كيف نستفيد من الانتخابات تربويًّا؟

الرئيسية » بصائر تربوية » كيف نستفيد من الانتخابات تربويًّا؟
alt

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فعندما انطلقت دعوة الإخوان منذ أكثر من ثمانين عامًا على يد مؤسسها الإمام الشهيد حسن البنا؛ كان من أهم ثوابتها: تبنِّيها "التربية" كأداة رئيسة لإحداث التغير المنشود في الأمة تحقيقًا لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (الرعد: من الآية 11)، والتغيير المطلوب ينبغي أن يشمل أولاً: الأفراد العاملين في بناء المشروع الإسلامي. وثانيًا: عموم المسلمين في المجتمع.

ومما يلزم التأكيد عليه أن أهداف التربية المراد تحقيقها داخل محيط الأفراد العاملين في بناء المشروع الإسلامي أكثر من المطلوب تحقيقه في عموم الناس، إلا أن القاسم المشترك بينهما أن هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها إلا من خلال عمل تربوي وليس من خلال أعمال عامة كالخطابة أو الكتابة أو تقديم الخدمات.. فهذه الأعمال لا تُحدِث أثرًا دائمًا إلا إذا كانت من خلال منظومة عمل تربوية.. تأمل معي ما قاله الإمام حسن البنا مؤكدًا على هذا المعنى:

إن الخُطب والأقوال والمُكاتبات والدروس والمحاضرات وتشخيص الداء ووصف الدواء كل ذلك لا يُجدي وحده نفعًا، ولا يصل بالداعين إلى هدف من الأهداف؛ ولكن للدعوات وسائل لا بد من الأخذ بها والعمل لها..

والوسائل العامة للدعوات لا تتغير ولا تتبدل ولا تعدو هذه الأمور الثلاثة:

1- الإيمان العميق.

2- التكوين الدقيق.

3- العمل المتواصل (1).

وحول غاية الإخوان وأهدافهم التي يسعون إلى تحقيقها في أنفسهم وفي مجتمعهم يقول- رحمه الله-:

إن غاية الإخوان تنحصر في تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة في مظاهر حياتها: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً) (البقرة: من الآية 138).

وأن وسيلتهم في ذلك تنحصر في:

1- تغيير العُرف العام.
2- تربية أنصار الدعوة على هذه التعاليم؛ حتى يكونوا قدوةً لغيرهم في التمسك بها والحرص عليها والنزول على حكمها (2).

الصبغة التربوية:

من هنا يتأكد لدينا بأنه من الضروري أن تصطبغ جميع أعمالنا بالصبغة التربوية.

والمقصود بالصبغة التربوية هو أن يُساهم العمل- مهما كان نوعه- في إحداث أثر إيجابي دائم في ذات المتلقي ينتج عنه تغيير في جانب أو أكثر من جوانب شخصيته الأربعة (المعرفية- الإيمانية- النفسية- السلوكية).

فالعمل الاجتماعي- على سبيل المثال- يمكنه أن يكون عملاً اجتماعيًّا محضًا يهدُف إلى تخفيف المعاناة عن الناس دون النظر لأي بُعد آخر، ويمكنه أن يكون وسيلة للتأثير الإيجابي والتغيير الدائم في ذواتهم.

وكذلك العمل في أوقات الانتخابات يُمكنه أن يؤَدَّى بطريقة تهدف إلى حشد أكبر عدد من الأصوات وفقط، ويُمكنه- بالإضافة إلى ذلك- أن يكون عملاً تربويًّا يؤثر في نفس من يؤديه، ويقوم بتغييره تغييرًا إيجابيًّا ولو في جزئية صغيرة من شخصيته ليكون بعد موسم الانتخابات شخصًا أكثر فاعلية، وأن يؤثر كذلك في عموم الناس ويأخذ بأيديهم ولو قليلاً إلى أعلى في سُلَّم الالتزام الحقيقي بالإسلام.

