عودة إلى “القراءة”

الرئيسية » بصائر تربوية » عودة إلى “القراءة”
alt

القراءة هي النواة الأولى لتشكيل هوية الأمة وبناء قادة المستقبل، وهو المعنى الذي أدركه الغرب رغم كل مظاهر انغماسه في حياته المادية ،  فيما عزف أبناء أمَّة {اقرأ} عن القراءة ، وانشغل الآباء والمربون عن نقش هذه القيمة الجوهرية في صدور صغارنا حتّى يشبوا على حب القراءة والمعرفة  .

 

يقول  الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان منَّا       على ما كان عوَّده أبوه
وما دان الفتى بحجى ولكن    يعوده التدين أقربوه

وإن كان يعوده التدين أقربوه، فالقراءة  أول مهارة أمر الله بها أمته حين نزلت {اقرأ باسم ربك الذي خلق}.

وفي السطور التالية نرصد سويّاً  محطات عملية، تعطيك أيتها المربية أفكاراً  لتساعدين بها أبناءك حتى يشبوا على حب القراءة :

اسألي نفسك هل أنا أقرأ؟ هل يستهويني الكتاب؟ هل القراءة في جدول التخطيط اليومي؟
إن كانت إجابتك نعم!! رجاء أكملي القراءة !وإن لم تكن بالإيجاب، فإن التالي من الخطوات لن ينفع ابنك، بل لعله ينفعك!

1. إنَّ البنية التحتية للقراءة هي وجود مكتبة مخصصة للقصص والكتب، تكون بداية من رف أو رفين في حجرته حتى يبدأ ما يستهويه من الكتب، يقول عبد الله علوان : " وهذا لا يتأتى إلاَّ أن تهيّئ لمن له حق التربية عليك مكتبة منزلية تجمع بين طياتها متنوعات من الكتب الشرعية والفكرية والتاريخية والأدبية والقصصية والدَّعوية".

2. بيني له أهمية القراءة والتعلم من خلال قصة السَّابقين من العلماء والمثقفين ومدى صبرهم ومثابرتهم على طلب العلم.
فما صار أبو الحسن الندوي عالماً إلاَّ بقصص جدته قبل النوم محدثة له سير السَّابقين من عظماء الأمَّة، وأخبري ابنك بأنَّ القراءة هي التي تصنع الحضارات، يقول الأستاذ زكريا أحمد عيد .. موجه اللغة الإنجليزية في منطقة رأس الخيمة.. حينما زار لندن في صيف 1997م : إنَّ جميع الناس متلبسون بالقراءة، ففي أول يوم وصلت فيه مطار هيثرو بلندن، وبعد دقائق من خروجي من المطار ركبت قطار الأنفاق ، المتجه إلى وسط المدينة حيث فندق بارك الذي حجزت غرفة فيه، ولكنني لم أكد أجلس في إحدى عربات القطار حتى أصابني الذهول ممَّا رأيت، جميع الركاب وبدون استثناء كانوا في حالة قراءة، ولم تكن المادة التي يقرؤونها صحفاً أو مجلات بل كتباً، وحتى الذين لم يجدوا مكاناً يجلسون فيه كانوا يستندون إلى أحد أركان العربة، أو أحد أعمدة المقاعد ويقرؤون، وكنت أنا الوحيد الذي لا يقرأ.
وأمَّا المشهد الثاني الذي كاد يفقدني صوابي، فقد رأت عيناي محطة للحافلات وعليها مجموعة من البشر من مختلف الجنسيات والأعمار بعضهم واقف وبعضهم جالس على الأرض، ولكنَّهم جميعاً يقرؤون ورغم أنَّ ما يفصل بين الحافلة والأخرى لا يزيد عن سبع دقائق إلاَّ أنَّهم جميعاً وجدوا أنَّ هذا الوقت القصير يمكن استثماره في قراءة بضع صفحات.
ويضيف  زكريا ... ولكن المشهد الثالث الذي أفقدني صوابي فعلاً كان يخبئه لي القدر في اليوم التالي، كنت قد قرَّرت أن أزور مسرح الجلوب؛ وهو مسرح أنشئ حديثاً وافتتحته الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا في يونيو الماضي ليكون صورة طبق الأصل من مسرح شكسبير في القرن السابع عشر، ولكني عندما وصلت المكان حسب وصف الخريطة وجدت المسرح على الضفة الأخرى من نهر التيمز، فمشيت في محاذاة النهر لأعبر أحد الجسور البعيدة لأصل إلى هناك ، وقبل أن أصل الجسر رأيت شاباً يمشي مسرعاً وهو يمسك بكتاب يقرأ فيه، كان المنظر فوق احتمالي فاستوقفته وأشعرته أنّي تائه وسألته عن موقع مسرح شكسبير، فدلني على الجسر القريب، وقال : اعبر هذا الجسر وستجد المسرح في الناحية الأخرى.
شجعتني لهجته الودودة، فقلت له: إذا سمحت لي... هذه أوَّل مرَّة أرى إنساناً، وهو يهرول في الشارع... لماذا لا تقرأ وأنت جالس،ابتسم، وقال: إنَّه في طريقه إلى عمله القريب من الجسر الآخر، وأضاف ليس عندي وقت كاف للقراءة، ولذا أستغل أي وقت يتوافر لي لأقرأ حتى لو كان أثناء المشي في الطريق، والطريق كما ترى هادئة لا خطر فيها. "أن يكون الصبي في مكتبه مع صبية حسنة آدابهم، مرضية عاداتهم، لأنَّ الصبي ألقن وهو عنه آخذ، وبه آنس".

