التخطيط لعام (2012) .. بداية صحيحة للانطلاق

الرئيسية » بصائر من واقعنا » التخطيط لعام (2012) .. بداية صحيحة للانطلاق
alt

مع بداية عام جديد، تقفز إلى الذّهن عشرات التساؤلات حول ما أنجزناه خلال العام المنصرم، وتساؤلات أخرى عمَّا يمكن أن ننجزه خلال العام القادم.

نلتفت للخلف، فنجد ما حققنا ليس إلاَّ إنجازات واهية بسيطة، فيتغلغل الإحباط إلى نفوسنا، ثمَّ ما نلبث أن نكتسب شحنة من التفاؤل والعزيمة، ونقرّر أنَّ العام القادم سيكون مختلفاً.

إلاَّ أن النتيجة تكون في الغالب هي هي، والسبب ليس لغزاً؛ إنَّه ببساطة  يعود إلى افتقاد حياتنا للتخطيط، وبعدنا عن تقييم المراحل المنصرمة من حياتنا.

لا بد من تقييم الإنجازات مع نهاية كل عام، من أجل الاستفادة من التجارب وتقليص الأخطاء والمعاناة التي قد تعترض حياة الإنسان، عملا بقول العالم "روسو" في هذا المجال : ''هناك طريقة وحيدة تجنب الإنسان العذاب هي إفادته من التجارب التي مرَّ بها'
فالتخطيط للحياة عند شبابنا وفتياتنا، ووضوح الرؤية والأهداف والأولويات تكاد تكون غائبة في ثقافتنا العربية، فغالبية شبابنا العربي لا يضع خططاً سنوية، وإذا وضعها، فإنَّه لا يلتزم بتطبيقها، لأسباب كثيرة؛ منها عدم واقعية الخطة، والبعض الآخر يخطط فقط عند الأزمات.

أهمية تقييم العام المنصرم
ما هو التخطيط؟ وما هي أهميته، سؤال عرضناه على المهندس مروان الدهدار مدرب التنمية البشرية، والذي عرَّف التخطيط بأنَّه عبارة عن "سيناريو تخيلي وفق سلوكيات وأهداف يسعى الفرد للوصول إليها وصولاً إلى أفضل استغلال لوجود الإنسان على هذا الكون".

وأضاف :" هذا السيناريو مرن قابل للتعديل والتطوير وتوجيه المسار بربطه مع التخطيط للحياة الأخرى بعد الموت لأنَّ الحياة الأولى اختبار، ويكمن النجاح في حسن استغلالها".

وأوضح أنَّه لا بد من تقييم الإنجازات مع نهاية كل عام، من أجل الاستفادة من التجارب وتقليص الأخطاء والمعاناة التي قد تعترض حياة الإنسان، مستدلاً على ذلك بقول العالم "روسو" في هذا المجال : ''هناك طريقة وحيدة تجنب الإنسان العذاب هي إفادته من التجارب التي مرَّ بها''.

يردف الدهدار  قائلاً :" كثير من الشباب عندما تسأله عن هدف مهم وقريب المدى في حياته، يجيبك بما يخطّط له كالتخصص في الجامعة أو الوظيفة، فتفاجأ أن ذلك الشخص هو ذاته لا يدري ماذا يريد أن يفعل، فالصُّورة الذهنية أمامه تبدو ضبابية ليس للظروف المحيطة – كما يستغلها البعض حجة - وإنَّما للانعدام الواضح في القدرة على التخطيط الجاد والعملي".

الجهل بأهمية التخطيط
يؤكّد مدرب التنمية البشرية أنَّه لا بد من رسم الاحتمالات الممكنة والمتكيفة مع المعطيات الواقعية، وبالتالي تحديد الأهداف تمشيا مع هرمية الأهم، فالمهم، مشيراً إلى أنَّ المجتمعات العربية كثيراً ما تعاني من سوء المحكات على المستوى الفكري، حيث تعدّ الإنسان العقلاني هو الذي يستطيع أن يعالج مشكلته حين تقع، بينما محك الفكر العقلاني في الدول المتقدمة صناعياً وتكنولوجياً هو كيف يفكّر الفرد في أن يتلافى وقوع المشكلة.

ونوَّه الناشط في مجال التنمية البشرية إلى أنَّ الشعوب العربية لا تخطّط حتى لأهدافها البسيطة، ليس لقصور عقلي فيها، وإنَّما لعدم قناعة العقل العربي بأهمية التخطيط الإيجابي كعملية جوهرية تمسّ حياة الإنسان ومستقبله، مبيّناً أنَّ الكثير من الشباب يكونون عرضة لتكرار مواقف الفشل في حياتهم ومن ثم يصابون بالإحباط.