عوامل النجاح في صبغ الانتخابات بالصبغة التربوية:

هناك عوامل من شأنها أن تُساهم- بإذن الله- في الاستفادة التربوية من أوقات العمل في الانتخابات، نذكر منها:

أولاً: تقوية الصلة بالله عز وجل، والعمل على زيادة الإيمان الحقيقي في القلوب والذي من شأنه أن يجعل صاحبه في حالة من التوهج والإيجابية والانضباط الشرعي، ولنعلم جميعًا بأن أهم عامل من عوامل النجاح في تحقيق أهدافنا التربوية هو هذا العامل، فبقدر قوة الصلة بالله عز وجل تكون المعونة والمدد والكفاية والتأييد منه سبحانه: (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)) (الأعراف)، (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) (البقرة: 257).

إن السجدة الحارَّة المصحوبة بالأنين والبكاء والتضرع لله عز وجل، هي التي تندك بها الحصون، وتهتز لها العروش بعون الله.

وليس صحيحًا ما يقوله البعض أن العمل الحركي في أوقات الانتخابات ينبغي أن يهيمن على حياة الفرد، ولو أدى ذلك إلى تهاونه في أداء الصلاة بالمسجد، أو التفريط في أوراده.

ولتعلم- أخي- أنه لا خير في عمل يُلهي عن الصلاة، ولعلَّك قرأت مقولة أحد السجَّانين في عصر من العصور الماضية وهو يقول: سألت كلَّ مأخوذٍ بليل: هل صليت العشاء الآخرة في جماعة؟ قال: لا.

ولو كان بذل الجهد الكبير في العمل مدعاة للتهاون في أعمال الإيمان لَما حرصت الأجيال الأولى على قيام الليل في المعارك التي كانوا يخوضونها.. تأمل معي ما جاء في خطاب سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- إلى عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- الذي يُبشره فيه بفتح القادسية: "وأصيب من المسلمين رجال لا يعلمهم إلا الله، كانوا يدوون بالقرآن إذا جَنَّ عليهم الليل كدويِّ النحل، وهم آساد في النهار لا تشبههم الأسود".

وفي فتح أفريقية يصف عبد الله بن الزبير أحوال المسلمين فيها فيقول:

واستشهد الله جل جلاله رجالاً من المسلمين، فبتنا وباتوا، وللمسلمين دوِيٌّ كدوي النحل، وبات المشركون في ملاهيهم وخمورهم، فلما أصبحنا زحف بعضنا إلى بعض، فأفرغ الله علينا صبره، وأنزل علينا نصره، ففتحناها من آخر الليل.

ويكفيك- أخي الحبيب- التوجيه الإلهي للرسول صلى الله عليه وسلم: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)) (الشرح)، أي: إذا فرغت من الدعوة فانصب للعبادة.

فإن قلت: ولكن أليست الحركة وبذل الجهد في سبيل الله يزيدان الإيمان؟

نعم، شريطة أن تنطلق هذه الحركة من قلب حي يقظ متعلق بالله، فيعود أثرها عليه بمزيد من الإيمان، أما إذا انطلقت من قلب غافل لاهٍ، فإنها تؤدي بلا روح، ومِن ثَم لا يكون لها أي أثر يُذكَر في زيادة الإيمان، بل قد يكون لها آثار سلبية على البعض بسبب شعورهم بالفتور بعد انتهاء فترة الانتخابات، لذلك حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله: "مثل الذي يُعلِّم الناس الخير وينسى نفسه، مثل الفتيلة، تُضيء للناس وتحرق نفسها" (3).

ولا ينبغي أن يركن المرء إلى مخزونه الإيماني، ويطمئن إليه، فمسببات نقصان الإيمان كثيرة وبخاصة في فترة الانتخابات حيث كثرة الكلام، والجدال، والاحتكاكات، و....

وتذكر- أخي- قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الإيمان يَخلق في القلوب كما يخلق الثوب، فجددوا إيمانكم" (4).

وليس معنى هذا هو التهاون في القيام بالأعمال الحركية في هذه الأوقات، بل المقصد هو التنبيه على أهمية التزود بالوقود الذي يجعلنا نستفيد من هذه الأعمال استفادة حقيقية، وقديمًا قالوا: إذا صحَّ منك العزم هُديت إلى الحيل، بمعنى أنه عندما نُدرك أهمية الصلة بالله في كل وقت وبخاصة في تلك الأوقات، ويصح عزمنا على عدم التهاون فيها؛ فسيهدينا الله عز وجل إلى كيفية التوفيق بين أورادنا وبين تلك الأعمال، ويجعلنا نحافظ على أداء الصلوات في المسجد- جماعة أولى- وعلى وِرد القرآن، وعلى قيام الليل، وعلى أذكار الأحوال، وفي الوقت ذاته نقوم بدورنا في الانتخابات خير قيام: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)) (الطلاق).

