في خضم هذه الدُّنيا، وفي زحمة متطلباتها وزخارفها، يسعى النَّاس على مختلف بيئاتهم وطبقاتهم وشرائحهم إلى تحقيق شيء يرونه ضرورياً في مسيرة حياتهم وبعث روح الحيوية فيها، وتجنّب كلّ ما من شأنه يعكّر صفوها وعنفوانها.
إنَّها السَّعادة التي يسعى إليها الغنيُّ في قصره، والفقير في كوخه، ويرنو إليها الماديُّ الغارق في أوحال الماديات، والرّوحانيُّ المتعلّق بالعبادة والاتصال بالخالق سبحانه، ويعمل لأجلها العالم والجاهل، والصغير والكبير ...
يختلف النَّاس في تعريفهم لها وفي طريقة الوصول إليها، لكنّ جميعهم متفقون على ضرورة وجودها في حياتهم، فالإمام أبو حامد الغزالي يذكر في (الإحياء) أصنافهم، فمنهم من ظنَّ أنَّ السَّعادة في كثرة المال والاستغناء بكثرة الكنوز، فأسهر ليله وأتعب نهاره في الجمع، ومنهم من ظنَّ أنَّ السعادة في حسن الاسم وانطلاق الألسنة بالثناء والمدح بالتجمّل والمروءة، فهذا يتعب في كسب المعاش ويضيّق على نفسه في المطعم والمشرب، ويصرف جميع ماله إلى الملابس الحسنة وغيرها ..
مهما اختلفت طرائق النَّاس في الوصول إلى السَّعادة، فإنَّ لها طريقاً واحداً موثوقاً، فالإمام الرّاغب يعرّف السَّعادة بقوله: (معاونة الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخير).
ومنهم من ظنَّ أنَّ السَّعادة في الجاه والكرامة بين النَّاس، وانقياد الخلق بالتواضع والتوقير، فصرف همَّه إلى استجرار النَّاس إلى الطَّاعة لطلب الولايات والمناصب وغيرها ..
ومنهم من ظنَّ أنَّ السَّعادة في إرضاء النفس والنَّاس معاً، مهما كانت السبل والطرق في الوصول إليها؛ مشروعة كانت أم غير ذلك ..
ويختم الغزالي حديثه بعد ذكره لأصناف النَّاس وطرائقهم في كسب السَّعادة كما يزعمون ويظنون، بقوله: (فهؤلاء طوائف يطول حصرها تزيد على نيّف وسبعين فرقة كلهم قد ضلوا وأضلوا عن سواء السبيل).
مهما اختلفت طرائق النَّاس في الوصول إلى السَّعادة، فإنَّ لها طريقاً واحداً موثوقاً، فالإمام الرّاغب يعرّف السَّعادة بقوله: (معاونة الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخير).
فهي إذن توفيق إلهي يوهب للعباد في هذه الحياة الدنيا، فالسَّعادة إنَّما هي في اتّباع المشروع، لا في اتّباع ما تملى النفس وما تهوى، وصدق الله إذ يقول: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}. (طه:123). { فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}. (البقرة: 38).
ولله درّ القائل:
واعلم بأنَّ الفضل في إيحائه لا في الذي يوحي إليه هواكا
والسَّعادة لا تنال إلاَّ بالسَّعي والطلب والجد، ومن الأسباب الموصلة إليها:
فهي إذن توفيق إلهي يوهب للعباد في هذه الحياة الدنيا، فالسَّعادة إنَّما هي في اتّباع المشروع، لا في اتّباع ما تملى النفس وما تهوى، وصدق الله إذ يقول: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}. (طه:123)
العنايةُ بالقرآن الكريم، كلام الله عزّ وجل الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه، المشتمل على الهداية والشفاء والكفاية والعافية، والعبدُ كلَّما كان عظيمَ العناية بالقرآن تلاوةً وحفظاً ومذاكرةً وتدبُّراً، وعملاً وتطبيقاً نال من السعادة والطمأنينة وراحةِ الصَّدر وزوال الهمِّ والغَمِّ والحزن بحسب ذلك.
وذكر الله سبحانه على الدَّوام، فالذّكر هو طريق السَّعادة، لأنَّ دوام الذكر يعني دوام الصِّلة بالله، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}. (الرعد:28).
وبما أنَّ أعظم السَّعادات في الجنّة بدليل قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا}.(هود: 108)، وقال: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} (هود:105)، فإنَّ أهل الجنّة لا يتحسرون على شيء إلاَّ على ساعة مرَّت عليهم في الدنيا لم يذكروا الله عزّ وجل فيها.
فطريق نيل السَّعادة واضح المعالم لكلِّ ذي فهم وبصيرة، بيدَ أنَّ موانع حصول السَّعادة كثيرة ومتنوعة، ويلمح الشاعر الحُطيئة في البيت الذي يحفظه النَّاس إلى منابع السَّعادة وضدّها الشَّقاوة:
وَلَسْت أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ وَلَكِنَّ التَّقِيَّ هُوَ السَّعِيدُ
ويستطيع أحدُنا بعد الآن أن يسأل نفسه، وأن يجيب .. هل أنا سعيد ؟