نزول القرآن الكريم

الرئيسية » بصائر قرآنية » نزول القرآن الكريم
alt

جاءت الإشارة إلى نزول القرآن الكريم في آياتٍ كثيرةٍ، منها قوله تعالى:{إنا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر:1] والقرآن يعبر عن كونه وحياً إلهياً بمادة الوحي، كما في قوله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا} [الشورى/52] أو بمادة النزول كما في قوله تعالى:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر/9] . وغالباً ما يأتي التعبير بالوحي في سياق العلاقة بين النبي والقرآن على وجه العموم، وغالباً ما يأتي التعبير بالنزول في سياق الحديث عن القرآن بوصفه حقيقة موضوعية (أنزله) الذي يعلم السر في السموات والأرض، أو لبيان أطراف التنزيل؛ الموحي به سبحانه، وأمين الوحي النازل بالقرآن، والرسول صلى الله عليه وسلم (1).

معنى نزول القرآن الكريم:
الإنزال في اللغة له معنيان هما: الهبوط من علو، والإيواء إلى المكان والحلول فيه. ولكنَّ نزولَ القرآن لا يمكن حملُه على أحد هذين المعنيين، لأن القرآن ليس أمراً مادياً، ولذلك حمل العلماء هذا اللفظ على المعنى المجازي، فمنهم من قال: المقصود نزولُ جبريلَ عليه السلام ومعه الوحي والقرآن، ومنهم من قال: يُقصد من الإنزال الإعلام والإيصال، فالمعنى على ذلك: إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن، وإيصاله إليه.

تنـزلات القرآن:
ورد في القرآن الكريم آيات عديدة تبين أن القرآن نزل في شهر رمضان، منها قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} [سورة القدر:1]، وقوله تعالى:
{إنا أنزلناه في ليلة مباركة} [سورة الدخان:3]، وقوله: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} [سورة البقرة: 185]. والليلة المباركة هي ليلة القدر وهي إحدى ليالي شهر رمضان.

ولكن العلماء ذكروا في معنى نزول القرآن في ليلة القدر أقوالاً:
فمنهم من قال: "إن القرآن الكريم نزل جملةً واحدة في ليلة القدر، من اللوح المحفوظ إلى مكان في السماء الدنيا، يقال له "بيت العزة" ثم بدأ يتنزلُ على الرسول صلى الله عليه وسلم في سائرِ الشهور والأيام.

والذي حمل العلماء على هذا القول هو أنهم عرفوا أن القرآنَ الكريم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقاً منجماً، فكان بعضه ينْزِلُ في رمضان، وبعضه في رجب، وفي ربيع وفي صفر وفي سائر الشهور، ووجدوا الآية تقول: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} فظنوا أن كلمة "أُنزل فيه القرآن" تعني أُنزل فيه القرآن كاملاً، فأرادوا أن يجمعوا بين الأمرين، فقالوا: نزل في رمضان من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة، ثم بدأ يتنزلُ في بقية الشهور والأيام.

وساعدهم على ذلك ما ورد من روايات عن ابن عباس رضي الله عنه ، تشير إلى ذلك، منها قوله:" فُصِلَ القرآنُ من الذِّكرِ، فوُضِع في بيت العزة من السماء الدنيا، فجعل جبريل عليه السلام ينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم".
وعنه قال:" أنزل الله تعالى القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر، وهي الليلة المباركة، في شهر رمضان إلى السماء الدنيا، ثم نزل به جبريل  مفرقاً على النبي في ثلاث وعشرين سنة، حتى أتمه".(2)

ومن العلماء من قال إن القرآن الكريم ابتدأ نزوله في ليلة القدر المباركة، من شهر رمضان، حيث نزلت أول خمس آيات من سورة العلق {اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم}. ثم استمر نزول القرآن بعد ذلك في بقية الشهور والأيام. وفي هذا يقول عامر الشعبي:" نزل أول القرآن في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك منجماً في أوقات مختلفة"(3).

إن مسألة نزول القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في سماء الدنيا، قضية غيبية تحتاج إلى نقل ثابت من القرآن أو السنة، وقد وردت بعض الروايات عن ابن عباس كما تقدم، ونص السيوطي على صحة أسانيدها، ولا شك أن مثل هذه الروايات إذا ثبتت، عن ابن عباس لن تكون اجتهاداً منه، لأن قول الصحابي في مثل هذه القضايا له حكم المرفوع.

أما القول الثاني فيقوّيه أن كلمة "القرآن" قد تطلق على جميع القرآن، وقد تطلق على بعض آيات القرآن، فقوله تعالى: "إنا أنزلناه في ليلة القدر" يعني ابتدأنا إنزاله، وأنزلنا شيئاً منه في ليلة القدر، وليس بالضرورة أن يكون المعنى: أنزلنا جميع القرآن في ليلة القدر.

وسواء أكان القول المروي عن ابن عباس هو الصواب أم القول المروي عن الشعبي، فليس هناك ثمرة للخلاف، فالنص القرآني واحد، والنبي صلى الله عليه وسلم تلقاه منجماً، على مدى ثلاثة وعشرين عاماً. حيث كان جبريل عليه السلام ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالآيات فيعلمه إياها حتى يحفظها وترسخ في ذاكرته.

ولم يكن لجبريل عليه السلام شيء من الأمر سوى تبليغ آيات القرآن إلى الرسول على الوجه المطلوب، ولم يكن للرسول صلى الله عليه وسلم شيء من الأمر سوى تلقي هذه الآيات وحفظها ثم القيام بتبليغها للناس والعمل بها، فالقرآن كلام الله سبحانه لفظاً ومعنى، وقد جاءت آيات القرآن مؤكدة هذه الحقيقة، قال تعالى  : {وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي} [الأعراف/203]. وقال تعالى:{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله، قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} [يونس/15].

فهذه الآيات مصرحة بأن الرسول صلى الله عليه وسلم  ليس بمقدوره أن يأتي بآية من تلقاء نفسه، أو يقدم أو يؤخر شيئاً، فهو متبع لما يوحى إليه، وليس له أن يتجاوز ذلك.  بل إن هناك آيات تحمل تهديداً مباشراً للرسول صلى الله عليه وسلم لو بدرت منه بادرة تصرف في القرآن، قال تعالى: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين} [الحاقة/44-47]. أما قوله تعالى في وصف القـرآن: {إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون تنزيل من رب العالمين}  فالمقصود بالرسول جبريل عليه السلام ، ونسبة القرآن إليه تعني أنه تلقاه من رب العالمين، ودليل ذلك قوله تعالى بعد تلك الآيات:{تنزيل من رب العالمين}.

----------------------------------------
الهوامش:
(1)  انظر: مدخل إلى تفسير القرآن وعلومه/ د. عدنان زرزور، ص83.
(2)  انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن 2//144و25/107و30/258. والمرشد الوجيز ص17 والإتقان في علوم القرآن 1/116.
(3)  انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن 30/258 والإتقان في علوم القرآن1/118.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ}

ها هو شهر رمضان الفضيل قد انقضت أيامه ورحلت عنّا لياليه المباركات التي كانت مليئة …