3. اجعلي القصة مكافأة له إذا أنجز شيئاً، كما تكافئينه بالحلوى والألعاب.

4. حدِّدي وقتاً للقراءة يلتزم الولد فيه كما يلتزم بموعد الطعام والنوم والدراسة، واصبري صبراً جميلاً ، فإنَّ اكتساب أيَّ مهارة يحتاج إلى الحلم، إن الوصول إلى درجة الإتقان يحتاج إلى التجريب والممارسة، لذا ينبغي تخصيص وقت لتدريب الأولاد على المهام وتشجيعهم والصَّبر عليها حتى إذا أدى ذلك إلى تأخيرها وحدوث بعض الخسائر.

5. اصطحبي ابنك  مع أحد أصدقائه مرَّة إلى المكتبة العامة، واجلسي معه ما بين ساعة إلى ساعتين ، ساعديه فيها على اختيار الكتب والقصص المناسبة لعمره،  ثمَّ كيفية إعادتها، وبيني آداب الجلوس في المكتبات العامة. يقول ابن سينا :"أن يكون الصبي في مكتبه مع صبية حسنة آدابهم، مرضية عاداتهم، لأنَّ الصبي ألقن وهو عنه آخذ، وبه آنس".

6. اصطحبيه إلى معرض الكتاب وإلى المكتبات، اجعليه يتخذ قراره باختيار كتبه المفضلة المناسبة لعمره، وقدرته على القراءة، وتأكدي من محتواها وأفكارها التي تناسب معتقداتنا الإسلامية " على المربّي أن يختار للولد من هذه الكتب والمجلات والقصص ما يتناسب مع قصصه وثقافته حتى تكون الفائدة أنفع والثمرة التي يجنيها أجد وأحسن.

7. تدرجي مع ابنك في تحبيبه للقراءة،ابدئي بقسم الكتب والقصص التي تحوي صفحاتها على سطرين ثمَّ خمس أسطر، ثمَّ سبعة وهكذا.

8. نوعي القراءة باختيار كتب تختلف في مضمونها عن الأخرى، فساعة للسيرة والتاريخ وأخرى للقصص والحكايات وكتب في العلوم والذكاء وصفحات عن الدِّين والعقيدة بصورة مبسطة جميلة.
كانت إحدى الأعربيات تقول في تربيتها لابنها:" إذا أتمَّ خمساً أسلمته إلى المؤدّب فحفظ القرآن فتلاه، وعلمه الشعر فرواه، ورغب في مفاخر قومه، ولقن مآثر أبائه وأجداده ، فلمَّا بلغ الحلم حملته على أعناق الخيل فتمرس وتفرس ولبس السلاح ومشى بين الحيي...."

9. اختاري لوقت القراءة اسماً مثيراً لطفلك مثال " ساعة الاستمتاع"، " وقت المعلومات".

10. اقترحي عليه أن تكون هداياه لأصدقائه  كتاباً وقصصاً .

11. اشتري له مجلة أسبوعية أو شهرية، في البداية سينظر إلى الصفحات والصور، ولكن تأكدي بعد ذلك سيصحبه فضوله لمعرفة الحكايات.

ولا شكَّ أنَّ المربين حينما ينهجون بأولادهم هذا النهج، فإنهم سيثقفون بالثقافة الإسلامية الكاملة، ويدرجون على الوعي الناضج الصَّحيح ، يقول الراشد في كتابه صناعة الحياة:" سألت بعض الدُّعاة من طلاب البعوث في أمريكا عن صنيع الطلاب اليابانيين الذين معهم، فقالوا: ربما يلبثوا في مكتبة الجامعة إلى نصف الليل، وربما نام أحدهم على كرسيه ويواصل الدراسة في اليوم الثاني من غير الذهاب إلى البيت".
هذه بعض الأفكار والمقترحات التي أنصح مربيات الأجيال اتِّباعها، لعلَّ أمَّة اقرأ تعود إلى القراءة يوماً!

 

 مراجع للاستزادة:
 تربية الأولاد في الإسلام– عبد الله ناصح علوان
طريقة لتصنع من ابنك رجلاً فذّاً – أكرم مصباح عثمان

 

 

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …