قال عز وجل : (( والذين يمسكون بالكتاب , وأقاموا الصلاة , إنا لا نضيع أجر المصلحين ...)) "الأعراف :170"
كانت وقفتنا في حلقة سابقة مع الاستمساك بالقرآن، وعشنا فيها مع قوله تعالى : ((فاستمسك بالذي أوحي إليك انك على صراط مستقيم، وانه لذكر لك ولقومك ولسوف تسألون )) "الزخرف : 43-44"
وقفتنا اليوم مع موضوع قرآني قريب من ذلك الموضوع , وقفتنا مع (( تمسيك)) القرآن ! وتمسيك القرآن خطوة مهمة بعد "الاستمساك" بالقرآن , فتعالوا معنا أحبابنا نتعرف اليوم على "تمسيك القرآن"، لنقوم به كما يريد الله.
الآية التي أمامنا من سورة الأعراف، في سياق الحديث عن بني إسرائيل، وعرض مشاهد سوداء مظلمة من تاريخهم، القائم على المخالفة والجريمة والمعصية، لكن السياق ينصف الصالحين منهم –وهم قلائل- ويعرض لهم لقطات مشرقة وسط ليل قومهم المظلم، على طريقة القرآن المنصفة في الثناء على المحسنين أثناء ذم المسيئين .
الآية التي أمامنا تثني على الصالحين المصلحين القلائل من بني إسرائيل، الذين نقضوا عهدهم مع الله. قال تعالى ((فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون مرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا، وان يأتهم عرض مثله يأخذوه، ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون، والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع اجر المصلحين ...)) "الأعراف: 169-170"
بنو إسرائيل فريقان :
أغلبيتهم ومعظمهم مخالفون، تحدثت عنهم الآية الأولى، فأخبرت عنهم بأنهم ورثوا كتابهم –التوراة- ميراثا، لم يفهموه ولم يشعروا بقيمته، ولم ينفذوا ما فيه، وأنهم نقضوا عهدهم وميثاقهم مع الله، وكانوا يرتكبون المعصية عامدين، ويقولون سيغفر لنا.. وألفت أنظار القرّاء الأعزاء إلى أن هذه المخالفات من هذا الفريق الإسرائيلي تصدر الآن عن كثير من مسلمي هذا الزمان.
أما الفريق الثاني من بني إسرائيل فهم أفراد قلائل كانوا مؤمنين عابدين، وكانوا صالحين مصلحين، وهم الذين أخبرت عنهم الآية بأنهم كانوا يمسكون قومهم بكتابهم –التوراة- وكانوا عابدين يقيمون الصلاة، وكانوا مصلحين، وقد تكفل الله بإعطائهم الأجر والثواب المضاعف.
"يُمَسِّكون" : فعل مضارع مرفوع وعندما تسنده إلى مفرد تقول : هو يُمسِّكُ ... والفعل الماضي منك : "مَسَّكَ" وهو يتعدى إلى المفعول به، تقول : مَسَّك المنقذ الفريق بالجبل.
أي: دعاه إلى إن يمسك به لينجو. ومفعول "يمسكون" محذوف والتقدير: يمسكون قومهم بالكتاب –التوراة- ويدونهم إلى التمسك به، وحسن فهمه وتطبيق ما فيه."
وقد اتفقنا معكم أيها القراء الأعزاء على عدم تخصيص الآيات ممن تكلمت عنهم وإنما تعميمها لتشمل كل المخاطبين بها في كل زمان ومكان !!
إنما هو نصيبنا نحن وإياكم من هذه الآية يا أهل القرآن ؟ .. اننا داخلون ضمن دلالتها، ويجب علينا أن نطبقها علينا، حتى ننال الثناء من الله على من طبقوها والتزموا بها.
ذوي همم وعزائم وأهداف وآمال مرتبطة بالقرآن - كما قلنا في حلقة سابقة – وأحسنوا الاستمساك بالقران وتوثيق الصلة به. والدور ان معه، عليهم أن يخطوا الخطوة على " تمسيك" الآخرين بالقرآن.
إن التمسيك بالقرآن يا احبابنا الكرام يقوم على الدعوة الى القرآن، والحركة بالقرآن، والانتشار بين الناس بالقرآن، والانطلاق معهم من القرآن ..
إن التمسيك بالقرآن يتطلب منكم يا أهل القرآن أن لا تكونوا سلبيين، ولا انعزاليين، ولا يائسين محبطين، ولا أنانيين "شخصانيين" ولا دنيويين .. إن التمسيك بالقرآن يوجب عليكم الحركة والنشاط والدعوة والتبليغ، يوجب عليكم الانتشار بين الناس، دعاة مصلحين، وناصحين موجهين، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، ترشدون إخوانكم وتعلمونهم، وتربونهم وتزكونهم، وتُمَسِّكونهم بالقرآن. أي : تدعونهم إلى الإمساك بالقرآن لينجوا ويفوزوا بعدها ..
وبما أن المفعول به لفعل "يمسكون بالكتاب " محذوف، فإن هذا يدل على العموم والشمول في الذين تدعونهم إلى حسن التمسك بالقرآن، وهم يمثلون قطاعاً كبيراً واسعاً في الأمة، من الرجال والنساء و والشبان والشابات، تتصلون بهم في مراكز تحفيظ القرآن، وفي النوادي والجمعيات أو الصحف أو المجلات أو المؤسسات، وفي الزيارات والجلسات وما فيها من نقاشات وحوارات حتى في "الدردشات" و"المسجات" وعن طريق الفيس بوك و"اليوتيوب" و" البلوتوث" وغيرها من الوسائل المغرية الآن !!
أنتم أهل القرآن وأحبائه وجنوده ودعاته، وهذه هي رسالتكم السامية ومهمتكم العظمى وهو ما أراد بكم إلا الخير سبحانه وتعالى.
عظيم جدا أن تستمسكوا بالقران، وفي الوقت الذي استمسك فيه آخرون بالأقذار والأنجاس من القيم والأفكار والدعوات... وعظيم جدا أن تحملوا القرآن ترفعوا لواءه في الوقت الذي حمل فيه آخرون لواء الفاحشة والشذوذ والزنا والخنا ... وعظيم جداً ان تحملوا القران في الوقت الذي أعلوا فيه أصوات الشياطين في النوادي والمراقص والمهرجانات والإذاعات والفضائيات والانترهات.
وقد سمى الله هذا العمل العظيم الشريف إصلاحاً، ومنح القائمين عليه وصفاً رائعاً: ((مصلحون)) وتكفّل أن يجذبهم مقابل هذا الجهد والجهاد وجزيل الاجر : (( انا لا تضيع احر المصلحين)).
يا أحبابنا الكرام : حياتكم الشريفة تعيشونها مع القران وتتنقلوا فيها بين الاستمساك بالقرآن والتمسيك به . !!