كثيراً ما نسمع عن مدراء لمعت أسماؤهم وشركاتهم من خلال تحقيقهم لأكثر ممَّا كان متوقعاً منهم، تماماً كما نسمع عن آخرين مشهود لهم بالكفاءة، لكنَّهم عجزوا عن تقديم الحدود الدنيا من العمل المطلوب منهم، فتعثروا و"تحطموا"، ولم تجن مؤسساتهم من ورائهم سوى "الخيبة".
في عالم الإدارة اليوم يطمح الكثير منَّا إلى تسلق الهرم الوظيفي والوصول إلى المنصب القيادي، والثبات فيه حال الوصول إليه لأطول مدَّة ممكنة.
لكن، كيف نستطيع الوصول للمناصب الإدارية العليا؟ وما هي مقوّمات النجاح فيها؟ وما هي مواصفات المدير الناجح ؟
نقيضان ..
يبدي "أبو محمد السك" الموظف في إحدى الشركات الخاصة، رضاه عن مديره في العمل، قياسا بمديره السَّابق في الشركة التي كان يعمل فيها.
ويقول:" إنَّ مديري الحالي، ناجح ومحبوب، ولا ينغص على الموظفين طالماً أنَّهم يؤدّون عملهم على أكمل وجه".
كان شعار مديري السابق:"اشغل الموظف بالعمل الدَّائم حتى يقع مغشياً عليه"..لذلك تركت له الشركة، ولم أكن الأوَّل أو الأخير الذي يترك العمل بسببه
لكنَّه يشير إلى أنَّ مديره السَّابق في الشركة التي ترك العمل فيها، كان على النقيض تماماً، حيث إنَّه-حسب قوله-كان يتعامل مع الموظفين، كأنَّهم أدوات من أدوات المكتب؛ كالكمبيوتر والهاتف.
وتابع يقول:"كان مديري السَّابق يعتقد أنَّ كلَّ الموظفين على وجه الأرض مراوغون مخادعون لا يعملون بضمير، لذلك يجد متعة منقطعة النظير في معاقبة الموظف".
ويشير إلى أنَّ شعار مديره الدائم كان "اشغل الموظف بالعمل الدَّائم حتى يقع مغشياً عليه"، مضيفا "لذلك تركت له الشركة، ولم أكن الأوَّل أو الأخير الذي يترك العمل بسببه، فكل الذين يعملون معه لمدَّة يتركون له الجمل بما حمل".
مدير عسكري ..
في السياق ذاته، يصف "أحمد عوض" مديره بـ "الشخصية العسكرية"، فهو "يعلّق على لبسك ونظافة مكتبك ودقّة مواعيدك، وإن ارتكبت أبسط الأخطاء يعتقد بأنك أفسدت نظام الكون، ويجب أن تعقد لك محاكمة عسكرية، وتعاقب بأشد أنواع العقاب لتكون عبرة لمن يعتبر من الموظفين".
ويضيف:" مديري متعسف، رغم أنَّه لا يفقه شيئاً في طبيعة العمل، وإن فهم فهو متعب، وإن لم يفهم فهو متسلط، دائمَ الغضب لا يحب أحداً".
ويشير إلى أنَّ الموظفين يفرحون لمرض مديره، ويسعدون لغيابه، ويعدُّون ذلك اليوم، "يوم عيد تنفرج فيه الأسارير وتهلّ البشائر على الشركة، لذلك لا يعمل تحت إدارته إلاَّ ذو حاجة، ومن أغلقت في وجهه كل الأبواب"، على حدِّ تعبيره.
أسباب النجاح ..
كيف ينجح المدير في عمله؟ وما هي المعايير التي يمكن من خلالها الحكم على "مدير" بالنجاح أو الفشل؟، توجهنا بهذا السؤال إلى الناشط في مجال التنمية البشرية أحمد ظاهر، والذي قال: " أسباب نجاح المدير ترجع لتمسكه بعدَّة ضوابط؛ أوَّلها مخافة الله عز وجل".
وتابع يقول:" من أسباب نجاح المدير، أن يتحلّى بصفات "العدل والمساواة بين العاملين، ومعرفة طريقة سير العمل والإلمام بها، ومتابعة تنفيذها باستمرار للتأكّد من نجاحها، بالإضافة إلى إتباع سياسة الباب المفتوح، وعدم إغلاقه أمام المراجعين وتسهيل متطلباتهم".
الشخصية القيادية ..
ويضيف ضاهر أنَّ للشخصية القيادية مميّزاتٍ؛ "فمن الناحية العلمية تمتاز بتوفر المؤهلات العلمية المناسبة وخبرتها بأمور العمل والبيئة المحيطة به، بالإضافة إلى المهارات التقنية".
من أسباب نجاح المدير، أن يتحلّى بصفات "العدل والمساواة بين العاملين، ومعرفة طريقة سير العمل والإلمام بها، ومتابعة تنفيذها باستمرار للتأكّد من نجاحها
وأردف قائلاً:" أمَّا من الناحية العملية، فيجب أن تمتاز الشخصية القيادية بتوفر عامل الخبرة بمجال العمل، والتدريب العملي، مشدّداً على ضرورة تحلّيها بصفات الجودة الشخصية للمدير؛ مثل الذكاء، والصَّبر، والمثابرة، والجد في العمل، بالإضافة إلى الانضباط والالتزام".
شروط إضافية ..
ونوَّه إلى أنَّ العديد من المدراء يعتقدون بأنَّ توفّر المميّزات والصفات السَّابقة كافية للوصول إلى المبتغى، مبيّناً أنَّه على الرغم من امتياز العديد من المدراء بتلك المميّزات إلاَّ أنَّهم لا يصلون إلى مبتغى قمَّة الهرم الوظيفي، وإن وصلوا لا يطول ثباتهم.
وأضاف مفسّراً ما ذهب إليه :" في عالم الإدارة اليوم لابد للفرد الطامح في كرسي المدير أو البقاء فيه طويلاً أن يضيف المزيد من الصفات إلى شخصيته؛ مثل إدارة الجودة الشخصية للمدير الداخلية باتّباع مبدأ التعليمات الصَّادرة وإطاعة الأوامر وعدم تجاوز الصلاحيات بدءا بنفسه".
وأوضح أنَّ العديد من المدراء يخطئون في الاعتقاد بأنَّ المدير شخصية تتقن إصدار الأوامر والتعليمات وتوزيع الصلاحيات على الآخرين فقط دون اتّباعها، مشيراً إلى أن ذلك يقع ضمن المفاهيم الخاطئة والسَّائدة في عالم إدارة الأعمال بالوطن العربي بشكل ظاهر.
وأردف قائلاً:" إنَّ من أهم صفات المدير الناجح أن يكون عادلاً في معاملته مع الموظفين، فأنت شخصياً عندما تتعامل مع شخص يحابى المقرّبين إليه، فإن معنوياتك تنهار، كما أنَّ اهتمامك بالعمل يتلاشى، وكذلك فأنت تغضب وتصاب بالإحباط، ثمَّ لماذا تبذل قصارى جهدك إذا كان إنجازك سينسب في النهاية لصالح أحد المقرّبين من المدير؟".
أنواع المدراء ..
وأشار ظاهر إلى أنَّ المدير الناجح الفعَّال يعدّ ميزان المعاملة في إدارته، ويدرك أبعاد المحاباة وآثارها المدمّرة لمنصبه وللمؤسسة التي يديرها، ولأنَّه مدرك لذلك فهو معتدلٌ في تعامله مع موظفيه، ولا يمكن أن يظلم طرفاً على حساب طرف، ولا يحفز من لا يستحق التحفيز، ولا يشكر من يتخاذل في عمله، ولا يعاقب من يؤدّي عمله على أكمل وجه.
