ذات ليلة عيد وصلتني منها رسالة رقيقة برقة روحها تعايدني و أخذنا الكلام، فاعتذرت أنها ربما أزعجتني و أخذت من وقت العائلة فأخبرتها أن العائلة في زيارة و أنا برفقة كتاب لأني لا أحب كثرة الاجتماعيات.
ردت بحسرة: و لكني أحبها جدا و مؤخرا أصبحت أمتنع عنها و أتجنبها!! لماذا التغيير سألتها؟ قالت: أصبحت أكره كثرة الأسئلة و بالذات ما يتعلق بالخطبة و الزواج و العرسان التي تجعلني أشعر أني في مشكلة عويصة و أني لا أساوي شيئا في ميزان الدنيا و البشر حتى أرتبط!!!
صعقت لحديثها ففيها كل الأوصاف التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم و جعلها ترغّب الى نكاح المرأة من جمال و نسب و مال و دين و هي مع ذلك صاحبة فكر و قلم و رؤية و مبادرة تقتحم غمار الحياة و لا تكتفي بدور المراقب الهامشي.
نقمت ساعتها على الشباب و قلت في نفسي: الناس بطلت تشوف!! ثم تذكرت أني أعرف مثلها و في مثل صفاتها ما يزيد على 40 فتاة في آخر العشرينات من العمر يجعلهن المجتمع يشعرن بالذنب و كأنهن السبب في تأخر زواجهن!!إن سيدنا أبا بكر أمر ابنه عبد الرحمن بتطليق زوجته التي شغلته عن أمر دنيه و شغله لجمالها، و بواعث السرور في النفوس ليست كلها حسية تعتمد على النظر،
قلت لها: لعلك ترفعين السقف؟!
فقالت: و هل طلبي أن يكون ابن حلال أجد فيه نفسي و كمالي يزيدني و أزيده و يعينني و أعينه من سابع المستحيلات؟!
حزنت على كثير من الفتيات فمعظمهن يقبلن بابن الحلال فعلا، و لكن ابن الحلال في زمننا تغير عن ابن الحلال في سالف العصر، و قد تتوفر الخامات الأساسية في ابن الحلال، و لكن الظروف المحيطة و قلة ذات اليد تجعل ابن الحلال موقوفا و معلقا مثله مثل الفتاة الى حين ميسرة، و ان كانت المدة الزمنية تؤثر في الفتاة أكثر منها في الشاب
هي عاملة و منجزة و لديها اهتماماتها و نشاطاتها التي تشغل أكثر من 24 ساعة يوميا ككثيرات ممن أعرف و ليس لديهن مشكلة حتى لو لم يتزوجن إطلاقا، و لكني أرجو لهن شيئا من فرح و قرة عين لا تتأتى الا بالزواج الصالح و الأمومة، هو شيء من الفطرة يمكن كبته إذا لم تتواجد سبل الحلال لتحقيقه.
و لكن تحقيقه به سعادة لا تقوم الدنيا مقامها، فشهادات الدنيا و وظائفها و مناصبها لا توازي أن تجد امرأة رفيقا تكبر معه و تتوكأ على ساعده، معه ترى الشيب جدائل سوداء، و به يستقيم عجزها و انحناء ظهرها، و يبقى آخر العمرغضا كأول لحظاته، و أولادا ينادونها ماما ترى امتداد عمرها فيهم، فيكون للعمر في ظلهم معان و انجازات قد لا تعلق على الحائط أو يوقع بإجازتها المختصون أو توضع خانة في سيرة ذاتية، و لكن أثرها هو الأدوم و الأبقى و الأحلى بعد ذهاب الألقاب و المناصب و القوة في خريف العمر
قلت لصديقتي: يجب إذن أن نغير تعريف ابن الحلال و بنت الحلال، قالت: و من سيصغي لنا؟ قلت لها: كلمة خير تؤتي أكلها عندما يشاء الله عسى أن تقع على قلب يعقل و سمع يصغي و جسد يتحرك بها.
قالت لي: يريدون جمالا تلفزيونيا يخلب الألباب و يطرح المرء صريعا من أول نظرة!! قلت لها: فعلا أولاد الحلال ملامون هنا و أمهاتهم من قبلهم فالرسول قال إذا نظر إليها سرته و ليس أبهرته أو سلبته لبه، بل إن سيدنا أبا بكر أمر ابنه عبد الرحمن بتطليق زوجته التي شغلته عن أمر دنيه و شغله لجمالها، و بواعث السرور في النفوس ليست كلها حسية تعتمد على النظر، فالمنطق الجميل باعث على السرور، و طيبة القلب باعثة على السرور، و القيام بحق الزوج و البيت معيار للجمال، و الذوق مع أهل الزوج كذلك جمال، و إعانة الرجل خارج المنزل جمال أيضا
و الأمر ينسحب على ابن الحلال، و لقد أخطأ الأقدمون عندما قالوا "الرجل لا يعيبه الا جيبه" فالفقر الحقيقي فقر الدين و الأخلاق، و لو كان المال يغني عن الرجال لما تزوجت بنات الملوك
و لكن معظم أبناء الحلال يعانون من حالة الطفر الاقتصادي، و ليس كل الأهل يستطيعون مساعدة أولادهم في زواجهم، فاذا استطاع الشاب أن يوفر أساسيات الحياة دون بهرجة و بذخ فارغين و كان المستقبل أمامه في العلم و العمل، فالدين مع ذلك كله مال و مهر و استثمار طويل الأمد، و الأخلاق مال و مهر، و الرفق و الرقة و الاحترام مال و مهر و غيرها الكثير و لو حسبناها بالورقة و الأرقام لوجدناها تعادل الألوف و لوجدنا أن ابن الحلال يساوي الكثير و أن من ترضى بابن الحلال مهرها غال و قدرها عال
في ليلة العيد و بعد رسالة صديقتي تمنيت لو أن عندي 30،40 ابنا و أخا من أولاد الحلال لازوجهم من بنات الحلال و أحل مشكلة بسيطة في وسط مشكلة عامة لا ينفك نطاقها يتوسع و مصائبها تزداد، فأين أنتم يا أولاد الحلال حتى لا تبقى بنات الحلال وحيدات في ليالي العيد، و لعل العيد القادم يشهد فرحة كبرى لأبناء و بنات الحلال
أدام الله الفهم لمقاصده عنواننا، و شريعته سلوكنا، و الفرح بقسمته نبراس حياتنا
كل يوم و أنتم من أهل الفرح يا أهل الحلال