكم والسلطة.
وفي أحاديثـهم، أكَّد هؤلاء الدعاة أنَّهم جنود من أجل أداء الأمانة، وخلق جيل إسلامي، وأنَّهم لن يتأخروا عن دعوتهم بأيّ حال من الأحـوال.
من جانبه، يؤكِّد د. سالم سلامة النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني عن كتلة التغيير والإصلاح، والحاصل على الدكتوراه في الحديث الشريف وعلومه على:" أنَّ الدعاة لا يتأخرون عن دعوتهم ولا يتخلونها عنها في أيّ حال من الأحوال ، فهي الأصل الذي قاموا الذي قاموا وتحرَّكوا من أجله "..
وأضاف أنَّ وجود الدعاة في المجلس التشريعي زادهم قدرة على الوصول إلى أماكن لم يستطيعوا في السَّابق الوصول إليها، منوّها إلى أنَّهم أصبحوا يصلون لأيّ مركز أو وزارة بكل سهولة، وعملهم التشريعي مكنهم من الاختلاط بمراكز القوى وصناع القرار، الأمر الذي يعدُّ فضلا من الله، ومن الابتلاءات التي ابتلوا فيها في الوقت ذاته.
وأكَّد سلامة أنَّ نواب التشريعي الذين كانوا دعاة وخطباء في المساجد ما زال صوتهم يصدح بالحق في الفضائيات والإذاعات، ويقولون الوجهة التي يرضاها الله عزّ وجل في كل مناسبة تحتاج لهم ولتوضيح الحقائق التي يحاول البعض تشويهها.
لم يتراجعوا في دعوتهم
وأشار سلامة إلى أنَّ العمل التشريعي أخذ شيئاً من وقتهم، لكنَّه لم يثنهم عن دعوتهم، مبيّناً أنَّ أعضاء المجلس التشريعي هم قادة وخطباء ومتحدّثون في الندوات وهم المشرعون والمؤصلون، ولم يتراجع عملهم الدَّعوي إلاَّ في الأوقات التي يتم انتدابهم فيها بالسفر للخارج.
واستكمل حديثه بالقول :" لكن الشعب الفلسطيني تعرّض للحصار وما زال، وأعضاء المجلس التشريعي منعوا من السفر، الأمر الذي دفعنا لننكفئ على شعبنا نؤيّده ونزيد صموده، ولم يشعر النَّاس بأي وقت من الأوقات بأنَّ النواب تأخروا عن دعوتهم.
وشدَّد سلامة على أنَّ الإسلام له علاقة وثيقة بالناس وبالسياسة، "فمن ناحية الفصل بينهما لا يجوز، فالإسلام منهج للحياة، والمنهج يهتم بحياة الناس وهمومهم ومشكلاتهم، وبالتالي فلا بد أن يتدخل الإسلام في كلِّ تفاصيل الحياة للناس لذلك وجب على الدُّعاة الدخول إلى العمل التشريعي".
تكليف وليس تشريف ..
ونفى د.سلامة، الأقاويل أنَّ النواب الفلسطينيين، يجنون من جرَّاء كونهم يشغلون مناصب رسمية المكاسب والامتيازات، موضحاً أنَّ المجلس التشريعي السَّابق سنَّ قوانين في آخر جلسة له قبل الانصراف بمنع أعضاء المجلس من أخذ سيارات من الحكومة، ومن يريد ذلك تكون من حسابه الشخصي إنَّما يعفون فقط من الجمارك، "والسيارات التي نركبها اشتريناها بأنفسنا من حسابنا الشخصي"..
إنَّ العمل في التشريعي فتح آفاقاً لأوَّل مرَّة في فلسطين أمام الدُّعاة الذين أصبحوا نواباً، وتسلّموا مقاليد الحكم، وسنوا القوانين المتناسبة مع الشرع
ونوَّه سلامة إلى أنَّ أغلب أعضاء المجلس التشريعي عندما كانوا يعملون في الجامعات قبل تقلّدهم لمناصبهم كانوا يتقاضون راتباً أكثر ممَّا يتقاضوه الآن من الحكومة، لكنَّهم تركوا عملهم السَّابق من منطلق الإصلاح في الأمَّة، وتطبيق تعاليم الإسلام وأحكامه.
وقال سلامة:" إنَّ العمل في التشريعي فتح آفاقاً لأوَّل مرَّة في فلسطين أمام الدُّعاة الذين أصبحوا نواباً، وتسلّموا مقاليد الحكم، وسنوا القوانين المتناسبة مع الشرع، ولغوا ما كان متعارضاً معه، وأصبحوا متطلّعين على كلِّ صغيرة وكبيرة ويستطيعوا محاسبة الجميع حتّى رئيس الحكومة".
التمسك بالثوابت ..
وأردف قائلا:" كما أنَّ عملنا قرَّبنا إلى الله، خاصة في الظروف التي ابتلينا بها، فصمدنا وصبرنا ، منوّها إلى أنَّه لا توجد أي حكومة في العالم استطاعت أن تفعل مثل ما فعلنا، "فنحن لم نتنازل عن أي شبر من فلسطين، ولم نتعرّض للمقاومة، بل شجعناها ووقفنا بجانبها على الرغم من طغيان الاحتلال.