وقال صلى الله عليه وسلم: "ومن يتحر الخير يعطه" (5).

ومن العوامل الأساسية للنجاح في الاستفادة من الانتخابات تربويًّا:

ثانيًا: دوام وضوح الرؤية حول طبيعة المعركة التي نخوضها، وأنها بالأساس معركة تربوية لإقامة الإسلام الشامل في نفوسنا وفي نفوس الناس، وأن مقياس نجاحنا الحقيقي في فترة الانتخابات هو التغيير الإيجابي الذي يحدث في نفوس العاملين للإسلام، وكذلك داخل المحيط الذي نعمل فيه، وليس مقياس النجاح هو عدد الأصوات التي نحصل عليها أو المقاعد التي نفوز بها.

إن دوام وضوح الرؤية حول طبيعة المعركة التي نخوضها من شأنه أن يوجه جهد الأفراد توجيهًا صحيحًا، ويضع الوسائل في مكانها الصحيح ولا يحولها إلى أهداف.

ومن الضروري استخراج النصوص التي تؤكد هذا المعنى من رسائل الإمام حسن البنا، وأن يتم تذكير الأفراد بها بصورة مستمرة حتى تظل البوصلة موجهة للمكان الصحيح ألا وهو "التغيير من خلال التربية"، وأن يتم تطويع جميع الوسائل لخدمة هذا الأمر.. ومن أهم الرسائل التي تحدثت بوضوح عن هذه المسألة رسالة "هل نحن قوم عمليون؟" وخاصة في نصفها الأول، والتي بيَّنت- بما لا يدع مجالاً للشك- أن التربية هي أداة التغيير المنشود، وأيضًا بداية رسالة "المؤتمر الخامس" التي أوضحت تطور الفكرة في ذهن الإمام حتى ألهمه الله هذا الطريق- طريق الرسل وأصحاب الدعوات- تأمل قوله رحمه الله: وقفت نفسي منذ نشأت على غاية واحدة هي إرشاد الناس إلى الإسلام حقيقة وعملاً.

ظلت هذه الخواطر حديثًا نفسانيًّا، ومناجاة روحية أتحدث بها في نفسي لنفسي، وقد أُفضي بها إلى كثير ممن حولي، وقد تظهر في شكل دعوة فردية، أو خطابة وعظية، أو دروس في المساجد إذا سنحت فرصة التدريس، أو حديث لبعض الأصدقاء من العلماء على بذل الهمة ومضاعفة المجهود في إنقاذ الناس وإرشادهم إلى ما في الإسلام من خير.

ثم كانت في مصر وغيرها من بلدان العالم الإسلامي حوادث عدة ألهبت نفسي، وأهاجت كوامن الشجن في قلبي، ولفتت نظري إلى وجوب الجد والعمل، وسلوك طريق التكوين بعد التنبيه، والتأسيس بعد التدريس (6).

تربية المجتمع:

ومما يلحق بهذا الأمر ضرورة وضوح الرؤية بأن قضيتنا مع المجتمع ليست فقط تكوين رأي عام يقتنع بالحل الإسلامي، بل لا بد من تربية الناس على الإسلام حتى يُناصروا هذا الحل عند المحكَّات العملية.

إن الكثيرين من أفراد المجتمع يحبون الإسلام إلا أن حبهم لأنفسهم أشد، لذلك ففي أوقات الرخاء تجدهم يدافعون عن الإسلام وعن قضاياه، فإن حدث تماس أو تعارض بين مصالحهم الشخصية، وبين ما ندعوهم إليه فلن يكونوا معنا، بل قد ينقلبون علينا؛ لأنهم لم يتم تربيتهم على الإسلام وعلى التضحية من أجله.

