للمربي النَّاجح أخلاقٌ وصفات

الرئيسية » بصائر تربوية » للمربي النَّاجح أخلاقٌ وصفات
alt

هناك صفات أساسية، كلَّما اقترب منها المربي كانت له عَوْناً في العملية التربوية، والكمال البشري هو للرُّسل ـ عليهم الصَّلاة والسَّلام ـ ولكن الإنسان يسعى بكل جهده وبقدر المستطاع، يراقب فيها نفسه بنفسه، وذلك للتوصل إلى الأخلاق الطيبة والصفات الحميدة؛ وخاصة أنَّه في مركز القدوة التربوية، فينظر إليه جيل جديد على أنَّه مربّيه وموجهه.

وإليكم أهم الصِّفات التي يسعى إليها المربّي من خلال الأحاديث النبوية الشريفة :

- الحلم والأناة: أخرج مسلم عن ابن عبَّاس ـ رضي الله عنهما ـ قال: "قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأشج عبد القيس:  ((إنَّ فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة)).

وهذه قصة لطيفة، تبيِّن أهمية الحلم والأناة في بناء أخلاق الجيل الجديد: قال عبد الله بن طاهر: كنت عن المأمون يوماً، فنادى بالخادم: يا غلام، فلم يجبه أحد؛ ثمَّ نادى ثانياً وصاح: يا غلام، فدخل غلام تركي، وهو يقول: أمَّا ينبغي للغلام أن يأكل ويشرب؟ كلّما خرجنا من عندك تصيح يا غلام يا غلام! إلى كم يا غلام؟ فنكس المأمون رأسه طويلاً، فما شككت في أن يأمرني بضرب عنقه؛ ثم نظر إلي فقال: يا عبد الله، إنَّ الرجل إذا حسَّن أخلاقه ساءت أخلاق خدمة؛ وأنا لا نستطيع أن نسيء أخلاقنا، لنحسَّن أخلاق خدمنا.

- الرِّفق والبعد عن العنف: أخرج مسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ((إنَّ الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه)).
وعنها أنَّ النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ قال: ((إنَّ الله رفيق يحب الرِّفق في الأمر كله)). متفق عليه.
وأخرج مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: ((من يحرم الرفق يحرم الخير كله)). وروى الإمام أحمد في مسنده عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها:  ((يا عائشة، ارفقي، فإنَّ الله إذا أراد بأهل بيت خيرا دلهم على الرفق)). وفي رواية : ((إذ أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق)).

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كنا نصلّي مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ العشاء، فكان يصلي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، وإذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعاً رفيقاً، فإذا عاد عادا، فلما صلى جعل واحداً هاهنا وواحداً هاهنا، فجئته، فقلت يا رسول الله: ألا أذهب بهما إلى أمهما؟ قال: لا، فبرقت برقة فقال: الحقا بأمكما، فما زالا يمشيان في ضوئها حتى دخلا)). رواه الحاكم في المستدرك،  وقال صحيح : الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي : صحيح.

وإليك أخي القارئ هذه القصة البديعة في موعظتها، لنرى تعامل السلف الصَّالح: روى أنَّ غلاماً لزين العابدين كان يصب له الماء بإبريق مصنوع من خزف، فوقع الإبريق على رجل زين العابدين فانكسر، وجرحت رجله؛ فقال الغلام على الفور: يا سيّدي، يقول الله تعالى {والكاظمين الغيظ}، فقال زين العابدين: لقد كظمت غيظي؛ ويقول {والعافين عن الناس}، فقال: لقد عفوت عنك؛ ويقول: (والله يحب المحسنين). فقال زين العابدين: أنت حرّ لوجه الله.

- القلب الرحيم: عن أبي سليمان مالك بن الحويرث ـ رضي الله عنه ـ قال: أتينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونحن شبَبَهُ متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلية) وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رحيماً رفيقاً، فظن أنا قد اشتقنا أهلنا؛ فسألنا عمن تركنا من أهلنا، فأخبرناه، فقال: أرجعوا إلى أهلكم، فأقيموا فيهم، وعلموهم وبروهم، وَصَلّوا كذا في حين كذا وصلوا كذا في حين كذا؛ فإذا حضرت الصلاة فليؤذن فيكم أحدكم وليؤكم أكبركم. متفق عليه.
الغضب والعصبية  من الصفات السلبية في العملية التربوية؛ بل كذلك من الناحية الاجتماعية، فإذا ملك الإنسان غضبه، وكظم غيظه، كان ذلك فلاحا له ولا ولاده؛ والعكس بالعكس
- أخذ أيسر الأمرين ما لم يكن إثماً: عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:  ((ما خُيّر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه؛ وما انتقم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنفسه من شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله؛ فينتقم لله تعالى)). متفق عليه.

- الليونة والمرونة: وهنا يجدر بنا فهم الليونة بمعناها الواسع، وهي: قدرة فهم الآخرين بشكل متكامل لا بمنظار ضيق؛ وليس معناها الضعف والهوان، وإنما التيسير الذي أباحه الشَّرع.
فعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:  ((ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار؟ تحرم على كل قريب هينّ لينّ سهل)). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.

- الابتعاد عن الغضب: أنّ الغضب والعصبية  من الصفات السلبية في العملية التربوية؛ بل كذلك من الناحية الاجتماعية، فإذا ملك الإنسان غضبه، وكظم غيظه، كان ذلك فلاحا له ولا ولاده؛ والعكس بالعكس. وقد حذر منه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الرجل الذي سأله وصية خاصة له، فكان جوابه في الثلاث المرات: ((لا تغضب))، كذلك اعتبر ـ صلَّى الله عليه وسلّم ـ الشجاعة هي القدرة على عدم الغضب؛ فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:  ((ليس الشديد بالصرعة إنَّما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)). متفق عليه.

- الاعتدال والتوسط: إنَّ التطرّف صفة ذميمة في كلِّ الأمور؛ لهذا نجد أنَّ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلّم ـ يحب الاعتدال في عمود الدين، فما بالك في باقي الأمور الحياتية الأخرى، والتي أهمها العملية التربوية؟

فعن أبي مسعود عقبة بن عمر البدري ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء رجل إلى النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فقال: إنّي لأتأخّر عن صلاة الصبح من أجل فلان ممَّا يطيل بنا، فما رأيت النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ غضب في موعظة قط أشدّ مما غضب يومئذ، فقال:  ((يا أيها النَّاس، إن منكم مُنفرين، فأيكم أمّ الناس فليوجز، فإنَّ من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة)). متفق عليه.

- التخوّل بالموعظة الحسنة:
إنَّ كثرة الكلام في كثير من الأحيان لا تؤتي أكلها؛ في حين نجد أنَّ التخوّل بالموعظة الحسنة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربّها؛ لذلك نصح الإمام أبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ تلاميذه بقوله: (لا تحدث فقهك من لا يشتهيه).

كما أنَّ الصَّحابة أدركوا هذا من فعل النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ، فعن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: كان ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ يذكّرنا في كلّ خميس مرَّة؛ فقال له رجل: يا أبا عبد الرَّحمن، لوددت أنك ذكرتنا كلّ يوم. فقال: أما أنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملّكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ يتخوَّلنا "أي: يتعهدنا" بها مخافة السَّآمة علينا. متفق عليه.


-    المصدر: كتاب (منهج التربية النبوية للطفل المسلم) – لمحمد نور سويد

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …