منذ ثمانين عاماً ويزيد خطب حسن البنا رحمه الله فقال: "لا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين، وحقائق اليوم أحلام الأمس وأحلام اليوم حقائق الغد، ولا يزال في الوقت متسع، ولا تزال عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم رغم طغيان مظاهر الفساد، والضعيف لا يظل ضعيفاً طوال حياته، والقوي لا تدوم قوته أبد الآبدين".
أراد الإمام وقتها وهو يرى الابتلاء قادماً لا محالة والامتحان للجماعة قاب قوسين أو أدنى أن يرفع المعنويات ويشحذ الهمم ويعلق العيون لترنو دائماً نحو يوم النصر كما فعل قدوته صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب والمسلمون لا يأمن الواحد منهم أن يذهب لقضاء حاجته، فنادى فيهم ليبدد ظلمة العتمة ويعلن البشرى الأجمل والمستقبل الأفضل ويقول: "أعطيت مفاتيح الروم أُعطيت مفاتيح فارس" وتمضي سنوات وسنوات حتى عهد خلافة عمر بن الخطاب والصحابي سراقة بن مالك، الذي كان عدو الأمس، فلما دخل الإيمان في قلبه وعده الرسول بسواري كسرى، ينتظر إلى أن فتحت المدائن وجاء ورثة الوعد النبوي ليلبسوا سراقة سواري كسرى.
ثمانون عاما ويزيد وانتشار في 72 دولة إسلامية وغير إسلامية على امتداد ست قارات ووصول إلى الحكم في بعض الأقطار التي سامتها سوء العذاب منذ نشأتها، ومن ثم اغتيال مؤسسها الذي لم تعرف بعده الجماعة في أرضها ولا في أراضي انتشارها طعما للراحة أو الأمن أو العدالة!.
ثمانون عاما ويزيد وانتشار في 72 دولة إسلامية وغير إسلامية على امتداد ست قارات ووصول إلى الحكم في بعض الأقطار التي سامتها سوء العذاب منذ نشأتها
ثمانون عاما ويزيد جربت خلالها الأنظمة العربية ما يفوق حد التصور أو الخيال أو الفطرة الإنسانية من أساليب التعذيب والتنكيل والإسقاط التي وُثقت بأيدي من نجا من الضحايا، أو تاب من الجلادين واستمرت الدعوة كلمة طيبة من شجرة طيبة وعاشت بعد كل من ناصبوها العداء، لم تمت الفكرة وتجدد الأتباع ورحل أكاسرة وقياصرة العرب وفراعنتهم وبقي ذكر الشهداء عالياً، ومدّ الله في عمر بعض المجاهدين ليقطفوا شيئا من ثمار التمكين، فآية الله ماضية في كل زمن بصيغة المضارع المستمر "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين".
ثمانون عاما ويزيد من تشويه السمعة واغتيال الشخصيات بكل الوسائل الداخلية مع الاستعانة والاستقواء بالخارج، غير أنها لم تجد شيئا فلقد كان لسان حال الإخوان أمام شعوبهم أقوى من لسان مقال المضللين، فأصحاب الدعوة إما تحت الثرى أو في الزنازين أو منفون في أصقاع الأرض أو مطاردون في أراضيهم، لم يخلفوا مليارات ولا شركات ولا أبراجا في بضع سنين!.
ثمانون عاما ويزيد وأجيال من أبناء المسلمين تدين بالكثير لهذه الجماعة دون الانتساب لها أو حتى التعرف إليها، إلا أن غرس الجماعة نال خيره الجميع من خلاص من محتل، ونشر دين بفقه ووعي، وإحياء سنة وإماتة بدعة ونشر فضيلة بعد اكتساح موجات التغريب، وخدمة مجتمع وأمة.
ثمانون عاما ويزيد وعودة عزيزة إلى مكان الولادة والنشأة حيث نُكل بها وضُيّق عليها وحوربت بكل الوسائل في مصر الكنانة التي أوصى بها رسول الله وبأهلها خيرا في استشراف لمستقبلها ودورها في صياغة واقع الأمة مهما اختلفت العصور.
أراد الإمام وقتها وهو يرى الابتلاء قادماً لا محالة والامتحان للجماعة قاب قوسين أو أدنى أن يرفع المعنويات ويشحذ الهمم ويعلق العيون لترنو دائماً نحو يوم النصر
في مصر بدأت دعوة الإخوان وفيها تعود منصورة باختيار الشعب وإرادته الحرة.
ثمانون عاما ويزيد غير أن التحدي كذلك يزيد بازدياد التكليف والثقة، فالسلطة والرخاء ابتلاء تماما بنفس قدر الضراء والملاحقة، وهي تحتاج إلى صبر ومصابرة وتضحية وعمل حتى يعلم العالم أجمع أن الإسلام دين ودولة، سيف وقلم، قرآن وقانون، عبادة ومعاملة وسعادة في الدنيا والآخرة.
لقد كانت مصر دائما بوابة من بوابات الفتح المقدسي، ولم يغير في عزم عمر بن الخطاب ولا صلاح الدين مرور مئات السنين على احتلالها ومقارنة بما مضى من عداد السنين فما زلنا في الثمانين في مرحلة الإعداد، والتاريخ علمنا أنه يعيد نفسه، ولكن إذا أراد أهل الحاضر ذلك ووجد الجنود المخلصون لاستعادة المجد الماضي.
المصدر: صحيفة فلسطين (غزة)