الدعوة إلى الله تحتاج الحكمة والموعظة الحسنة- كما بين لنا ربنا جل وعلا-؛ فقد قال الله تعالى ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (النحل:125)، ولذلك فهناك بعض الخصائص التي يجب أن يتحلى بها الداعية في طريقه لإيصال الرسالة إلى المدعو.
وقبل الإشارة لتلك الخصائص فينغي على المربي والداعية أولا أن يصلح نفسه ويتفقد نيته، ويجعل لكلامه نورانية تخترق حُجُب النفوس، حتى لو كانت غليظة، إلى حيث موقعها من قلب المدعو؛ ولذلك يجب الاهتمام بتحصيل العلم، ومزيد من الثقافة، والمهارة.
مراعاة الاهتمام
يجب أن يكون خطاب المربي أو الداعية مما مما يحتاجه المتربي أو المدعو، فلا تحدث فقيرًا عن الإسراف وخطره مثلاً؛ ولا ترشد آخر- غير سالكٍ- إلى أهمية النظر في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية مثلاً، وإذا علمت عمن معك أنه يرافق صحبة سيئة فحدثه عن الصحبة الصالحة وبركتها، وليكن حديثك عن الأشياء الظاهرة عليه أو المعلومة عنه حديثًا غير مباشر، خصوصًا في بدايات المعرفة، ويدخل ضمن هذه الفقرة مراعاة اهتمامات المدعو حتى يأنس بالجلوس إليك؛ ومنها أيضًا تحديث المدعوين على قدر مداركهم واستيعابهم، كما رُوي عن ابن مسعود- رضي الله عنه-: "ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة"، وإياك إياك أن تطب زكامًا فتحدث جذامًا، والسلامة لا يعدلها شيء.
طريقة العرض
فلا ينبغي أن تشعره بأنك تُلقي محاضرة، وذلك بأن تكون على سجيَّتك أثناء الطرح؛ متوسط اللغة غير متقعر ولا مسفٍ ولا مغرقٍ في العامية؛ ولا تبدأ حديثك بما تبدأ به المحاضرات، بالرغم من فضل تلك البداية وأجرها، ولتكن معانيك واضحة قريبة سهلة المأخذ، وحاذر الرمزية، وكن مباشرًا؛ دفعًا للمظنَّة والفهم الخاطئ.
كما يجب أن تجعل لطريقة عرضك خطة قبل اللقاء، وذلك بالتزام منهج تسلكه لبلوغ الهدف المنشود من اللقاء، معتمدًا على ترتيب الأفكار ومراعاة الأولويات، فلا تذكر للمدعو صورًا من الربا قبل ذكر تعريفه وبعض أدلة تحريمه؛ وتذكر أن إيجاد المسوغ من أهم مهمات خطة الطرح.
مفاهيم صحيحة
يجب ذكر المفاهيم الصحيحة أولاً ثم استخرج الشبهات حولها، والصواب ذكر المفهوم الصحيح، والتأكد من فهمه ورسوخه، ثم ذكر الشبهة وتفنيدها؛ وسيكون نجاحك أكيدًا باهرًا لو شاركك المدعو بتفنيد الشبهة ودحضها، بناءً على قولك الأول.
تنويع الخطاب
لا يجب على الداعية أن يجعل خطابه محصورًا في العلم أو العاطفة أو الفكر أو الأدب؛ بل شكِّله حسب المقام والمستهدف، ومن تنويع الخطاب أن يكون مرَّةً بلسانك وأخرى عبر شريط أو إذاعة وثالثة من خلال كتاب أو مجلة، وهكذا..
التفاؤل دون إفراط
لا يكن حديثك متشائمًا، فلا تشحن خطابك بالسلبيات ولا تصيِّره مكتظًّا باليأس والقنوط والهزائم، فذلك أدعى لرفضك ورد مقولك وقطع العلائق معك، ولا يعني هذا الإغراق في الإيجابيات والتفاؤل المفرط الساذج؛ لأن كثرتها خلاف الواقعية والموضوعية، والتوسط مطلوب في كل شيء.
عدم التشتيت
من الأفضل دائما أن لا تشغل المدعو بالجُزئيات، فلعلَّه لا يستفيد شيئًا من التوسُّع في ذكر اختلافات الأئمة- رضوان الله عليهم- في مسألة ما مثل ما يستفيده من الاقتصار على القول الراجح أو من ترسيخ حكم أساسي في ذهنه، ثم إنَّ شغله بالجزئيات مدعاةٌ لتشتيت الذهن وعدم شعوره بالفائدة ثم الانقطاع.