التربية الوجدانية … حقٌّ للأبناء

الرئيسية » بصائر للأسرة والمرأة » التربية الوجدانية … حقٌّ للأبناء
alt

  استيقظْتُ على صوت بكائها في  ليلة أردفت نهاراً شاقاً من الجري المضني والعمل الشاق ... كان نهاراً شاقاً بالفعل ، لم تشفع لي أمومتي لأنال بعض الرَّاحة عندما جنَّ الليل،’ بل ازدادت الطلبات انهماراً، وشجار الأطفال حدّةً، وتمنّيت، لو يحلّ السكون سريعاً.
سويعات قليلة من السّكون والرَّاحة ، لم تكتمل حينما استيقظت على صوت بكاء ابنتي الصغرى .
يا ربي، أمكتوب على جبيني الشقاء ؟
 ما الذي أيقظها في هذه الساعة ؟
وجاءني ردّها سريعاً .. ماما أريد الحليب .. كونها لا تزال في السنتين من عمرها لم يشفع لها، صرخت في وجهها طالبةً لحيظات قليلة من الهدوء تغفو بها عيني ... فقط اليوم، رجاءً لا تطلبي مني أن أقوم من فراشي الدافئ .. لأبدأ عملية إعداد الحليب الطويلة ... يزيد من صعوبتها تعب أثقل على الأطراف ومرض أرهقني منذ أيام.

قمت، مجبرٌ أخوك لا بطل، حضرت لها كوبَ الحليب، ولذَّة بفراشي العزيز، وبدأت حلقة من الأفكار الأليمة تدور في ذهني .. وضعت رأسي تحت الوسادة .. وبكيت بكاء المرهق المتعطّش للحظات الرّاحة ..
لا أدري لماذا تجتاحني كلّ الأفكار السلبية في هذه اللحظات . أ هو  تأثير الإرهاق والتعب ؟ . أم هي موجة السلبية التي تجتاح معظم النساء فجأة ؟ ...
يا ليتني أستطيع أن أغفو لأرتاح...
ماما ... صوت جذبني .. رفعت رأسي والدموع تثقل عيني .. اقتربت بكفها الصَّغير ووضعت يدها على خدي مسحت قليلا من الدّموع، وكثيراً كثيراً من الألم .. أو ما تراءى لي ألماً.
لم تكتفِ ذات السنتين من ذلك بل أذهلتني بقبلة طبعتها على خدي أعطتني الطاقة لإعداد أكواب الحليب لكلِّ أطفال العالم .

اسعدي بهم ..
تلك هي شحنات الطفولة البريئة _ وحدها _ تعطينا الدَّافع لنستمر بالعطاء والعطاء .. وهي التي تعطي الأمومة ذلك الطّابع المميّز الذي يتغنّى به الشًّعراء والأدباء .
وحدهم الأطفال قادرون على شحننا بالعطاء والتضحية المستمدة من نقاء الطبيعة التي حَبَاهم الله بها .
فكلَّما ضاقت بك الحياة بما رحبت، وكلَّما أرهقتك مطالبهم ، مشاكلهم، ومشاكساتهم ، لوذي إليهم، فامنحيهم الحنان رطلاً ليغدقوه عليك أرطالاً .

ولست أقول: إنَّ الأمومة عطاء بلا مقابل . بل أقول: إنَّ العطاء المقابل منحة من الله وسنةٌ من سنن الله  في خلقه .
فنظرةٌ من عيني صغيرك ... عطاء
كلمة أمي ... عطاء
مشاكساتهم الطريفة .. عطاء
قبلاتهم البريئة، همساتهم الطَّاهرة، ضحكاتهم الفطرية ... كلُّها عطاء.
فالطفل مجبول على الحنان، مفطور على روعة الإحساس.
فقط افتحي عينيك وقلبك واستحضري إحساسك، واستقبلي  أعظم طاقةٍ  تساعدك على القيام بمسؤولياتك تجاهه.
تلك العلاقة المحكومة بأروع المشاعر وأقدسها، أنتِ فيها الحلقة الأقوى وما تشتد الحلقة إلا بتماسكها وانسجامها وارتباطها وإحساسها بباقي الحلقات .
نعمة الأمومة  ...
استحضري نعمه الأمومة التي حباكي الله بها؛  فهي نعمة حرم منها الكثيرون، وتمنوها بشغف وسعوا سعيهم الحثيث لينالوها لو مرَّة واحدة؛ ولله في خلقه شؤون، {يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور....}.
تلك النعمة التي تستوجب الشّكر بأداء الحقوق على أكمل وجه، وتأدية الأمانة وحفظ الرَّعية التي أستأمنك الله على رعايتها .

وعندما نذكر حقوق الأبناء، من حق الرّعاية، والإطعام، والنظافة والاهتمام، والتأديب وتقويم السلوك، ننسى في كثير من الأحيان حقاً لا يقل أهمية عن الحقوق الأخرى، بل يزيد، لأنَّ أداء الحقوق مجبول بصبغتها .. صبغة المحبَّة والحنان، وذاك الحق هو الرِّعاية الوجدانية .

الرعاية الوجدانية:
كثيرون هم الآباء الذين يشكون الجفاء أو العقوق من أبنائهم ، ولو حاول هؤلاء الأهل أن يرجعوا بالذاكرة إلى طفولة أبنائهم، لوجدوا أنفسهم مقصرّين بحق أبنائهم من ناحية الرِّعاية الوجدانية، وذاك حقٌّ للأبناء على الآباء لا يمكن إغفاله أو إنكار أثره على سلوكيات أبنائنا مستقبلاً. 
فهذا رسول صلّى الله عليه وسلّم يعلمنا كيف تكون الرعاية الوجدانية، حينما يقبّل الحسن بن علي رضي الله عنه ، فيقول الأقرع بن حابس : إنَّ لي عشرة من الولد ما قبَّلتُ منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله فقال: (( مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ)).
تذكري دوماً أنَّهم يتشوقون لحنانك، فلا تبخلي عليهم، بادري وستذهلك استجابتهم للعطاء بالعطاء ...

وأختم بقصة من أروع ما قرأت، تختصر الكثير ممَّا ذكرت:
قالت لصغيرها : إذا قرأت سورة الإخلاص عشر مرَّات بنى الله لك قصراً في الجنة.
وبدأ الطفل يقرأ وأمّه تردّد معه...
فالتفت إليها قائلاً : لا تقرئي، فسوف أسكنك معي...

 

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

إقرار أول قانون للحماية من العنف المنزلي في السعودية

قال مسؤول في مجال حقوق الإنسان إن السعودية أقرت قانونا مهماً يهدف إلى حماية النساء …