في إحدى ضواحي القاهرة وبالتحديد في منطقة المقطم بقلب العاصمة المصرية كان العالم على موعد مع مشهد لم يعتاده إلاَّ أنَّه ليس مستغرباً، فمن الطبيعي أن يعود الابن من حين لآخر ليرتمي في أحضان أمّه، بعد أنَّ حال نظام فاسد ومستبد بين التواصل معها، هكذا كان المشهد، فوق هضبة المقطم " أعلى مناطق القاهرة الكبرى " والشمس تتجه للغروب ..
يصطف المئات من سيّدات وأطفال ورجال وشباب جماعة الإخوان المسلمين على جانبي الطريق المؤدّي إلى مقر المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين .. عشرات اللاّفتات والأعلام طبع عليها صورة إسماعيل هنية، وكتب عليها عبارات الترحيب التي من كان من بينها " مرحباً بإسماعيل هنية على أرض الكنانة " .
يقف المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان المسلمين ذو القامة الشامخة، وحوله العديد من قيادات الجماعة أمام مقر المركز العام الذين كان من بينه أمين عام الجماعة الدكتور محمود حسين والمتحدّث الرسمي باسم الجماعة الدكتور محمود غزلان، والدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة، وبعض أعضاء مكتب إرشاد الجماعة ..
يدخل موكب إسماعيل هنية والوفد المرافق له .. يستقبل قادة الجماعة هنية بالترحيب الحار، ويلتفت هنيه حوله لتوزيع الابتسامات وردّ التحية الحارة على من جاء ليكون في شرف استقباله بأفضل منها ملوحا بعلامة النصر .. ثمَّ يدخل مقر الجماعة، فيجد أمامه الدكتور محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين، فيضع قبلة على رأسه.
مرحلة جديدة ..
نظم الإخوان مؤتمراً صحفياً لهنيّة، أشار خلاله المرشد العام إلى أنَّ القضية الفلسطينية باتت على موعد مع مرحلة جديدة بعد انهيار نظام مبارك الذي طالما لعب دوراً كبيراً في حماية المصالح الصهيونية على حساب مصالح الشعب الفلسطيني، مشدّداً على أنَّ القضية الفلسطينية أصبحت في مرحلةً جديدةً سينهار معها الحصار والجدار.
لم يفت المرشد العام أن يعرب عن تثمينه للدَّور الوطني والجهادي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، مشيرًا إلى أنَّها قدمت الكثير في سبيل القضية الأولى للمسلمين .
هنية : حماس امتداد للحركة الأم في مصر
في المقابل لم يفت إسماعيل هنية أيضاً أن يؤكّد على أنَّ حركة المقاومة الإسلامية حماس هي امتداد للحركة الأم في مصر، وأنَّ مؤسسها الشيخ المجاهد الشهيد أحمد ياسين حلقة من حلقات جهاد المؤسس الأول الإمام الشهيد حسن البنا، مؤكّدًا أنّ حماس تربت في مدرسة الإخوان، وتربت على هذا الفكر الأصيل، ولم تخف هذا الانتماء في يوم من الأيام.
وقال: بتوكلٍ على الله، واستنادًا على الشعب قلنا: لن نعترف بالكيان الصهيوني، ولن نتعاطى مع اتفاقياتٍ تغافلت عن حقوقنا، فانتصرت غزَّة على المؤامرة، وشكَّلت مدخلاً ولو بسيطًا لهذا الحِراك العربي الممتد".
وأضاف: ونحن في مقر جماعة الإخوان والمكتب العام، ونرى الهامات من الأئمة، الذين ضحوا وما زالوا.. نقول: أيّها الأعزاء، نحن منكم وأنتم منا، أنتم شريان الحياة، والعمق الإستراتيجي المتعلق بهذا الخزَّان البشري الذي يعي الأبعاد في حسم الصراع، ونحن خط الدفاع الأوَّل عن أمن مصر، وكرامتها في مواجهة احتلال سرطاني".
رسالة للصهاينة ..
معادلة الصراع العربي – الصهيوني قد تغيّرت تماماً، فزمن الاعتماد على الأنظمة العربية المتواطئة في تقييد وترويض شعوبها قد انتهى،
بيد أنَّ هذا المشهد قد حمل في طياته رسالة صريحة ومباشرة للعدو الصهيوني مفادها
أنَّ الزَّمن تغيَّر كثيراً، وأنَّ معادلة الصراع العربي – الصهيوني قد تغيّرت تماماً، فزمن الاعتماد على الأنظمة العربية المتواطئة في تقييد وترويض شعوبها قد انتهى، وزمن الحصار العربي – الصهيوني للشعب الفلسطيني قد انتهى أيضا وهو ذات المعنى الذي أكد عليه هنيّة في كلمته، حيث قال مخاطباً الكيان الصهيوني: الزمن قد تغير، فنحن في زمن الشعوب التي امتلكت زمام المبادرة والقرار ، وتحرّكت في ميادين التحرير من أجل رسم الصورة، وتحديد الأولويات لتؤكّد للعدو أنَّه ليس جارًا، وأنَّه لا مستقبل للاحتلال على أرض فلسطين"، مشدّداً على أنَّ الربيع العربي سيكون شتاءً دامياً على الاحتلال، وأنَّ المخطط الصهيوني شارف على الانتهاء، وأنَّ ثوابت القضية لن تتغيّر بأي حال.
لم يكن الصهاينة بحاجة إلى رسالة هنيّة ليدركوا هذا التغيّر الجديد، فقد فطنوا مبكراً إلى أنَّ المنطقة أصبحت ترسم من جديد على ضوء الصعود الإسلامي في بلدان الربيع العربي وخاصة في مصر، فما إن بدأ الإخوان المسلمون في مصر يحصدون ما زرعوا منذ عقد طويلة بحصدهم أغبية البرلمان واتجاههم للمشاركة أو في تشكيل الحكومة المقبلة بدأت الكيان الصهيوني يكشف عن حالة الرعب التي يعيشها، لأنَّه أدرك منذ الوهلة الأولى أن الحكومة التي ستأتي بإرادة شعبية لن تكون في يوم من الأيام سوى ظهير لحركات المقاومة الفلسطينية ونصير له على أعدائها من الصهاينة، خاصة إذا كانت هذه الحكومة من بينها أبناء جماعة الإخوان المسلمين الرَّاعي الرَّسمي للقضية الفلسطينية في مصر.