استثمار الفشل .. بوابة سريعة للنجاح

الرئيسية » بصائر تربوية » استثمار الفشل .. بوابة سريعة للنجاح
alt

ثمَّة حكمة بليغة تقول: "إنَّ الفشل ينبغي أن يكون معلّماً لنا وليس مقبرة لطموحاتنا وتطلعاتنا"، فالفشل فضاء شاسع يتسع لاستضافة عدد غير محدود من الناس الدَّائمين أو الزوَّار في منازله الموحشة بالمجان، وأبرز أعراضه الجانبية الإحباط، فكثير من الناس يفشلون، لكن تظل الأفكار السلبية تراودهم في أنَّهم لن يستطيعوا النجاح مرَّة أخرى، وتكون هذه بداية الهاوية التي تسقطهم في بحر الفشل.

ولو أنَّ الأنبياء والرُّسل استسلموا للفشل لما كان هناك أديان أخرجت الناس من الظلمات إلى النور، لكنَّهم واصلو الدَّعوة والجهاد وتحدّوا الصِّعاب والمؤامرات والدسائس التي تحاك ضدهم وضد دعوتهم حتّى حقّقوا هدفهم، وانتصروا انتصارا باهراً.

فكيف يكون الفشل بوابة النجاح، وكيف حوَّل العظماء فشلهم في البداية إلى نجاح عظيم بفضل عزيمتهم؟

ما هو الفشل؟
خبير التنمية البشرية د.ناصر أبو شعبان يعرّف الفشل في أبسط دلالاته بأنَّه "الإخفاق في تحقيق أهداف محدّدة مسبقًا، وهو يصيب الإنسان في حياته أو دراسته أو إدارته"، منوّهاً إلى أنَّ الفشل دائماً يثير الخوف والإحباط لدى الناس نظرًا لارتباطه بالعقاب الذي يتدرّج من التوبيخ والازدراء إلى العقوبات الماديّة والمعنويّة من جانب الآخرين".

وأضاف أنَّ سلسلة التجارب التي يمرّ بها الإنسان في حياته، يكون بعضها ناجحاً والآخر فاشلاً، لكن الفشل في منهج العظماء ليس هزيمة، وإنّما هو تأخُّر في تحقيق الهدف، وهو مرحلة يمكن تجاوزها، بشحذ الهِمم والعزائم والمبادرة بالسير في طريق النجاح.

أسباب الفشل ..
وشدَّد أبو شعبان على أنَّه لا يمكن تجنّب الفشل تمامًا، "ولكن عندما نعلم أسباب الفشل، يمكننا علاج تلك الأسباب وتحويله إلى نجاح"، موضحاً أنَّ علماء النفس وخبراء الإدارة حدَّدوا أسبابًا كثيرة للفشل؛ منها ما يتعلق بالفرد مثل ضعف الهمَّة وقلّة الخبرة، وتعجُّل النتائج والتسرّع .
الفشل ليس رذيلة كما يعتقد الكثيرون مادام لن يكون المحطة الأخيرة في التجارب التي يمرّ بها الأفراد والمؤسسات، بل يصبح الفشل فضيلة حين يكون دافعًا للنجاح
ومن أسباب الفشل أيضا-حسب أبو شعبان-إلى نقص القدرات والنمطية والخوف المرضي من الفشل وعدم الثقة بالنفس، "حيث يقع الفشل بلا شك حين يحدّث المرء نفسه بأنَّ قدراته ووقته وخبرته لن تمكنه من النجاح".

وأردف قائلاً:" كما أنَّ أسباب الفشل قد تتعلّق بالأهداف ذاتها؛ كأن تكون الأهداف مثلاً مشوّشة وغير محدّدة، أو تكون غير واقعية، كأن تضع إدارة مؤسسة ما هدفًا لإنجاز مشروع ما خلال (3) أشهر، في حين أنَّ الوقت اللازم لإنجاز هذا المشروع (6) أشهر مثلاً، كذلك يقع الفشل عندما تكون الأهداف روتينية لا ترتبط بالإثابة والتحفيز.