وليس معنى ذلك أن نقوم بتربية الناس على جميع معاني الإسلام، ولكن المقصد هو تحقيق الحد الأدنى الذي ينقل المجتمع من حالة السلبية واللامبالاة والأنانية التي يعيش في أجوائها، وأن تسود فيه الأخلاق الإسلامية اللازمة لنهضة أي أمة من صدق وعفة وإيجابية، أو بمعنى آخر: ينبغي أن يكون من أهم أهداف العمل مع المجتمع تغيير العرف العام إيجابيًّا والانتقال به درجة- أو درجات- لأعلى في سُلَّم التحقق ظاهرًا وباطنًا بالإسلام ليكون ذلك عونًا- بإذن الله- على تحمل التضحيات تجاه الدين عندما تتطلب الظروف ذلك.

مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها إلا بالتربية والمعايشة والوجود بين الناس.

وغني عن البيان أنه لا يمكن للعاملين للإسلام تربية المجتمع على شيء يفتقدونه في ذواتهم؛ لذلك من الضروري الاهتمام الشديد بتحقيق الأخلاق الأساسية، والمعاني الإيمانية الضرورية داخل نفوسنا قبل النزول للمجتمع قدر المستطاع، حتى لا نكون فتنة لهم، وحتى لا يؤثر هذا النزول بالسلب على مستوى الأفراد؛ بسبب ضعف مناعتهم الإيمانية وعدم قدرتهم على مقاومة جراثيم المجتمع.

ومن عوامل النجاح للاستفادة من الانتخابات تربويًّا:

ثالثًا: وضوح الرؤية حول مفهوم التربية ومجالاتها:

فإن كانت التربية هي الأداة الرئيسة للتغيير فلا بد من وضوح الرؤية حول مفهومها ومجالاتها.

* فمن تعريفات التربية: إحداث أثر دائم في الشيء ينتج عنه تغيير حقيقي فيه.

* ومن تعريفاتها كذلك ما ذكره الإمام البيضاوي بأنها: تبليغ الشيء إلى كماله شيئًا فشيئًا.

ولكي يتم تبليغ الشيء إلى كماله لا بد من عمل مؤثر متكرر ومتتابع.

* أما مجالات التربية الإسلامية، فهي مكونات الإنسان الأربعة: العقل والقلب والنفس والجسد؛ أي أنه من الضروري أن تتم تربية معرفية، وتربية قلبية، وتربية نفسية، وتربية سلوكية؛ حتى تظهر الثمرة الصحيحة والمرتقبة للتربية وهي تنشئة المسلم الصالح المصلح الذي تتأسس عليه الأسرة المسلمة فالمجتمع المسلم.

ولكي يحدث هذا لا بد من عمل متكرر متتابع يُحدِث أثرًا متدرجًا في أحد هذه الجوانب الأربعة حتى يصل به إلى حد الكمال، أو قريبًا منه. ثم ننتقل لعمل آخر وهكذا...

معنى ذلك أنه لكي تنجح العملية التربوية في ذات الإنسان لا بد من تبنِّي هدف محدد يتم التركيز عليه، وتكرار طرحه بوسائل مؤثرة تدمج بين الخطاب العقلي والوجداني، وأن تُلحَق به أعمال سلوكية تخدم الهدف وتعلو به في النفس شيئًا فشيئًا.

فإن لم نفعل ذلك، وتبنَّينا في الوقت نفسه أهدافًا كثيرة نريد تحقيقها بالتوازي في ذات الفرد، فمن المتوقع ألا تُحدث التربية أثرها المطلوب، بل سيكون الناتج: اتساع دائرة المعرفة عند الفرد على حساب دائرة التأثير والتغيير.

والملاحظ أننا كثيرًا ما نقوم بتطبيق المفهوم الصحيح للتربية في بعض أمورنا المعيشية، فالذي يتعلَّم مهارات قيادة السيارة فإنه لا يتعلمها دفعة واحدة، وإلا ما اكتسبها، بل يقوم المدرب بتعليمه مهارة واحدة ويدربه عليها بالتكرار والتتابع حتى يكتسبها ثم ينتقل إلى مهارة أخرى.

والذي يتعلم أحكام التجويد يحدث معه نفس الشيء.

فإذا ما أسقطنا هذا المفهوم على العمل في الانتخابات فينبغي علينا أن نحدد أهدافًا قليلةً (هدفًا أو هدفين) ونركِّز عليهما، ونعيد ونكرر طرحها بأساليب مختلفة تخاطب الفكر والعاطفة، وأن نأخذ بأيدي الناس نحو العمل المطلوب لتحقيق الهدف في ذواتهم، وأن نستخدم وسائل التأثير المختلفة (7)، لإحداث الأثر المتدرج داخلهم.

