مع نبيّ الله عيسى عليه السَّلام

الرئيسية » بصائر التوحيد » مع نبيّ الله عيسى عليه السَّلام
alt

في قصة عيسى عليه السَّلام التي قصّها القرآن الكريم، يتضح جليّا أنَّ القضية الأصيلة التي يركّز عليها كتاب الله عزّ وجل هي قضية التوحيد الخالصة، ونفي فكرة الولد والشريك، حيث استبعدهما استبعاداً كاملاً، وأظهر زيف هذه الشبهة وسخف تصوّرها.

ومن خلال العرض القرآني لهذه القصة من خلال تفسير الخوارق التي صاحبت مولده وسيرته تفسيراً لا تعقيد فيه ولا غموض ممّا يؤدّي إلى راحة القلب والعقل، ويجعل الأمر فيهما طبيعياً عادياً لا غرابة فيه.

ويعجب العقل ذو الفطرة السليمة، وهو يرى وضوح القضية وبساطتها من فعل الهوى ورواسب الوثنية التي عقَّدت قضية عيسى عليه السّلام هذا التعقيد كلّه في أذهان أجيال وأجيال، وهي كما يصوّرها القرآن الكريم بسيطة وواضحة ومكشوفة.

إنَّ الذي وَهَبَ لآدم من غير أبوين حياة إنسانية متميّزة عن حياة سائر الخلائق بنفخة  من روحه، لهو الذي وَهَبَ عيسى من غير أب هذه الحياة الإنسانية كذلك .. وهذا الكلام البسيط الواضح أولى من تلك الأساطير التي لا تنتهي عن ألوهية المسيح، لمجرد أنه من غير أب، وعن ألوهية الأقانيم الثلاثة ! ... تعالى الله عن ذلك عُلواً كبيراً .
لم يبال عيسى عليه السَّلام بجمعهم ولا بكيدهم ومؤامرتهم، وظل صامداً في سبيل الله، ثابتاً على دعوة الصدق التي جاء بها، وسار متنقلاً بين القرى داعياً إلى صراط الله المستقيم.
وفي السَّرد القرآني لقصة عيسى عليه السَّلام جملة من الدروس، نحاول أن نستذكرها ملمحَين من ملامحها، ونرسم منهما معالم للقارئ الكريم لمزيد من التدبّر والتفاعل الإيجابي مع القصص القرآني ..

مكر يهود وثبات عيسى ..

كان أحبار اليهود وكهنتهم يحرّفون ما جاء من شريعة الله من أحكام في التوراة، ومن يراجع آيات القرآن الكريم فيما تقدّم من تاريخ بني إسرائيل يتّضح له أنَّ اليهود قد فسدت عقيدتهم بعد أن قست قلوبهم، ثمَّ زاغوا وظلموا وفسقوا وكفروا، وانغمسوا في الملذات والشهوات ... هذه حال بني إسرائيل عندما بزغ نجم عيسى عليه السَّلام، وبعثه ليخرجهم من الظلمات إلى النور، فلم يترك سبيلاً لهدايتهم إلاَّ سلكه، يحاول أن ينتشلهم من هذه الحالة البائسة والواهية، فقام يدعوهم إلى روح الدين ولُبابه وأصله وحقيقته.

لكنَّ بني إسرائيل استقبلوه شرّ استقبال، وشعر رجال الدين بالخطر يطيح بمصالحهم، فأجمعوا أمرهم على مناوأته أينما حلَّ، وتكذيبه حيثما ذهب.

لم يبال عيسى عليه السَّلام بجمعهم ولا بكيدهم ومؤامرتهم، وظل صامداً في سبيل الله، ثابتاً على دعوة الصدق التي جاء بها، وسار متنقلاً بين القرى داعياً إلى صراط الله المستقيم.

من أنصاري إلى الله ؟

لقد أيَّد المولى سبحانه نبيّه عيسى عليه السَّلام بالمعجزات الباهرة، وآزره بالآيات البيّنات، فصار يخلق من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه فيكون  طيراً بإذن الله، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويحيى الموتى بإذن الله .. فشقّ ذلك على اليهود، ونصبوا له الحرب من كل اتجاه، بالتهم والسب القبيح والنيل من أمّه البتول، إلى التخلص منه.
إنَّ المسلم المؤمن بدين الله عزّ وجل مطلوب منه أن يؤدي شهادة لهذا الدين كل وقت وحين، كشهادة هؤلاء الحواريين ..{ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}.. شهادة تؤيّد حق هذا الدين في البقاء، وتؤيّد الخير الذي يحمله للنّاس.
فلّما أحسّ عيسى عليه السَّلام منهم الكفر بعد أن أراهم المعجزات والآيات، دعا دعوته التي سطّرها القرآن الكريم ..{ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} .(آل عمران :52).
من أنصاري إلى دين الله ودعوته ومنهجه ونظامه ؟ من أنصاري إلى الله لأبلّغ إليه، وأؤدّي عنه ؟

ذلك أنّه لا بدَّ لكلِّ صاحب عقيدة ودعوة من أنصار ينهضون معه، ويحملون دعوته، ويُحامون دونها، ويبلغونها إلى من يليهم، ويقومون بعده عليها ..

فكان الجواب حاضراَ ..{ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}  .(آل عمران :52).

إنَّه توجّه لعقد البيعة مع الله، ذلك أنَّ عهد المؤمن هو ابتداءً مع  ربّه سبحانه .. وهو كذلك تعهّد لله باتّباع الرسول، فليس الأمر مجرد عقيدة في الضمير، ولكنّه اتّباع لمنهج واقتداء بالرّسول ..

إنَّ المسلم المؤمن بدين الله عزّ وجل مطلوب منه أن يؤدي شهادة لهذا الدين كل وقت وحين، كشهادة هؤلاء الحواريين ..{ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}.. شهادة تؤيّد حق هذا الدين في البقاء، وتؤيّد الخير الذي يحمله للنّاس.
هؤلاء الحواريون يدعون الله أن يكتبهم مع الشاهدين لدينه .. أي أن يوفقهم ويعينهم في أن يجعلوا من أنفسهم صورة حيّة لهذا الدين . .

وهو دعاء جدير أن يتأمّله كلُّ مسلم، ويضعه ميزاناً حقيقياً في واقع سلوكه وتفاعله، قال الله تعالى : {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} . (البقرة: 383).

{youtube}YvfqN1XnMTg{/youtube}

مراجع للاستزادة:
- قصص الرّحمن في ظلال القرآن – أحمد فائز الحمصي.
- المستفاد من قصص القرآن – عبد الكريم زيدان.
- قصص النبيّين – أبو الحسن الندوي.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

نِعْمَ العبدُ .. إنَّه أوَّاب

قال الرَّاغب في مفردات ألفاظ القرآن : (الأوبُ ضربٌ من الرُّجوع، وذلك أنَّ الأوب لا …