واستكمل حديثه بالقول:" ومنها ما يرتبط بالجماعات والقائمين على الإدارة أنفسهم، مثل النزاع وكثرة الخلافات، وقد حذرنا ديننا الحنيف من النزاع الذي يؤدّي للفشل {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}.

ولفت إلى أنَّ الإدارة تفشل عندما تتعدّد وتتضارب الأوامر والتوجيهات الصَّادرة للأفراد، أو عند تعدّد القيادات للعمل الواحد، كما تفشل حين ينقصها المنهج والتخطيط العلميان، وحين تسند الأمور إلى غير أهلها.

العظماء  والفشل ..
وأوضح أبو شعبان أنَّ العظماء والناجحين هم الذين يخرجون من تجربة الفشل أكثر صلابة وقوَّة، منوّهاً إلى أنَّهم يستفيدون من أخطائهم وفشلهم أكثر من استفادتهم من نجاحاتهم.

وأشار إلى أنَّ الضعفاء هم الذين ييأسون عندما يفشلون، ويعتقدون خطأً أنّهم لا يستطيعون أن يصنعوا شيئاً بعد الفشل، وأنَّ طريق النجاح مسدود، وتحقيقه من وجهة نظرهم مستحيل أو محدود.

وأضاف أنَّ العظماء لا يوجد في معجمهم كلمة اليأس، ولا يجد القنوط إلى نفوسهم سبيلاً، ولا الوهن إلى عزائمهم طريقاً، ومن ثمَّ فهم القادرون وليس غيرهم على أن يجعلوا من الفشل محاولة للنجاح.

علاج الفشل ..
ويرى الناشط في مجال التنمية البشرية أنَّ المنهج السَّليم لتحويل الفشل إلى نجاح يأتي بالمحاسبة والمراجعة لجوانب التقصير وتلافيها، وما يمكن أن نسمّيه "المنهج التحويلي" أيّ تحويل الفشل إلى نجاح، والذي يستلزم بدوره عدداً من المهارات، لعلَّ أبرزها الثقة بالنفس، والمعرفة الجيّدة بالقدرات والسّمات الشّخصية، والتعلم من خبرات الآخرين والقراءة الجيّدة لتجارب الناجحين".
العظماء لا يوجد في معجمهم كلمة اليأس، ولا يجد القنوط إلى نفوسهم سبيلاً، ولا الوهن إلى عزائمهم طريقاً، ومن ثمَّ فهم القادرون وليس غيرهم على أن يجعلوا من الفشل محاولة للنجاح
وفيما يتعلق بالعمل الجماعي، أشار أبو شعبان إلى أنَّه يتطلّب التوزيع الجيِّد للأدوار والمراجعة المستمرة للخطط التي تضعها الإدارة، وإعادة رسم الأهداف، وترك مساحة للأفراد من المحاولة للخطأ، بحيث تبرز مهارات الإبداع والابتكار، وتكون الإدارة قادرة على نزع الخوف من الفشل من نفوس العمال أو الموظفين.

وأردف قائلاً :" الإدارة تستطيع أن تصنع من فشل أحد عناصرها نجاحًا عندما لا تقتصر الإثابة والتحفيز على من ينفذون أعمالهم بشكل آلي روتيني خالٍ من الإبداع، بل عليها أيضًا إثابة من يمكنهم التحوّل من الفشل إلى النجاح وتجاوز الإخفاق."

نجاح الأنبياء ..
بدوره، يشير د. محمود عنبر أستاذ التفسير وعلوم القرآن في كلية أصول الدين في الجامعة الإسلامية بغزة إلى أنَّ الأنبياء عليهم السَّلام وهم صفوة الخلق لو شعروا بالفشل لكانت الدنيا في حال أخرى، لكنَّ الله عزَّ وجل ربَّاهم على العزائم القوّية، والهمم العالية، فعلمهم أن يصبروا إذا تأخر تحقيق الهدف"، مبيّناً أنَّه لم يتسرَّب أبداً إلى نفوسهم الإحساس بالفشل مهما تأخّر النَّصر وتحقيق الهدف.