ونوَّه إلى أنَّ بعض المدراء يكونون مريحين؛ حيث يعملون على توفير جوٍّ عمل مريح لمرؤوسيهم؛ لإيمانهم بأنَّك إذا عملت على راحة الموظف، فإنه سوف ينتج ويعطي أفضل ما عنده، وسوف يكون ولاؤه لعمله داخل المؤسسة.
وشدَّد ظاهر على وجود مدراء عكس النَّوع السَّابق؛ حيث يسبِّبُون المشاكل ولا يحلونها، وأصبحوا كابوساً مزعجاً لمرؤوسيهم.
عوامل نجاح المدير ..
من أجل إثراء القضية مثار البحث، استمعت "بصائر"، لوجهة نظر أخرى في الموضوع، حيث حاورت مدرب التنمية البشرية ممدوح فروانة .
فروانة رأى أنَّ أهم عوامل نجاح المدير، عمله على "تحسين ظروف العمل، وتطبيق مبدأ الأجر المتكافئ، ووضع المرؤوسين في الوظيفة التي تتناسب مع قدراتهم وتطوير أعضاء المؤسسة باستمرار".
وأضاف "كذلك يعتمد نجاح المدير على قدراته في اتخاذ القرار الصَّحيح في وقت الأزمات والشدَّة، وبذلك يشعر العاملون بالأمان في ظل إدارته"، مشيراً إلى أنَّ نجاح المدير يقاس بتحقيقه أهداف أكبر من المتوقّع خلال مدَّة زمنية قصيرة.
عوامل فشله ...
وأكَّد فروانة أنَّ من أخطر عوامل الفشل هو عدم قدرة المدير على إقناع مرؤوسيه بقدراته وإحساس المرؤوس بأنَّه أكثر خبرة و كفاءة من مديره.
من أهم عوامل نجاح المدير، عمله على "تحسين ظروف العمل، وتطبيق مبدأ الأجر المتكافئ، ووضع المرؤوسين في الوظيفة التي تتناسب مع قدراتهم وتطوير أعضاء المؤسسة باستمرار"
وفي هذه الحالة-حسب فروانة- تتكوَّن لدى المرؤوس القناعة بأنَّ قرارات المدير غير ناجحة، وتتكوَّن لديه رغبة داخلية لإثبات فشل المدير وتحطيمه، فينخفض الدَّافع للنجاح ويقلّ الإنتاج، خاصة إذا كان المدير يحاول رسم صورة زائفة لذاته.
وأضاف :"كما أنَّ عدم إلمام المدير بأصول العمل وقوانين الإدارة التي يقودها، وعدم تكافؤ الأجور يؤدِّي إلى تفاقم الصِّراعات بين أعضاء فريق العمل".
واستكمل فروانة حديثه بالقول :"يجب أن يكون لدى كلِّ موظف صورة واضحة تماماً.
أولاً: عن دوره الوظيفي الذي عينته الشركة لأدائه.
وثانياً : عن المهام التي عليه أن يقوم بها يوماً بعد يوم في كل مشروع أو مهمة يتم تكليفه بها".
زيادة إنتاج الموظفين ..
ويوضح فروانة أنَّ طريقة تعامل المدير مع موظفيه يعدُّ سبباً رئيساً في زيادة إنتاجهم وانتمائهم للعمل، أو سبباً لفشل المؤسسة، مشيراً إلى إنَّه إذا كان عمل الموظفين روتينياً، فيمكن للمدير أن يضيف بعض أشكال المرح لهذا الرُّوتين.
وشدَّد على أنَّ إعطاء الموظفين فرصة اختيار الطريقة التي يوّدون القيام بأعمالهم بها، سيشجّعهم على تحمّل المسؤولية وفرص القيادة ضمن المؤسسة، مضيفاً " أنَّه يجب تشجيع التفاعل بين الموظفين وتكوين فريق العمل بينهم".
وأعرب فروانة عن أنَّه يمكن للمدير تعليم موظفيه من أخطائهم مع تجنّب النقد القاسي، وتقديم الكثير من التشجيع، وإظهار الإعجاب بأعمالهم إن كانت تستحق، مع تقديم الحوافز سواء كانت مادية أو معنوية.