حصل حزب العدالة والتنمية المغربي على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية السَّابقة لأوانها، والتي جرت يوم الجمعة 25 تشرين الثاني (نوفمبر)، حيث حصد 107 مقاعد برلمانية، متقدِّماً على حزب الاستقلال المشكّل للحكومة الحالية، الذي حصل على 45 مقعداً.
وقد دخل حزب العدالة والتنمية هذه الانتخابات تحت شعار: (صوتنا فرصتنا ضد الفساد والاستبداد)، وضمَّن برنامجه الانتخابي خمسة توجهّات كبرى، هي:
1- مواصلة بناء دولة المؤسسات والديمقراطية ومكافحة الفساد.
2- بناء اقتصاد قويّ وتنافسي ومنتج وضامن للعدالة الاجتماعية.
3- بناء مجتمع متمسك ومتضامن قوامه أسرة قوية، وامرأة مكرَّمة، وشباب رائد، أساسه مدرسة التميّز ومقوّمات الكرامة.
4- إحياء وتجديد القيم المغربية الأصيلة على أساس من المرجعية الإسلامية والهوية المغربية.
5- صيانة السيادة وتعزيز الإشعاع المغربي والرِّيادة الخارجية.
حيث حظي باختيار الشعب المغربي الذي عبَّر عن وعيه السياسي، وأدرك أنَّ كسب رهان الانتقال الديمقراطي الهادئ وتحقيق أهدافه في الحرية والعدالة والتنمية يمرّ عبر التصويت بكثافة واختيار مرشحي حزب العدالة والتنمية.
فمن هو حزب العدالة والتنمية؟ وما هي خلفيته الفكرية؟ وما قصة تأسيسه؟
محطات في تاريخ الحزب ..
ولد حزب العدالة والتنمية - حالياً-، حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية - سابقاً-، من رحم مقاومة المستعمر الفرنسي، عندما هبَّ الشعب المغربي للجهاد بالغالي والنفيس، وكان من هؤلاء المجاهدين في تلك المرحلة الدكتور عبد الكريم الخطيب ومجموعة من إخوانه، الذي فضَّل في البداية أن يدعم المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي، ويسهم فيها دون الانخراط الحزبي مع أيّ جهة كانت.
ويعدُّ الدكتور عبد الكريم الخطيب المؤسس الأوّل للحزب، والأب الرّوحي لأتباعه ومناصريه، وقد صدر البيان الأوّل للحركة الشعبية في أكتوبر(تشرين الأول) 1957م،
ويعدُّ الدكتور عبد الكريم الخطيب المؤسس الأوّل للحزب، والأب الرّوحي لأتباعه ومناصريه، وقد صدر البيان الأوّل للحركة الشعبية في أكتوبر(تشرين الأول) 1957م، الذي رسم الخطوط العريضة المعبّرة عن مناهضة سياسة الحزب الواحد والاستبداد والفساد، واعتقل على إثره الدكتور الخطيب وبعض إخوانه، ونفذت بعض الاغتيالات السياسية.
وفي فبراير (شباط) 1960م، شهد الإعلان الرَّسمي للحركة الشعبية، وشارك في الانتخابات، وكان لها حضور فاعل في العملية السياسية، وشهدت السنوات الخمس من 1960 إلى 1965م حالة مدّ وجزر بين الحركة والقصر والأحزاب السياسية، خصوصاً بعد إعلان الملك حالة الاستثناء بتاريخ 7 يونيو 1965م، الذي قوبل بالرّفض من قبل الد
كتور الخطيب الذي كان رئيساً لمجلس النوّاب وقتئذ، باعتباره انتكاسة حقيقية لمسار الحريَّات العامَّة.
وفي فبراير (شباط) 1967م، حصل انشقاق في صفوف الحزب، بخروج الدكتور الخطيب وأنصاره، بعد محاولات مضنية لتعديل المسار السياسي للحزب والحفاظ على وحدته.
واستطاع الدكتور الخطيب ورفاقه تأسيس إطار سياسي جديد استمدت تسميته من تطلعاتها لحياة سياسية يسودها قيم الحرية والعدل، وفي 16 أكتوبر(تشرين الأول) 1972م تقدَّم الحزب بمذكرة تاريخية عكست رؤيته للخرج من المأزق الخطير الذي يتعرّض له البلد، تلخصت في أربعة شروط:
1- اعتماد الكتاب والسنة في جميع مناحي الحياة.
2- الخروج الفوري من حالة الاستثناء بإجراء انتخابات نزيهة.
3- حكومة مسؤولة ومنبثقة من أغلبية برلمانية.
4- تطهير القضاء وإصلاحه إصلاحاً شاملاً.
وقد قوبلت هذه المذكرة بعدم الاستجابة، وعليه قرّرت الحركة مقاطعة الانتخابات دون الانسحاب من الحياة السياسية.
توجهّت الحركة بعد خيار مقاطعة الانتخابات، عدم قبول الإدارة المغربية طلبها في تأسيس حزبين جديدين هما: حزب الوحدة والتنمية، والتجديد الوطني، اتجهت إلى دعم قضايا الشعوب الإسلامية، فقامت بتأسيس ثلاث جمعيات لمساندة قضايا المسلمين العالمية، وهي: (جمعية مساندة الجهاد الأفغاني، والجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، وجمعية مساندة مسلمي البوسنة والهرسك).
