دائماً ما كان التيار الإسلامي ينتقد من قبل بعض النخب ذات الأجندات السياسية المناهضة للفكرة الإسلامية لاستخدامه شعار " الإسلام هو الحل " وفي أوقات كثيرة كان يزعم أصحاب هذا الطرح أنَّ التيار الإسلامي في كثير من البلدان العربية وبالطبع على رأس هذه البلدان مصر لا يملكون برنامجاً واقعياً، ويكتفون بمجرَّد شعار يدغدغ عواطف المسلمين المتدينة بالفطرة، بل وذهب هؤلاء إلى شنّ حملات تشويه لخلق حالة من الفزع والخوف من وصول الإسلاميين السلطة، إلا أنَّ هذه الشعوب التي ثارت على الظلم والفساد الذي استمر متحكما في مصيرها لعقود طويلة بعد تحرر هذه البلاد من الاستعمار الأوربي كان لديها من النضج والقدرة على التمييز والفرز بين ما ينفعها وما يضرّها، فاختارت في أوَّل انتخابات حقيقية لها في تونس ومصر والمغرب أصحاب المنهج الإسلامي، والأمر في رأيي يعود إلى عدَّة نقاط :
أولها : إنَّ هذه الشعوب جربت على مدى نحو 5 عقود مناهج وضعية تراوحت بين الماركسية في أقصى اليسار إلي الرأسمالية في أقصى اليمين وبينهما الاشتراكية، وفشلت كل هذه الأنظمة في إشباع الشعوب باحتياجاتها، بل إنَّ القائمين على هذه المناهج ذهبوا إلى ابعد من ذلك وصادروا باسم الاشتراكية تارة الحريات وانتهكوا باسم الرأسمالية الخصوصية وتحقيق العدالة الاجتماعية تارة أخرى.
أضف إلى ذلك أنَّ مجتمعاتنا العربية جنحت في العقود الأخيرة مع تنامي العداء الغربي للمسلمين ومع العدوان الصهيوني المتصاعد ضد الشعب الفلسطيني ومع تصاعد أيضاً العداء الغربي ضد المسلمين في العراق وأفغانستان، أدت كل هذه الأمور مجتمعة إضافة إلى التحرك الدؤوب للحركات الإسلامية والعمل مع المجتمع إلى تنامي صبغة التدين في مجتمعاتنا، فانحاز هؤلاء بالطبع إلى أصحاب المنهج الإسلامي .
استطاع أبناء التيار الإسلامي في تونس ومصر على وجه الخصوص أن يقدموا - حتى الآن – رؤية واقعية ومفصله لآليات تنمية المجتمعات العربية التي استباحت ثرواتها مدَّة الاستعمار الأوربي ومع الاعتراف بمراهنة شريحة كبيرة من مجتمعاتنا على أصحاب المنهج الإسلامي في تحقيق ما اخفق فيه لسنوات أصحاب المناهج الوضعية إلاَّ أنَّ الأمور المادية البحتة كان لها دور لا يمكن تجاهله في التصويت لصالح الإسلاميين، حيث استطاع أبناء التيار الإسلامي في تونس ومصر على وجه الخصوص أن يقدموا - حتى الآن – رؤية واقعية ومفصله لآليات تنمية المجتمعات العربية التي استباحت ثرواتها مدَّة الاستعمار الأوربي ومدَّة الاستعمار الداخلي من قبل حفنه من الحكام انتفخت جيوبها من قوت شعوبهم أدت في النهاية إلى الثورة عليهم .
وقدَّم أبناء الحركات الإسلامية برامجَ ورؤى واقعية لا تزين بديباجة نظرية فلسفية، وإنما وضعت رؤية واقعية بخطوات تحتمل التحقيق على ارض الواقع من شأنها أن تحقق التنمية المنتظرة فعلى سبيل المثال لم يضع حزب الحرية والعدالة " الذراع السياسي للإخوان المسلمين في مصر " وقتاً فأرسل الوفود لدراسة التجارب الماليزية والاندونيسية والتركية إضافة إلى تجربتي جنوب إفريقيا واليابان في تحقيق النهضة والتنمية واستقروا في نهاية المطاف على مشروع النهضة الذي اتفقت فيه جماعة الإخوان المسلمين على التعامل فيه كتفا بكتف مع الحزب لتحقيق التنمية والنهضة التي يراهن عليها الجميع في مصر عقب ثورة أبهرت العالم ، من بين ملامح هذه المشروع تدشين برنامج قومي للرعاية المتكاملة للمواطن المصري يقوم على ثلاثة محاور " تطوير العملية التعليمية ، وتوفير رعاية صحية كاملة وآدمية للمواطن فضلا عن توفير السكان الملائم "
ووضع الحزب في سبيل ذلك دراسات الجدوى الواقعية والمدة الزمنية اللازمة لتحقيق ذلك ، كما ذهب الحزب إلى وضع إستراتيجية لتوفير فرص عمل للشباب العاطل والخروج بالمجتمع العمراني من الوادي الضيق إلى الصحراء ، كما يركز الحزب على توسيع البقعة الزراعية وتوفير الزراعات الإستراتيجية اللازمة لطعام المصريين فضلا عن وجود تصور لحل مشكلات التلوث والبيئة وتنمية سيناء الساحل الشمال والصحراء الشرقية وجنوب أسوان وتفعيل المشروعات التنموية مع السودان وليبيا ، وفوق كل ذلك قدم الحزب رؤى واقعية في القضايا التي تستخدم من حين لاخر للنيل من أبناء التيار الإسلامي مثل الموقف من السياحة والفن ، فقد برهن الحزب بشكل عملي على تبنيه إستراتيجية تسعى لزيادة عدد السائحين ليصل إلى 30 مليون سائح سنوياً ، فيما بادرت بعض كوادر الحزب للتواصل مع الفنانين وهو ما قابله الفنانون بزيارة مماثلة؛ حيث زار أشرف عبد الغفور نقيب الفنانين المصريين المرشد العام للإخوان المسلمين، وفور انتهائه من هذا اللقاء قال: " لست قلقاً على مستقبل الفن والإبداع مع الإخوان المسلمين " على الجانب الآخر، تقابل وفد من ممثلي قطاع السياحة الذين أبدوا عدم تخوّفهم من الصعود الإسلامي على مستقبل السياحة .