وذكر عنبر على سبيل التمثيل لا الحصر نوحاً عليه السَّلام؛ والذي دعا قومه ألف سنة إلاَّ خمسين عاماً، فلم يؤمنوا، فكان يشكو إلى ربِّه عنادهم، لكنَّه لم يتخلَّ لحظة عن فكرته وتحقيق هدفه.

وأضاف أنَّ الإنسان جُبِل على المحاولة والخطأ والفشل أحياناً، "والفشل ليس رذيلة كما يعتقد الكثيرون مادام لن يكون المحطة الأخيرة في التجارب التي يمرّ بها الأفراد والمؤسسات، بل يصبح الفشل فضيلة حين يكون دافعًا للنجاح، على حدِّ تعبيره.
البطالة هي شكل من أشكال الفشل، ولكن بالدراسة وإيجاد الحلول المبتكرة تتحوَّل هذه المشكلة لطاقات متفجرة بقصص عديدة من النجاح، هذا ما حدث ويحدث في الصِّين التي سخّرت طاقاتها لخدمة المشروعات الصَّغيرة والمتوسطة التي تتيح للشباب فرص العمل
النجاحات  تنطلق من الفشل ..
ولفت عنبر إلى أنَّ السيرة النبوية وسيرة السَّلف الصَّالح تحوي العديد من التجارب التي حوّلت الفشل إلى نجاح؛ قائلاً:" في غزوة حنين عندما قارب المسلمون على الهزيمة بعد أن غرّتهم كثرتهم، لأنَّ الغرور هو أحد بواعث الفشل، ثبت النبيّ أمام أعداء الله، فنزل النبيّ، واحتمى به الصّحابة، ودعا واستنصر، وهو يقول‏:‏ ‏(‏أنا النبي لا كذب،‏ أنا ابن عبد المطلب‏،‏ اللهم نزّل نصرك‏)‏‏، فثبت المسلمون وحوّلوا الهزيمة إلى نصر والفشل إلى نجاح".

وأضاف أنَّ البطالة هي شكل من أشكال الفشل، ولكن بالدراسة وإيجاد الحلول المبتكرة تتحوَّل هذه المشكلة لطاقات متفجرة بقصص عديدة من النجاح، مشيراً إلى أنَّ ذلك ما حدث ويحدث في الصِّين التي سخّرت طاقاتها لخدمة المشروعات الصَّغيرة والمتوسطة التي تتيح للشباب فرص العمل.

البعد الإيجابي للفشل ..
وأوضح عنبر أنَّ الإنسان إذا نظر إلى الفشل كأمر طبيعي، ولم يضخمه في نفسه، فإنَّ عقدة خوف الفشل تتلاشى من قلبه، كما قال الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "قرنت الهيبة بالخيبة"، لافتاً إلى انه في بعض الأحيان يكون الفشل عنصر خير في حياة الإنسان، فهو الذي يكشف نقاط ضعفه، وينبهه إلى الثغرات الموجودة في عمله.

وأضاف أنَّ استمرار الإنسان في تحقيق المكاسب والانتصارات، قد يخلق في نفسه الغرور، ويضعف من اهتمامه بالتقدّم، ورفع مستوى العمل، وقد أشار القرآن الحكيم إلى هذه الحقيقة عند حديثه عن النكسة التي أصابت المسلمين في واقعة أحد بقوله تعالى: {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم}.

وختم عنبر حديثه بالقول :"علينا أن نعي جيّدًا أنَّ جميعنا قد يفشل في مرحلة من مراحل حياته، ولكن يمكننا أن نتعلَّم من هذا الفشل، و نعدُّه حلقة في سلسلة النجاح، وكما تقول الحكمة: "راحت السكرة وجاءت الفكرة"، فعلينا أن نخرج من سكرة الفشل والإحباط إلى الفكرة التي تصنع النجاح، ومن يتعلَّم من أخطائه، فسيقول: "وداعًا للفشل".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …