كلمة الحق مهما كان ثَمنها غالياً فقولها واجب، والتستر على الظالمين جريمة لا يغفرها الله عز وجل ولا ينساها التاريخ أو تتجاهلها الشعوب.
هذه بعض المعاني التي حفرتها في الأعماق كلمات رئيس هيئة عُلماء فلسطين في الخارج، والتي تضم العشرات من عُلماء أنجبتهم بطون دِيار اغتصبت ظلماً وعدواناً، ذاقوا قسوة المُحتل وعانوا مرارة الحال، و يؤمنون بأن دور العالم المسلم هو خلق المواقف الجريئة وتوعية المُجتمعات بما تُمليه الحقيقة وحسب.
الدكتور عبد الغني التميمي ابن قرية "دير نظام" والتي تقع على مشارف مدينة رام الله المحتلة، ولد عام 1947مـ ، تقى تعليمه الابتدائي في فلسطين، وانتقل للمملكة العربية السعودية مُترقياً في مراحل تعليمية كان خِتامها بحصوله على درجة الدكتوراه في الحديث الشريف وعُلومه.
نظم الكثير من القصائد التي كانت شاهدة على حُبه لوطنه ولقضيته، وكأنه ينظُمها بأشواق قلبه لا بحروف يديه، عُرف بجرأته في قول الحق في خطبه وعبر الإعلام، وهو الآن يترأس هيئة علماء فلسطين في الخارج، و كانت لنا معه وقفة حوارية خص بها موقع بصائر الإلكتروني ورحب به وبجهوده .. وفيما يلي نص الحوار..
بصائر: ما هو الدور المنوط بالعالم المسلم تجاه قضايا الأمة بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص؟
د. عبد الغني التميمي: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..العلماء يعدّون قادة من الناحية المعنوية لهذه الأمة، وموجّهون ومُرَشّدون لدربها، ولا شك أن اهتمامهم بقضايا الأمة هو جزء من وظيفتهم الشرعية وعملهم الشرعي
وبعد فأنا ابتداءً أقدم لكم شكري لاهتمامكم بهذه القضية الشريفة العظيمة واهتمامكم بهيئة علماء فلسطين في الخارج.
دور العالم المسلم لا شك دور كبير، ودور متميز، فالعلماء يعدُّون قادة من الناحية المعنوية لهذه الأمة، وموجّهين ومُرْشدين لدربها، ولا شك أنَّ اهتمامهم بقضايا الأمة هو جزء من وظيفتهم الشرعية وعملهم الشرعي، فالاهتمام بأمر المسلمين جزءٌ من عقيدة وواجبات المسلمين وتكاليفهم، وعلى رأس قضايا العالم الإسلامي بلا شك قضية فلسطين، فهي القضية الكبيرة المقدسة، التي تحتاج اهتماماً من جميع فئات الأمة، وعلى رأسهم علماء الأمَّة.
بصائر: ما الدَّور الذي تلعبه هيئة عُلماء فلسطين في الخارج.. ولماذا أنشئت، وما أهدافها ؟
هيئة علماء فلسطين هيئة شرعية لا ترتبط بجماعة معينة ولا بهيئة معينة ولا بحكومة معينة، وإنما هي هيئة شرعية مستقلة على رأس أهدافها، تسليط الضوء على قضية فلسطين وربط أحداثها بالشريعة.
د. عبد الغني التميمي : هيئة علماء فلسطين في الخارج هيئة شرعية مستقلة، تقوم بدور الترشيد والنصح لفئات الأمة المختلفة، تسلط الضوء على قضايا الأمة، وقضايا الشعب الفلسطيني بالأخص، وما موقف الشرع من الأحداث التي تجري على الساحة الفلسطينية، ثمَّ دورها في ترشيد مسيرة هذه القضية المباركة بضوء و نور الشريعة الإسلامية بما جاء في الكتاب والسنة.
هذه الهيئة ليست سياسية بالدرجة الأولى، هي هيئة شرعية لا ترتبط بجماعة معينة ولا بهيئة معينة ولا بحكومة معينة، وإنما هي هيئة شرعية مستقلة على رأس أهدافها؛ تسليط الضوء على قضية فلسطين وربط أحداثها بالشريعة.
بصائر: هل هناك صُعوبات أو ضغوطات يواجهها العالم الفلسطيني في هيئة علماء فلسطين؟ وما الذي تسعون إليه؟
د. عبد الغني التميمي: لا شك أنَّ العالم المسلم سواء في فلسطين أو خارجها، أو يحمل الجنسية الفلسطينية أو لا يحملها، هو حامل أمانة، فالكلمة أمانة والدعوة أمانة والقضية أمانة، ولا شك أنه في بعض الأحيان يطلب منه أن لا يعطي القدر الكافي من الصراحة ومن الوضوح في هذه الأمانة، لكن لا شك أن ما ائتمنه الله تعالى عليه هو أهم وأعظم وأجلى .. والله قد ائتمن العلماء على كلمة الحق وكلفهم بحملها و أدائها بكل صدق. نحن أولاً في مسيرتنا لا نحاول أن نستثير أنظمة أو فئات أو جهات أو أشخاصاً، لأنه في الدرجة الأولى هناك إجماع من هذه الأمة على أهمية وعلى قداسة قضية فلسطين، فنحن لا نواجه في هذا المجال أيّ عقبات ولا نواجه أيّ تحذيرات أو ما شابه ذلك.
بصائر: بعد مرور ثلاثة أعوام على حرب الفرقان، نلاحظ أنَّ هناك تهديدات بحرب صهيونية جديدة، واعتداءات شبه يومية تُسجّل بحق أهلنا في غزة. كيف تُقيّمون الوضع؟
د. عبد الغني التميمي :أنا أعتقد أنَّ هذه التهديدات الإسرائيلية و الصهيونية هي بالدرجة الأولى موجهة للداخل الإسرائيلي لطمأنته ولإظهار أنَّ الجيش الصّهيوني جيش قوي، وقادر على الردع والتهديد والوعيد، وهي رسالة لا شك إلى داخل المجتمع الصهيوني للطمأنة بأنه لدينا جيش قوي وحكومة قوية، وغير ذلك، لكن الحقيقة أنَّ الجيش الإسرائيلي (وهذه باعترافات الكثير من المختصين بـهذا الجانب) تراجع كثيراً في أدائه ومعنوياته وقوته، وأصبح الآن أقل تسليحاً وأقل قوة من الناحية المعنوية من ذي قبل.
نحن متفائلون بالمستقبل، هذا المستقبل لهذا الدين ولهذه الأمة ولهذه العقيدة والنصر بإذن الله، وحديث المؤمنين، والعاقبة كما سجل كتاب الله سبحانه وتعالى ستكون للمتقين، وبالنسبة للقضية الفلسطينية بالذات، فإنَّ هذا الشعب الفلسطيني هو الطرف المظلوم والمعتدى عليه والله تعالى لا يحب الظلم ولا يحب الظالمين ولا يُقرهم، ومن هنا اكتسبت القضية تأييداً من الله سبحانه وتعالى بالدرجة الأولى، ثمَّ تأييداً من كل الشعوب الإسلامية وكل الشعوب الحرة في العالم، نحن قابلنا في بعض الوفود التي سافرت والتي زارت غزة، وجدنا أنَّ هناك الفرنسيين والبريطانيين وجاءتنا وفود من الأمريكيتين، وغيرها، وجدنا أنَّ من كل دول العالم هناك مناصرين للقضية، ويشعرون بعد أن يُجلى لهم الأمر أنَّ هُناك كذباً وبُهتاناً وافتراءً كثيراً في مجال القضية الفلسطينية، وأنَّ الخلاصة الصحيحة والدقيقة والواضحة أنَّ هذا الشعب الصهيوني قد اعتدى وظلم الشعب الفلسطيني الذي كان آمناً في أهله وآمناً في بلاده، وآمناً في وطنه، اعتدى عليه وجرّده من جميع حقوقه.
بصائر: عام 2011 .. عام انشغلت فيه الأمَّة بأحداث الربيع العربي وما صاحب ذلك من تغييرات.. كيف انعكس ذلك على ملف التهويد والمسجد الأقصى ومدينة القدس المُحتلة؟
د. عبد الغني التميمي: أرى أنَّه حتى الآن لا زال دور الثورات العربية لم ينعكس بصورة جلية وواضحة على القضية الفلسطينية، نتفائل أن يكون خيراً، بأنَّ الشعوب الإسلامية والعربية بربيعها هذا قد أعادت القضية الفلسطينية إلى مربعها الأول، في الاهتمام العربي والإسلامي، لكن نحن نترك لهذه الشعوب فرصة أن تنتهي من همّها المحلي ،ثم َّتنظر إلى الهمّ الفلسطيني والقضية الفلسطينية.
ولا شك أنَّ اليهود قناصون للفرص، ويحاولون دائماً أن يصطادوا في الوقت الذي يغفل فيه المسلمون عن قضاياهم، محاولات التهويد استمرت وتزايدت على كل الصعد، تهويد عمراني وتهويد سكاني وتهويد للأسماء العربية والإسلامية وحتى تهويد للآثار، يحاولون أن يضفوا على المدينة المقدسة الطابع اليهودي، ويحاولون أن يهوّدوا فيها العمران والإنسان وكل نواحي الحياة، بالإضافة إلى الضغط الشديد على إخواننا المقدسيين من أجل أن يُفرّغوا هذه المدينة من أهلها ، ومن أجل أن يُوصلوا نسبة الفلسطينيين الذين هُم أهل البلد الأصليون إلى نسبة 12% فقط، في حين أنهم يبلغون أكثر من 60%.
بصائر: كلمة أخيرة .. تقولها للأمَّة الإسلامية ؟
د. عبد الغني التميمي: كلمتي الأخيرة لعلماء الأمَّة بالدرجة الأولى، أناشد هؤلاء العلماء الذين هُم قلب الأمة النابض وهم عين الأمة الباصرة، أناشدهم بأن يكونوا أوفياء لهذه القضية مهما كانت همومهم الإقليمية، ومهما كانت همومهم المحلية، عليهم أن يبقوا دائماً مع القضية العظيمة لأنَّ قضية فلسطين هي قضية القدس وقضية القدس هي قضية الأقصى وقضية الأقصى قضية كل المسلمين وليست لفئة معينة، لا تقتصر على الشعب الفلسطيني فقط، المسجد الأقصى ثالث مقدسات المسلمين، فهو يعني بالدرجة الأولى جميع المسلمين، وليس له طابع محلي، لا يُنظر إلى عالميته الإسلامية.
نناشد العلماء، ونناشد أهل الفكر والقلم والصحافة، والجميع أن يحشدوا كلَّ قواهم لتأييد هذه القضية، لتُسجل ليل نهار، سواء عن طريق السجون والأسر والأسرى، أو عن طريق الاغتيالات، أو عن طريق الظلم المتكرّر اليومي، سواء في داخل الضفة الفلسطينية أو في غزة أو في غير ذلك من الأماكن.