برهن الإسلاميون هناك على أنَّهم يعملون من أجل رفعه وطنهم، متعاونين مع كافة القوى السياسية في ذلك على اختلاف توجّهات هذه القوى،
على الجانب التونسي، برهن الإسلاميون هناك على أنَّهم يعملون من أجل رفعه وطنهم، متعاونين مع كافة القوى السياسية في ذلك على اختلاف توجّهات هذه القوى، فعلى سبيل المثال ، على الرّغم من حصول حزب النهضة التونسي على الأغلبية البرلمانية إلا انَّه ارتأى في اختيار المنصف المرزوقي صاحب التوجه اليساري رئيساً لتونس رسالة قويّة مفادها أنَّ الإسلاميين لا يسعون للهيمنة، وأنَّ أولوية برنامجهم هو المواطن، وقد دفع هذا المسلك المرزوقي نفسه إلى التأكيد على أنَّ التوافق الذي حصل بين العلمانيين المعتدلين والإسلاميين المتنورين، هو ما يميز التجربة التونسية، وقال: "أعتقد أننا نجحنا، وهذه التجربة ستعطي تونس ما تريده من استقرار ورخاء".
من ناحية أخرى، لم يصوّت الشعب التونسي لحزب النهضة لمجرّد تبنّيه الرؤية الإسلامية فقط، بل لعرضه برنامجاً طموحاً وواقعياً في ذات الوقت؛ حيث شدَّد على ضرورة حماية استقلال الوطن واستكمال أبعاده وتنمية مكتسباته وصيانة وحدته بالتعاون مع كلِّ أبنائه، والسعي الدؤوب إلى وحدة المغرب العربي، ومن ثمّ الوحدة العربية والإسلامية، كما شدَّد على تكريس مبدأ سيادة الشعب عبر بناء الدولة الديمقراطية المدنية، دولة القانون والمؤسسات والمساواة بين المواطنين وإرساء دعائم المجتمع المدني وتحرير آلياته لأداء دوره كاملا. فشلاً عن اعتزامه تحقيق الحريات العامة والفردية والعدالة باعتبارها قيماً محورية تجسد معنى تكريم الله للخلق وتحقيق إنسانيته وتكريس حقوق الإنسان وتأكيد التعددية السياسية ، و صيانة المجتمع وحفظ تماسكه ودفع تطوره وإطلاق طاقاته وتحرير روح الإبداع والعمل والجمال في تناسق تام بين ضمان الحق وأداء الواجب.ـ
كما حرص حزب النهضة على التأكيد على ضرورة حفظ كيان الأسرة ودعمه باعتبارها قوام المجتمع السليم، والعمل على أن تقوم العلاقات داخلها على الموّدة والرَّحمة والتكامل والاحترام وتقديس الرّباط الزوجي، وكذلك العمل على توفير الظروف الملائمة لرعاية الطفولة والشباب،
وكذلك النهوض بواقع المرأة، وتفعيل دورها في مختلف مجالات المجتمع والمساواة بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات ودعم مكتسباتها الحاصلة ومقاومة النظرة الدونية لها سواء وردت من عصور الانحطاط أو من نماذج التغريب القسري.
وفوق كل انشغل حزب النهضة بقضية البطالة فوضع تصورا لمجالات تشغيلية واسعة بحيث يسهم في تحقيق التكامل والاندماج مغربيا وعربياً وإسلامياً والانفتاح عالمياً، وتحقيق التنمية الكاملة والشاملة والمتوازنة في كل المجالات الاقتصادية ضمن تكامل متناغم بين القطاعات العامة والخاصة والتعاونية توفير المناخ الملائم لنهضة فكرية وعلمية شاملة تستلهم وفق منهج فكري وسطي معتدل من مقومات هويتنا العربية الإسلامية وتتفاعل مع مقتضيات الحياة العصرية والمكتسبات الإنسانية والسعي إلى إحداث نهضة فكرية وثقافية.
خاتمة القول: إنَّ برامج الأحزاب الإسلامية وتحرّكها الذي بدأ على الأرض بعث رسائل طمأنه إلى الكثيرين؛ أنَّ الإسلاميين لديهم تصوّر واقعي وطموح للنهوض بمجتمعاتهم وتقديم صورة مغايرة عن الصبغة التي اكتست بها هذه المجتمعات في ظل أنظمة فاسدة ومستبدة.