وينبغي أن تكون تلك الأهداف القليلة التي سنُركِّز عليها- بمشيئة الله- منبثقة من أهدافنا العامة التي تهدُف إلى تغيير العرف العام للأمة وصبغها بالإسلام، وأن ندندن جميعًا حولها: فالخطيب يتكلم عنها، ويصبغ خطبته بالدليل العقلي والمؤثرات الوجدانية، ولا يتفرع كثيرًا في خطبته، بل يُركِّز نحو الهدف المحدد.

والمطوية، والبوستر، والنت، والحوارات المباشرة مع الناس ينبغي أن تخدم هذه الأهداف القليلة التي يتم الاتفاق عليها.

وبعد الاتفاق على الهدف الذي سنسعى لتحقيقه في فترة الانتخابات، علينا أن نُحدد مظاهر عملية لهذا الهدف، ووسائل تحقيقه (معرفية- وجدانية- سلوكية)، ومعايشة تطبيقه وسط الناس.

رابعًا: التحفيز والتذكير الدائم قبل أداء العمل:

من أهم عوامل النجاح في الانتخابات تربويًّا هو يقظة الفرد ودوام شعوره بأهمية العمل الذي يقوم به، وكيف أنه خطوة مهمة في بناء المشروع الإسلامي، وأن يتملَّكه الشعور بأن حركته الصحيحة الفاعلة قد تكون سببًا في نجاح هذه الخطوة والعكس.

ولكي يعيش الفرد دومًا في هذه الأجواء لا بد من الاستمرار في تذكيره وتحفيزه، وكلما قوي الاتصال بين المشاعر والجوارح قبل وأثناء العمل؛ كان الأثر أشد وأقوى.

من هنا تبرز أهمية التذكير والتحفيز قبل القيام بأداء العمل الصالح حتى يتم الانتفاع الحقيقي به.. قال تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)) (الذاريات).

والمثال العملي لذلك ما قاله صلى الله عليه وسلم: "اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحريٌ أن يُحسِن صلاته" (8)، فذكر الموت قبل الصلاة من شأنه أن يوقظ الإنسان من غفلته، فيُقبل على الصلاة بقلب خائف وجل.

فإن قلت: فكيف أقوم بتحفيز نفسي وتحفيز الآخرين قبل القيام بالعمل في الانتخابات؟

قلنا: هناك وسائل كثيرة للتحفيز والتذكير يُمكن للمرء أن يستخدمها مع نفسه ومع الآخرين، سنذكر العديد منها- بعون الله تعالى- في الأسطر القادمة، مع العلم بأنه ليس المطلوب استخدامها كلها قبل القيام بالعمل، كل ما هو مطلوب هو الاجتهاد غاية الإمكان في تحفيز أنفسنا والآخرين، وأن نستخدم من الوسائل ما يتناسب مع الوقت والعمل، وإن كانت هناك بعض الوسائل التي تكاد تكون مشتركة في كل الأعمال: كالتذكير بالله وابتغاء مرضاته، وبأهمية العمل الذي نقوم به وبفضله. بمعنى أنه من الضروري أن يسبق أي عمل- ولو كان صغيرًا- فقرة تحفيزية، فإن حالت الظروف دون إتمامها؛ فعلى كل فرد أن يقوم بتهيئة نفسه وتحفيزها قبل القيام بالعمل حتى ينتفع به في زيادة الإيمان.

وإليك- أخي- بعض التفصيل حول هذا العامل المحوري.

أهمية التحفيز قبل القيام بالعمل:

العمل في الانتخابات شكل من أشكال العمل الصالح الذي نتقرب به إلى الله عز وجل، ولكي يتم الانتفاع بالعمل الصالح في زيادة الإيمان؛ لا بد من استجاشة المشاعر القلبية قبل القيام به ليحدث الاتصال بين المشاعر والجوارح، فينعكس أثره على القلب بزيادة الإيمان فيه، فإن لم يحدث هذا الاتصال فلن يكون لأداء هذا العمل أثر يُذكَر على القلب، ومن ثمَّ السلوك.

