للقيادة الفعالة مقومات عديدة، فهي من الأمور المهمة والمؤثرة في أي عمل إداري ناجح، ولقد صار الناس قديماً وحديثاً في محاولة التعرف على أسرار القيادة وأساس ومناط نجاحها وفعاليتها.
وتوجد آية أساسية جامعة لأهم ملامح القائد الفعّال من المنظور الإسلامي، وهناك العديد من الآيات، والمواقف الأخرى المكملة لها في القرآن، وهذه الآية هي: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾ (آل عمران).
مفاتيح القائد الناجح
كن ليناً لا فظاً
فأول ما يجب أن يكون عليه القائد مع أتباعه هو اتباع أسلوب اللين، واللين عكس الشدة والقسوة، ولكنه ليس ضعفًا أو جنبًا، وهذا هو أكبر خطأ يقع فيه الكثير من القادة حينما يتصورون اللين ضعفًا، والشدة والقسوة قوة، وهذا قمة خطأ.
لذا فإن أول ما يؤكد عليه القرآن هنا هو اتباع القائد لجانب اللين مع المرؤوسين؛ لدرجة تصل كما يذكر القرآن في آيات أخرى إلى خفض الجناح ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (215)﴾ (الشعراء).
اللين هو الذي يجعل العلاقة بين القائد والاتباع علاقة تواصل وحب وتفاهم، ويعطي جوّاً من الثقة والانفتاح والتشجيع على المبادرة والابتكار، ويقتل روح الخوف أو القهر الذي قد يسلك إلى النفوس دون أن ندري نتيجةً للأسلوب القاسي العنيف
وهذا الأسلوب هو الذي يجعل العلاقة بين القائد والاتباع علاقة تواصل وحب وتفاهم، ويعطي جوّاً من الثقة والانفتاح والتشجيع على المبادرة والابتكار، ويقتل روح الخوف أو القهر الذي قد يسلك إلى النفوس دون أن ندري نتيجةً للأسلوب القاسي العنيف، ومن هنا يعتبر القائد اللين في طبعه هو أكثر القادة جميعًا لمن حوله وتأثيرًا فيهم، وتحقيقًا للهدف.
وبعد اللين يأتي البعد عن الفظاظة، والفظاظة هنا هي في القول اللاذع الشديد، وقد تكون طبعاً في الإنسان لا يستطيع التخلص منه، وقد تعتريه في أوقات أو ظروف معينة؛ نتيجة لما يتعرض له من ضغوط، وما يعتريه من مشاكل أو أزمات، فتجعل تعامله وخاصةً ردوده وكلماته مع مَن حوله لا تكاد تخلو من نقد لاذع أو توبيخ أو تعنيف أو استهزاء... إلخ؛ مما يخلق في نفوس من حوله حالة من الفزع والرعب التي تجعلهم يترددون كثيراً قبل أن يشاركوا برأي أو يدلوا بنصيحة، فيكفي من هذا القائد مجرد تعليق صغير بلفظ حاد ليخمد أي حماس للمشاركة أو المبادرة في نفس كل من تسول له نفسه أن يقول رأيًا؛ خاصةً إن كان لا يجاري هوى هذا القائد.
كن عفواً
كما يجب على الداعية أن يكون عفواً، فجو العمل لن يخلو من خلاف أو تقصير أو خطأ من جانب المرؤوسين؛ فإذا لم يتعلم القائد كيف يعفو ويتسامح بشكل إيجابي وفعال، ويتناسى هذا الخطأ بمجرد علاجه، ويذكر صاحبه بضرورة الإقلاع عنه والندم عليه؛ فإن الأمر يكون من القسوة والشدة على نفس المخطئ لدرجة تجعله يستشعر الخجل من نفسه والتواري عن الأنظار، بل والإحجام عن أي محاولةٍ للمشاركة الفعالة أو إبداء للرأي حتى وإن كان صوابًا، خاصةً إذا لم يحجم القائد عن تذكير مرؤوسيه من وقتٍ لآخر بعيوبه وأخطائه وتأنيبه عليها وسخريته منها.
لذا كان من الضروري للقائد أن يعفو ويصفح، وليس معنى ذلك تجاهل الأخطاء، وإنّما يكون علاج الخطأ في حينه، وتطوى الصفحة السوداء تماماً، ويبدأ القائد صفحة جديدة، ولعل أفضل ما يعلمنا ذلك قوله تعالى في معالجة أخطاء الزوجة بعد أن حدد التدرج في العلاج بالعظة، ثم بالهجر، ثم بالضرب غير المبرح، ثم يقول تعالى: ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)﴾ (النساء)..
استغفار متواصل
إذا كانت الصفات السابقة تعتبر أساسية، ويمكن للقادة اكتسابها ليحققوا النجاح بصرف النظر عن عقيدتهم أو إيمانهم؛ فإن هذا الأمر على وجه الخصوص يعتبر من الأوامر التي لا يمكن أن يتصف بها إلا مؤمن حق؛ لأن الأمر هنا تخطى مرحلة الرسميات ووصل إلى مرحلة القلوب والعواطف الشغوفة والحب الشديد؛ الذي يجعل القائد لا يكتفي بالعفو فقط عن أخطاء أتباعه، وإنما يحرص على أن يستغفر لهم الله كي يعفو عنهم أيضاً، ولا شك أن ذلك لا يكون إلا من قلب نقي، رقيق، سليم، محب لمن حوله، رحيم، بل إن مجرد هذا الاستغفار الذي لا يكون إلا بين المرء وربه يترك أثرًا طيباً في نفس كل من القائد والمرؤوس دون أي تدخل مباشر؛ وهذه لغة القلوب التي لا يعلمها إلا الله، ولك أن تجرب ذلك وبصدق ويقين، وسوف تجد بنفسك كيف تتغير النفوس وتنتهي المشاكل التي لم يكن لها قبل ذلك علاج.