في يونيو 1996م، عقد المؤتمر الاستثنائي للحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية؛ حيث انفتحت هذه الحركة على بعض مكوّنات الحركة الإسلامية في المغرب، ممّا أعطى حيوية جديدة، تكلّلت بتجديد الهياكل وتشبيب قياداته.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 1998م، أقرّ المجلس الوطني للحزب، تغيير اسم الحزب من الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية إلى (حزب العدالة والتنمية).
تعرَّض حزب العدالة والتنمية للكثير من التَّضييقات منذ أحداث 16أيار (مايو) 2003م الإرهابية، وكان مهدّداً بالحلِّ
تعرَّض حزب العدالة والتنمية للكثير من التَّضييقات منذ أحداث 16أيار (مايو) 2003م الإرهابية، وكان مهدّداً بالحلِّ بعدما مرّ بظروف سياسية صعبة، ومارس معارضة متزنة منذ الانتخابات التشريعية لـ 1997م.
مع العدل والإحسان..
باعتبار المرجعية الإسلامية التي تحكم الجماعة والحزب، فإنَّ هناك اتفاقاً في كثير من القضايا، وتبايناً في قضايا أخرى، كالعلاقة مع النظام الحاكم، وتقدير أولويات المرحلة والبرنامج السياسي.
وعلى الرَّغم من الحضور الشعبي والثقل الجماهيري لجماعة العدل والإحسان ذي التوجه الصوفي السَّاعي إلى إقامة دولة على منهج النبوّة، فإنَّها ترفض المشاركة في النظام السّياسي المغربي، وتطعن في صدقيته، إذ تعتبر الجماعة أنَّ المشاركة في العملية السياسية بمعادلاتها وشروطها القائمة لا يغير في واقع البلاد شيئاً، وهي بالتَّالي ترفض التعاطي مع النظام السياسي في مجمله .
بينما يعتبر حزب العدالة والتنمية أنَّ الملك هو الضمانة الأساسية للنظام السياسي، وهو أساس الشرعية فيه، ممّا جعل الحزب يقبل بقواعد اللعبة السياسية في المغرب، ويؤكّد تكيّفه الكامل مع النظام السياسي في البلاد.
المشاركة في الانتخابات :
تمثّل المشاركة في الانتخابات التشريعية الوسيلة المثلى إلى التطبيق العملي للمشروع النهضوي الذي يتبناه حزب العدالة والتنمية،
تمثّل المشاركة في الانتخابات التشريعية الوسيلة المثلى إلى التطبيق العملي للمشروع النهضوي الذي يتبناه حزب العدالة والتنمية، فحين قرَّر المشاركة في العمل السياسي من خلال البرلمان سنة 1997م، وهو مستمر في نجاح تصاعدي مضطرّد ليحصل في انتخابات 2002 على 42 مقعداً نيابياً، وعلى 46 مقعداً نيابياً في سنة 2007، وعلى 107مقاعد في الانتخابات التشريعية الحالية، وفيما يلي عرض لمشاركات حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية :
1997م – 2002م: لم يحصل حزب العدالة والتنمية إلاَّ على 7 مقاعد نيابية فقط، بالرَّغم من التزوير الذي مورس ضدَّه، واعتذر عن المشاركة في الحكومة، وتبنى خيار المعارضة، مؤسّساً بذلك مرحلة جديدة في الحياة السياسية .
2002- 2007م: حصل حزب العدالة والتنمية على 42 مقعداً نيابياً .
2007-2011م: في انتخابات 2007م، فاز حزب العدالة والتنمية بـ 46 مقعداً نيابياً، وقدّم فريقه البرلماني عدَّة مقترحات، كان من أبرزها:
- مقترح قانون يقضي بتعديل وتتميم مجموعة القانون الجنائي(محاربة الرشوة واستغلال النفوذ).
- مقترح قانون يقضي بمنع الإشهار للمشروبات الكحولية.
- مقترح قانون تعديل وتميم 75.00 المتعلّق بتأسيس الجمعيات.
- مقترح قانون يقضي بتغيير وتميم القانون رقم 02.99 المغيّر والمتمّم لمدوّنة الجمارك والضرائب غير المباشرة، يتعلّق بمنع جميع المعاملات التجارية مع الكيان الصهيوني.
فوز وتحدّيات ..
بعد الفوز الكبير الذي حقّقه حزب العدالة والتنمية، وحصوله على 107 مقاعد، ممّا يخوّله اختيار رئيس الحكومة، الأمر الذي يجعله أمام تحدّيات عميقة، بدءاً من التحالفات التي سيقيمها مع مختلف التنظيمات السياسية الفائزة والمشاركة في الانتخابات، مروراً بالتعاطي من التنظيمات التي قرّرت عدم المشاركة في الانتخابات، وعلى رأسها جماعة العدل والإحسان المحظورة، وحركة 20 أبريل الجماهيرية، وانتهاءً بالتعامل مع متطلبات الشعب المغربي وتطلعاته لحياة حرّة وكريمة.