من وسائل التحفيز:

1- السؤال:

السؤال يستثير مشاعر الرغبة داخل الإنسان لمعرفة الإجابة، وهو أيضًا يشغل الذهن ويُنبِّه العقل بطلب الإجابة، فإذا ما انتبه العقل كان من السهل استثارة المشاعر بالوسائل الأخرى.

لذلك علينا أن نبدأ بسؤال أنفسنا قبل التحرك للقيام بأي عمل: لماذا أقوم بهذا العمل؟ (لماذا أدخل على النت، لماذا أذهب لمقابلة فلان، لماذا أشارك في مسيرة...).

ثم نبحث عن الإجابة من خلال استعراض الوسائل التالية:

1- أذكر نفسي والآخرين بأن الله عز وجل يُحب هذا العمل، وأن قيامي بهذا العمل يعرضني لرضى الله عز وجل ورحمته.

فأعمال الانتخابات من جنس الجهاد في سبيل الله، والله عز وجل يُحب أهل الجهاد، وكذلك فإن أعمال الانتخابات صورة من صور الدعوة إلى الله.

وأعمال الانتخابات شكل من أشكال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وكل هذه الأمور يحبها الله عز وجل ويحب أهلها.

2- أُذكِّر نفسي والآخرين بأهمية العمل، وأنه وسيلة عظيمة لتنبيه الغافلين، وتوصيل الدعوة لأماكن لم تصل إليها، وأنه خطوة مهمة في بناء المشروع الإسلامي.

3- أُذكِّر نفسي والآخرين بفضل العمل، وأنه من جنس الجهاد، وأُذكِّر نفسي بفضل الجهاد، وأستحضر النصوص التي تحدثت عنها كقوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)) (التوبة)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لغدوة في سبيل الله أو رَوْحة خير من الدنيا وما فيها" (9).

ولا بأس- أخي الحبيب- من القراءة في كتب فضائل الأعمال لاستثارة المشاعر قبل القيام بالعمل (10).

4- أُخوِّف نفسي والآخرين من مغبة عدم القيام بالعمل، أو التقصير في أدائه، وأن هذا قد يُعرِّضنا لغضب الله عز وجل وعقوبته، وأن يجعلنا عرضة للاستبدال: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)) (محمد: 38).

5- أُذكِّر نفسي والآخرين بقدوة من القدوات الحالية أو السابقة والتي بذلت الكثير في سبيل الله: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)) (آل عمران).

6- أقوم بتخيير نفسي بين القعود والحركة، وأُجري معها حوارًا أستعرض فيه فوائد الحركة وأضرار القعود وأستمر في الحوار حتى أقطع ترددها.

ومن الضروري أن ينطلق هذا الحوار من قاعدة مفادها أن: "صلاحك لمصلحتك"، وأنك المستفيد الأول من قيامك بهذا العمل، وأنك أيضًا الخاسر من عدم قيامك به: (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) (الإسراء: من الآية 7).

فهذه- أخي- أهم وسائل التحفيز قبل القيام بالعمل، وهناك وسائل أخرى يمكنك استخدامها إذا ما سنحت لك الفرصة وهي: القصة- ضرب المثل- التذكير بالمواقف الإيجابية السابقة- الصورة المؤثرة- الصوت المؤثر-...

المهم هو تحقيق الهدف وهو ضرورة التحفيز- ولو بأقل عدد من الوسائل- قبل القيام بالعمل حتى ننتفع به في زيادة الإيمان وتحسين السلوك.

وفي النهاية: نسأل الله عز وجل التوفيق والسداد، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
-------------

* الهوامش:
1- رسالة بين الأمس واليوم.
2- رسالة المؤتمر الخامس.

3- صحيح الجامع الصغير (5837).
4- السلسلة الصحيحة (1585).
5- أخرجه الطبراني في الأوسط، وحسنه الألباني في الصحيحة برقم (342).

6- رسالة المؤتمر الخامس باختصار.
7- وسائل التأثير كثيرة منها: بيان أهمية العمل، والترغيب في أدائه، والترهيب من تركه- وكذلك القصة والقدوة والصورة المؤثرة والصوت المؤثر.
8- حديث حسن: أخرجه أبو داود.

9- متفق عليه.
10- مثل: رياض الصالحين للنووي- المتجر الرابح للدمياطي.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …