ينتشر المسلمون اليوم في معظم بقاع الأرض بفضل الله تعالى، حيث انتشرت دعوة السَّماء، متحدّية كلَّ العوائق والتحديات الهائلة التي وضعت في طريقها.
لكن أحوال أمَّة الإسلامية الصَّعبة، والرِّدة الحضارية الكبيرة التي تعانيها، واستمرار المؤامرات الصليبية والصهيونية التي تستهدفها، جعل الكثير من المسلمين لا يعرفون من الدِّين إلاَّ اسمه، وانتشرت الكثير من البدع، وسادت عادات وتقاليد وتصرفات مخالفة للشَّرع ، وبعضها يرتكب باسم الدين.
ولمعالجة تلك الانحرافات ينبغي أن يقوم طلبة العلم والدّعاة بجولات دعوية إلى شتى بقاع العالم التي يقلّ فيها العلم الصَّحيح بحقيقة الإسلام، ويتعرّفون من خلالها على أحوال إخوانهم والوقوف على الأخطاء التي يقعون فيها، ويساهمون في حلِّها ويعلموهم أمور دينهم، ويرفعون احتياجاتهم إلى الجهات الرَّسمية وأهل الخير من المسلمين لسدّها، وأن يشجعوا غيرهم من أهل العلم والدّعاة لتسيير بعثات دعوية للخارج.
أهمية البعثات ..
يقول الدكتور ماهر السوسي، المحاضر في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية بغزة : إنَّ البعثات الدعوية هي عبارة عن قيام مجموعات من المتخصصين في شأن الدَّعوة الإسلامية بنشر دعوة الإسلام في أيّ مكان تيسّر لها الوصول إليه، فهم "بمثابة دعاة إلى الله سبحانه، ويقومون بنشر الدَّعوة في أماكن مختلفة سواء كانت إسلامية أو غير ذلك" .
دعوة الإسلام ينبغي أن تصل إلى كلِّ مكان، لأنَّ الإسلام دين عالمي، وهو الدين الخاتم والله سبحانه اختص أمَّة العرب لتحمل الدَّعوة وتبلغها للناس
واستشهد السوسي بآيتين من القران الكريم للدّلالة على أهمية الدَّعوة،بقوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}، وقوله تعالى {ادع إلى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}، موضحاً أنَّ تلك الآيات تبيّن أنَّ المسلمين قد كلفوا بالدَّعوة إلى الله، ونشر دينهم في كلِّ مكان يمكنهم الوصول إليه، فقد كلف بهذا الأمر كلّ مسلم، لكن كل فرد يدعو بحسب إمكانياته وقدراته، على حدِّ قوله.
وأضاف أنّه إذا كان كل المسلمين مطالبين بالدَّعوة، فهذا يعني أنَّ دعوة الإسلام ينبغي أن تصل إلى كلِّ مكان، لأنَّ الإسلام دين عالمي، وهو الدين الخاتم والله سبحانه اختص أمَّة العرب لتحمل الدَّعوة وتبلغها للناس، منوّها إلى أنَّ العبء الأكبر يقع على عاتق الدّعاة في الذّهاب ببعثات دعوية لتبليغ هذا الدِّين، خاصة لغير المسلمين.
وأوضح السوسي أنَّ أهمية البعثات الدَّعوية للخارج تتمثل في أنَّها تقوِّم الخطأ الذي يقع فيه بعض المسلمين الآخرين الذين لم يتمكنوا من فهم الإسلام بالشكل الصَّحيح ويحتاجون لمن يرشدهم، كما أنَّها توصل مفاهيم الإسلام للذين لم يتعرّفوا على الدين الإسلامي بعد.
وشدَّد على أنَّ البعثات الدعوية تقوم بإزالة اللّبس الذي يسيطّر على تفكير الناس من خلال عمليات التبشير والحملات الإعلامية المضادة التي أدَّت إلى تشويه الإسلام ونشره بشكل مغلوط، وتقوم ببيان حقيقة الإسلام الصَّحيحة.
فائدة السَّفر ..
وأشار إلى أنَّ العبء الملقى على الدُّعاة من خلال بعثاتهم إلى الخارج هو عبء كبير ومهم، وينبغي التعامل في الدَّعوة بشكل مدروس ودقيق حتّى يصل للناس بشكل واضح وسليم.
ونوَّه السوسي إلى أنَّ السفر بالنسبة للداعية يعدُّ وسيلة تمكّن الداعية من خلالها تبليغ دعوة الله إلى أكثر عدد ممكن من المجتمعات، مبيّناً أنَّ صحابة الرَّسول صلَّى الله عليه وسلّم كانوا يتفرَّقون في كلّ البلاد، ويسافرون من أجل نشر الإسلام وتعليم النَّاس أمور دينهم.
وأردف قائلاً :" كان واضحاً بجلاء أنَّه في زمن عمر بن الخطاب تفرق غالبية الصَّحابة في البلاد المحيطة لدرجة أنَّ عمر بن الخطاب قد منع من تبقى منهم من السفر لاحتياجه لهم حتى يكونوا مجلس شورى، وحتّى لا تفرغ المدينة من ما يحملون كتاب الله ومن الممكن استشارتهم".
