” ولا تركنوا إلى الذين ظلموا..”

الرئيسية » بصائر قرآنية » ” ولا تركنوا إلى الذين ظلموا..”
alt

قال الله عز وجل: " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون" [ هود:113]

الخطاب في هذه الآية من الله للمسلمين ينهاهم فيه عن الركون إلى الذين ظلموا، ويخبرهم أن من فعل ذلك منهم فسوف تمسه النار، لأنه خالف هذا النهي الرباني، وارتكب ما حرم الله عنه.

" لا ": ناهية. والأصل في النهي هو التحريم، ومن ارتكب ما نُهي عنه يكون قد وقع في الحرام.. ولذلك نقول: الركون إلى الظالمين حرام، ومن ركن إليهم فهو آثم، وبذلك يعرض نفسه للعذاب بالنار.
حكمة التعبير بالفعل هُنا الإشارة إلى أن الظلم حدث متجدد مستمر متواصل، لا يتوقف عنه هؤلاء الظالمون، ففي كل يوم _بل في كل ساعة_ يقع منهم ظُلم
وقد عبرت الآية عن الظالمين بالصيغة الفعلية؛ فقالت: "إلى الذين ظلموا"  ولم يقل: "إلى الظالمين". ومعلوم أن الفعل يدل على التجدد والاستمرار، بينما يدل الاسم على الثبات والاستقرار. وحكمة التعبير بالفعل هُنا الإشارة إلى أن الظلم حدث متجدد مستمر متواصل، لا يتوقف عنه هؤلاء الظالمون، ففي كل يوم _بل في كل ساعة_ يقع منهم ظُلم.. وإلا كان الظالمون حُكاماً ومسؤولين، يحكمون شعباً تعداده ملايين، فكم سيقع منهم ظلم لهذا الشعب المظلوم المبتلى بهم في ساعة واحدة، وكم سيصدرون في الساعة أحكاماً ظالمة، وكم سيوقعون في الساعة على كُتب وقرارات فيها ظلم لأفراد هذا الشعب!!

ما هو الركون الذي ينهانا الله عنه وحرمه علينا؟

إنه الميل. فأساس معنى "ركن" هو: مال واستند واعتمد. ولا بد في الركون من طرفين.

الطرف الأول: قوي، أو يُظن أنه قوي، وهو الركن، وركن الشيء جانبه القوي الذي لا يُستغنى عنه، كأركان الإيمان والإسلام والصلاة وغيرها. وركن البيت عموده وعماده، الذي يقوم عليه.

وركن الدولة أو النظام هو جهازه التنفيذي القوين المتمثل بالحاكم ورجاله ووزراءه، وهم أقوى أجهزة ومؤسسات الدولة، لأن بيدهم القرارات المُختلفة، وإذا كان الحاكم ووزراؤه ظالمين وقعت الطامة الكبرى في البلد.

الطرف الثاني: ضعيف: وهو المتمثل بأفراد الشعب المظلوم، والموظفين المسحوقين، في مُختلف أجهزة ومؤسسات الدولة، والذين لا يملكون شيئاً.

هؤلاء المقهورون يظنون أن كل مظاهر القوة موجودة عند أركان النظام، من عمل ورزق وعطاء وخير، فيعتقدون أن حياتهم مرتبطة بأيدي كبار المسؤولين، فيميلون إليهم ميل الضعيف إلى القوي، وميل الذليل المسكين المسحوق إلى ولي أمره ومالك نعمته!!
حرم الله على أي فرد من المسلمين الركون إلى الظالمين، وبهذا المعنى الذي ذكرناه للركون، وهذا التحريم يشمل كل فرد من المسلمين، مهما كان موقعه، ولكنه ينطبق أول ما ينطبق على كبار الموظفين في مؤسسات النظام، وجنود النظام، ورجال الأمن والتوجيه والقضاء عليه.
ويكون ميلهم استناداً إلى الظالمين، واعتماداً عليهم، واتباعاً لهم، وتنفيذاً لأوامرهم الظالمة، بدون وعي أو تفكير أو إرادة أو شخصية حقيقية.

وهؤلاء المسحوقون مسلوبوا الإرادة والشخصية واهمون، عندما ظنوا أن المسؤولين الظالمين أقوياء، بيدهم الأمر كله، لأنهم خائفون مرعوبون منهم، ولو وافقوا أمام الظالمين وواجهوهُمْ لعرفوا أنهم في الحقيقة ضُعفاء، لا يملكون من الأمر شيئاً!! ولكنها الهزيمة الروحية والنفسية، وفراغ القلب من تعظيم الله!!

حرم الله على أي فرد من المسلمين الركون إلى الظالمين، وبهذا المعنى الذي ذكرناه للركون، وهذا التحريم يشمل كل فرد من المسلمين، مهما كان موقعه، ولكنه ينطبق أول ما ينطبق على كبار الموظفين في مؤسسات النظام، وجنود النظام، ورجال الأمن والتوجيه والقضاء عليه.

وإذا كان الركون إلى الظالمين ومتابعتهم حراماً، فإن الحل الإسلامي هو الوقوف أمامهم، وعدم طاعة أوامرهم الظالمة، وإنكار ظلمهم عليهم، ومناصحتهم ووعظهم، والدفاع عن المظلومين، والانحياز لهم، والسعي بحاجاتهم وقضاياهم أمام الظالمين، فإن لم يتوقف الظالمون عن ظلمهم عمل الواعون المبصرون على تغييرهم، والإتيان بمسؤولين غير ظالمينّ!

والذين يركنون إلى المسؤولين الظالمين، وينفذون أوامرهم في الظلم والعدوان على المساكين المظلومين شركاء في ظلمهم، ويعذبون مثلهم في الآخرة، ولا عذر ولا مبرر لهم "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار.."

ومن طرائف ما روي في هذا المقام: أعد أحد الأنظمة العربية الظالمة مهرجاناً خطابياً، حضره رأس النظام، ودعي أحد الشيوخ ليقرأ آيات من القرآن في المهرجان، ولما كان واقفاً يتأهب للقراءة انطلقت شرارة من النار، وأصابت القارئ في عينيه وآلمته، فقرأ هذه الآية: "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار.." وقال في نفسه: هذه شرارة من نار الدنيا فكيف بنار الآخرة.

ومن روائع ما يُروى في هذا المقام أنه كان رجل في بداد، زمن الإمام أحمد بن حنبل، وكان خياطاً يخيط ملابس الخليفة العباسي _ يُعتبر الخليفة من أولياء الله إذا قورن بالحكام الذين ابتلي بهم العالم الإسلامي في هذا الزمان _ فأتى الخياط إلى ابن حنبل وقال له:

أنا خياط أخيط الملابس للخليفة فهل أنا بهذا من مَن يركن إلى الظالمين؟

فأجابه الإمام أحمد قائلا: لا أنت لست مِن مَن يركن إلى الظالمين، بل أنت مُشارك لهم في ظلمهم، وأنت ظالم مثلهم! لكن الذي يبيعك الإبرة والخيط هو الذي يركن إلى الظالمين!!

نسوق هذا الكلام إلى الموظفين الذين يُنفذون أوامر الظالمين بالظلم والعدوان، كما نسوق هذا إلى "البلطجية" الذين يكونون  "أدوات" بأيدي الظالمين للعدوان على عباد الله الصالحين!!

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ}

ها هو شهر رمضان الفضيل قد انقضت أيامه ورحلت عنّا لياليه المباركات التي كانت مليئة …