وأضاف أنَّ أعضاء المجلس بما منحهم الله من علم شرعي أصّلوا للحفاظ على الأقصى والمقاومة والشَّرع والثوابت، موضحاً أنَّهم استطاعوا التوفيق بين العمل الدَّعوي والتشريعي الأمر الذي زادهم خبرة ورفعة، وفتحوا بيوتهم ومكاتبهم الممتدة من الشمال إلى الجنوب للناس، ومن وجد مظلمة يتوجّه لهم فهي مفتوحة منذ ساعات الصَّباح الأولى وبعد الظهر، على حدِّ تعبيره.
الداعية بحاجة إلى تنظيم وقته بين الدعوة والعمل التشريعي بحيث لا يطغى جانب على آخر، فالعمل كنائب في المجلس يأخذ الكثير من وقت الداعية
ونوَّه سلامة إلى أنَّ الدعاة يجب عليهم أن يقفوا على مسؤولياتهم في تأصيل القوانين لتكون متواكبة مع الشرع .
وتابع : "يوجد قانون مدني وقوانين للعقوبات سننكب عليها الآن إلى جانب المئات من المواد القانونية لنكون من أوائل الدول في الشرق الأوسط نتبع نظاماً شاملاً ومتكاملاً، وسيقوم الدّعاة وخيرة علماء الإسلام وإخواننا في القضاء بعمل الورشات التي تقنّن وتأصل ما نسعى الوصول إليه".
إيجابيات ..
وقال سلامة:" إنَّ المسلم يستطيع أن يخدم شعبه أينما كان، ونحن جرَّبنا أن نكون خارج الحكومة، وكانت أبناء "حركة حماس" يتعرَّضون للضرب والاعتقال، لكنَّهم كانوا يقولون لإخوانهم الذين كانوا يفعلون بهم ذلك، قوله عز وجل في كتابه : )لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين).
وأضاف : "لكن أعضاء المجلس من الدُّعاة بعد أن دخلوا الحكومة ردوا لشعبهم كرامته وأعادوا الاحترام للشرطي والمدرّس والطبيب، الذين كادت الحكومات السَّابقة أن تفقدهم احترامهم من كثرة التعدّي عليهم"..
وجود الدعاة في المجلس التشريعي زادهم قدرة على الوصول إلى أماكن لم يستطيعوا في السَّابق الوصول إليها، وعملهم التشريعي مكنهم من الاختلاط بمراكز القوى وصناع القرار
واسترسل قائلا:" الدَّاعية عندما يكون في رأس الهرم، فإنَّه ينظر إلى جملة الأعمال التي تقوم بها الحكومة، فيقوم بالتشريع والرقابة ومحاسبة كل من يسيء استخدام منصبه، كما يرصد الخطأ قبل أن يقع فيقوم بالوقاية قبل وقوع المخالفات".
استثمار المناصب ..
ومن جهته، قال عميد كلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية بغزة د. ماهر الحولي:" إنَّ العمل الدعوي يفترض أن يكون سنة الإنسان المسلم، كما أنَّ النواب المتعمّقين في الدَّعوة يتمتعون بحصانة لا بد من استغلالها في الدَّعوة إلى الله، وبما يحقّق مصلحة الناس في الدنيا والآخرة ويؤسّس العمل الدعوي".
وأضاف" يزداد الأمر حيوية وجدية للنائب الدَّاعية، عن طريق استغلال منصبه في الدَّعوة بما يحقق مصلحة الناس في الدنيا والآخرة، من عدة وجوه بداية في الدعوة إلى الله ومراقبة أعمال المسؤولين والحكومة ومحاسبتهم وتفريج الكربات، وإعانة المحتاجين، وستر العورات، والإصلاح بين الناس.
أدوار منتظرة ..
وأشار الحولي إلى أنَّ الداعية بحاجة إلى تنظيم وقته بين الدعوة والعمل التشريعي بحيث لا يطغى جانب على آخر، منوّها إلى أنَّ العمل كنائب في المجلس يأخذ الكثير من وقت الداعية، لكنَّه يفتح الآفاق والمجالات أمامه بشكل أكبر من الدَّاعية العادي.
وبيَّن الحولي أنَّه توجد مفاهيم كثيرة بحاجة إلى وضعها في قوالبها الصَّحيحة، موضحا أنَّ السياسة لابد أن تكون محكومة بأخلاق الدين، وأيّ سياسة تخرج عن ذلك تكون منقوصة ومشبوهة، وجميع الأعمال الاقتصادية والتجارية والسياسية بما فيها العمل التشريعي، محكومة بالدين.
وأكَّد الحولي أنَّه ينتظر من الدُّعاة الذين وصلوا لمنصب في التشريعي، القيام بالأعمال التي لا يستطيع أن يقوم بها الدعاة المضطهدون، ويعوّل عليهم أن يذللوا جميع العقبات أمام الدُّعاة، ليقوموا بالدَّعوة على أكمل وجه، ويؤسّسوا لعمل دعوي رشيد.