وأضاف " سفر الدَّاعية يعمل على كسب الخبرات لدى الدّعاة الذين من الممكن أن يستفيدوا من تجارب الدول التي يذهبون إليها، ويطلعون على تجارب الدول الأخرى".
محاذير يجب تجنّبها ..
كان واضحاً بجلاء أنَّه في زمن عمر بن الخطاب تفرق غالبية الصَّحابة في البلاد المحيطة لدرجة أنَّ عمر بن الخطاب قد منع من تبقى منهم من السفر لاحتياجه لهم حتى يكونوا مجلس شورى
وأكَّد السّوسي على أنَّ الداعية يجب أن يحرص على عدم الوقوع في بعض المحاذير أثناء دعوته في الخارج، والتي تتمثل في ثقافة الداعية؛ وهو عدم تمكنه من الإسلام وجهله بحقيقة الدَّعوة التي يريد أن يبلغها، وهي قضية خطيرة، وإن كان غير متمكن سيقوم بتبليغ الدعوة بطريقة مشبوهة وغير صحيحة، وهذا يؤدِّي إلى نشر الإسلام على وجه مخالف للحقيقة التي أرادها الله.
واستكمل حديثه بالقول :" كما أنَّ جهل الدَّاعية نفسه في ثقافة وعادات وتقاليد المجتمع الذي يذهب إليه والجهل بالظروف المحيطة بالمجتمع تعدُّ من المخاطر التي ينبغي الحذر منها، منوّها إلى أنَّ الدَّاعية يجب أن ينطلق من منطلقات لا تتعارض مع طبيعة المجتمع الذي يدعو فيه، وينبغي أن يعرف طريقة تفكيرهم والطريقة الأنسب لتوصيل الرسالة التي يريدها لهم".
وبيَّن السوسي أنَّ الداعية الذي خرج مع بعثة دعوية ولا يعرف طبيعة المجتمع المتوجه إليه وعاداته سيعاني من سوء تقبّل الناس للدعوة وصدهم له، مشدّداً على أنَّ فطنة الداعية وحكمته تعينه على توصيل رسالته بالشكل الأمثل.
شروط الابتعاث ..
وختم السوسي حديثه بالقول : ينبغي على الدَّاعية أن تتوفر فيه مجموعة من الصِّفات والشروط لتعينه على توصيل رسالته أهمها: الرِّفق واللين والرَّحمة والصَّبر والفطنة والحلم، والعلم بأحوال الناس وعاداتهم والظروف المحيطة بهم، وأن يختار لهذه المهمَّة من كان صلب الدّين ، قوّي الإرادة ، متقدّم السن ، محصَّناً من التأثر، وأن يحاط المبعوث هناك بالجوّ الإسلامي النظيف الذي يذكره إن غفل، ويعينه إن ذكر.
أثر البعثات ..
ومن جهته، قال الدكتور صادق قنديل المحاضر في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية في غزة:" إنَّ الهدف من البعثات الدَّعوية نقل الصُّورة الصَّحيحة للإسلام، فبعض المسلمين في الدول الأوروبية وغيرها تكون نظرتهم للعالم الدَّعوي غير متكاملة، وعندما تنطلق وفود للخارج تنقل الرؤية الدعوية المعاصرة والحقيقية عن الإسلام".
وأردف قائلاً:" كما أنَّ البعثات الدعوية تسعى لتطوير العمل الدَّعوي داخل البلد الذي تتوجه له البعثة".
مآخذ على البعثات ..
ونبَّه قنديل على أنَّ البعثات الدَّعوية التي تتوجه للخارج عليها بعض المآخذ، لأنَّ بعض الدُّعاة عندما يتوجهون للدَّعوة يمثّلون فكرهم ومنهجهم -إن كان سلفياً أم وسطياً أم صوفياً إلخ- وهي آراء مختلف فيها بغض النظر عن المدرسة أو الفكر الذي ينتمي له الداعية، مبيّنا أنَّ الأصل أن يمثل الدَّاعية المؤسسة التي خرج منها وهي مؤسسة الإسلام.
وأضاف قنديل " إذا مثّل كل داعية منهجه الفكري ودعا للسلفية أو للصوفية وتركوا المبادئ الأساسية للإسلام، فسيصبح العمل الدَّعوي فردياً، ويجيّر لحساب مؤسسة ما بدلاً من أن يجيّر للإسلام".
وأكَّد أنه يجب على الجهات التي ترسل اللجان الدعوية أن تختار من هم على دراية وكفاءة بأمور الدَّعوة، ومن يتمتعون بمهارات عالية وامتيازات تميّزهم عن غيرهم، مشيراً إلى أنَّ بعض أعضاء البعثات الدَّعوية يكونوا ضعاف تنقصهم الكفاءة والخبرة، وهؤلاء رسل فيأخذ من بالخارج انطباع على أنَّهم ضعفاء فيتجاهلونهم ولا يستجيبون لدعوتهم.
وشدَّد قنديل على ضرورة وجود مؤسسات ترتب وتحدّد العمل الدَّعوي والمهام الموكلة للبعثات الدَّعوية بالخارج، وأن تقوم تلك المؤسسات باختيار الشخصيات المؤهلة للقيام بتلك المهمّات، حتى تخرج البعثات بنتائج ايجابية، بعيداً عن العشوائية والعمل الفردي.