في رحابة الإسلام-بقلم:أ.د.محمد المجالي

الرئيسية » حصاد الفكر » في رحابة الإسلام-بقلم:أ.د.محمد المجالي
alt

عرض أبو جعفر المنصور قديماً على الإمام مالك بن أنس أن يكون كتابه (الموطأ)، كتاباً رسمياً بعد القرآن، لفقه دولة الخلافة العباسية، ولكن الإمام مالك -رحمه الله- رفض، وقال إن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد انتشروا في الأرض، ونشروا علمهم في الأمصار، وأخذ كل أهل مِصر من الصحابة علمَهم، فيصعب جمع الناس على مذهب واحد، واقتنع أمير المؤمنين.

وورد عن الخليفة عمر بن عبد العزيز قوله: "لا يعجبني أن أصحاب محمد لم يختلفوا، لأنهم لو لم يختلفوا لكان رأياً واحداً، ولمشقة ذلك على الناس"، بمعنى أن الرحمة للأمة في وجود أكثر من رأي.

أحببت أن أبدأ بهذه القصة وهذا القول، تأكيداً لحقيقة أن الاختلاف سنة أرادها الله في البشر (ولا يزالون مختلفين)، وإنه من الصعب جمع الناس على مبدأ واحد، ومذهب واحد، وفكر واحد. والجهد الأهم والأنجح والأفضل هو تعظيم الجوامع بين المسلمين، والالتقاء على الأصول، وبناء الاحترام، خاصة احترام الرأي الآخر، وإحياء أدب الاختلاف، ونشر روح المحبة والتعاون بين المسلمين أنفسهم، وبينهم وبين غيرهم داخل المجتمع الواحد.

لقد قيل: من السهل الموت في سبيل الله، ولكن من الصعب الحياة في سبيل الله، وقيل في سياسة الرعية: الاستيعاب لا الاستعداء، وذلك أن استيعابهم أوْلى من إكراههم، فإكراه الناس لا شك سيولّد نوعًا من العداوة والحقد وحب الانتقام، وهذا الذي لا نريده على مختلف الأصعدة.

لا بد من الاستقرار الفكري الديني، وألا يكون هناك نزاع أو تنطع أو اتهام بين أتباع التجمعات والجماعات والأحزاب، فلمَ لا تكون النظرة للعاملين في الحقول الإسلامية، على أن جهودهم يكمل بعضها بعضاً؟

وعلى القائمين على التعليم الشرعي والتوجيه الفكري جهد ومسؤولية، بأن يجعلوا الخصم الأول لهم وللإسلام، هو التعصب والانغلاق وتهميش الآخر وإقصاؤه، وسيؤدي هذا لا محالة، إلى حالة من الاحترام والمحبة والأخوة التي نحن مطالبون بها (إنما المؤمنون إخوة).

ومطلوب منا التعاون في شؤوننا (وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، فكيف إذا راجعنا أنفسنا، بأن مهماتنا هي إصلاح لواقع أنفسنا وأمتنا، فالمسؤولية تتضاعف، ونتجاوز حينها خلافاتنا. ونتذكر أن عدونا يريد منا البقاء على الخلاف والتشرذم والبغضاء، لنتلهى عن المهمات العظيمة من جهة، وعما يصنعه عدونا بنا كل يوم، من جهة أخرى .

التحدي الحقيقي، هو في إيجاد روح الحب والتعاون بين أفراد المجتمع الإسلامي، وإنها لحقيقة وجود حركات للسلفيين والإخوان المسلمين والصوفيين والتبليغيين وغيرهم، ووجود المدارس العقدية الأشعرية والسلفية، ووجود المذاهب الفقهية المعروفة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية.

التعددية، علامة صحة ما دامت مقوماتها ووسائلها صحيحة، ويحكم هذه الصحة ما ضمنه لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو يودع أمته: كتاب الله وسنته عليه الصلاة والسلام، وإن صلاح القصد وحده، لا يكفي في قبول العمل عند الله، ولا عند المسلمين، ولا بد من أن يكون هذا العمل مشروعاً، غير مخالف لصريح القرآن والسنة وإجماع الأمة.

إن هذه التجمعات والأفكار موجودة أصلاً، فكيف والعالم يشهد نقلة في الانفتاح بسبب ثورة الاتصال وسرعته وسهولته، فالفضائيات التابعة لكل حركة موجودة، والكتب موجودة، في الجامعات والمساجد، ونحن نريد إحياء فقه الاختلاف، لا القضاء على الاختلاف، ونريد رحابة الإسلام لا ضيق الصدر والتعصب، فالحوار ليس مع غير المسلمين فقط، بل مع المسلمين أنفسهم على اختلاف توجهاتهم

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

قراءة سياسية في عبادة الصيام

عندما نضع الصيام في سياق العبادة في الإسلام نجد أن العبادة وسيلة تحقق غايات عليا …