وشدَّد الدهدار على أنَّ تقليل الفرد من أهمية التخطيط السَّليم لحياته يجعله يعيش داخل أحد محورين؛ الأول: هو أن تكون حياته تقليدية يقتلها الرّوتين ويقتله أيضاً، والثاني: هو أن تكون حياته عرضة كبيرة للمصادفة، فتظل الأحداث تأخذه يميناً ويساراً، وبالتالي يضطر أن يتكيف مع صدمات الصدف التي تمر به وتفرض نفسها عليه.
الشعوب العربية لا تخطّط حتى لأهدافها البسيطة، ليس لقصور عقلي فيها، وإنَّما لعدم قناعة العقل العربي بأهمية التخطيط الإيجابي كعملية جوهرية تمسّ حياة الإنسان ومستقبله

خطوات عملية
ويشير الدهدار إلى عدَّة خطوات عمليَّة تساعد في نجاح الخطط قائلا :" أولًا يجب وضع الخطة السنوية بمعنى تحديد الأهداف المرحلية التي يمكنك إنجازها خلال سنة واحدة في جميع جوانب حياتك المختلفة، ثمَّ تحدد الإجراءات والخطوات التنفيذية، التي يتعين عليك اتِّخاذها؛ للاقتراب من تحقيق أهدافك المرحلية خلال تلك السنة".

وأردف قائلا:" أمَّا الخطوة الثانية، فتكمن في أن تضع بعد ذلك خطة شهرية؛ للسير في تنفيذ تلك الإجراءات المرحلية، التي وضعتها في خطتك السنوية بحيث تتابع يوميًّا مدى تقدّمك نحو هدفك، لأنَّ مجرّد كتابة القائمة الأسبوعية لتنفيذ بعض الأشياء يزيد من الإنجاز إلى حد 30%".

وأضاف أنَّ الخطوة الثالثة هي وضع خطة الأسبوع " فلابدَّ من جلسة أسبوعية لك مع نفسك تستغرق حوالي ساعتين، وحبّذا أن تكون يوم العطلة الأسبوعية، وتضع خلال هذه الجلسة جدول الأسبوع القادم، وخطتك فيه لتنفيذ أهدافك".

جدول المواعيد
وأكَّد الدهدار أنَّ القاعدة الرَّئيسة تبدأ بوضع الأهداف ذات الأهمية القصوى بالترتيب في جدول مواعيد الأسبوع، فتضع أهم أنشطة الأسبوع أولًا في جدول المواعيد، ثمَّ الذي يليه، وهكذا حتى تطمئن أنَّ أهم أنشطة الأسبوع قد تم تغطية مواعيدها بالكامل، ثمَّ تضع بعد ذلك المواعيد الأقل أهمية.

وذكر أنَّ عملية التخطيط "يجب أن تكون طَوْع بنانك، وليست آمرة لك، ولمّا كانت خطتك مؤتمرة بأمرك، كان لزاماً أن تكون مفصلة وفق أسلوبك، وحسب احتياجاتك، وطبقًا لطرقك الخاصة، ولذلك احرص دائمًا على أن تُشَكِّل خطتك على أساس أهدافك، وليس العكس".

ونصح الدهدار الشباب قائلا‏:‏ "لا تنسي أن يكون من ضمن أهدافك التغلب علي أي جوانب سلبية في حياتك مثل ضغوط الحياة أو الحزن أو القلق وتقوية الجوانب الإيمانية مثل تقديم العون أو المساعدة لمن يحتاجونها من المحيطين أو جلب السعادة إليهم لأن هذا سينعكس عليك بالرضا النفسي‏".‏

أسباب غياب التخطيط
من جهته، يعتقد د. وليد شبير  الاختصاصي النفسي أنَّ أسباب تقصير الشباب في قضية تخطيطهم لحياتهم ترجع لغياب الأهداف والتطلعات الكبيرة.
خطتك يجب أن تكون طَوْع بنانك، وليست آمرة لك، ولمّا كانت خطتك مؤتمرة بأمرك، كان لزاماً أن تكون مفصلة وفق أسلوبك، وحسب احتياجاتك

يضيف شارحاً:" حينما يعيش الإنسان من دون أهداف واضحة في حياته، وبلا تطلعات نحو الأفضل، فإنَّه يصاب بعدم الفاعلية، والقناعة بالواقع الذي يعيشه، وهذا يدفعه نحو عدم التفكير بالمستقبل، ومن ثمَّ عدم التخطيط له".

يكمل :" عدم الشعور بالمسؤولية يدفع الشباب لعدم التفكير بأهمية التخطيط للمستقبل، بل قد يعدّ ذلك نوعاً من الترف الثقافي أو العبث الذي لا ينبغي تضييع الوقت فيه، بالإضافة إلى المفاهيم الخاطئة التي تؤدِّي إلى القيام بسلوكيات خاطئة، وهذه المفاهيم ناتجة من ثقافة جامدة، أدَّت إلى تكريس مفاهيم غير صحيحة في أذهان كثير من الناس".

ويوضح شبير أنَّ بعض الشباب يبقى منزوياً عن الدنيا، يعيش في حالة يرثى لها بحجة التفكير في الآخرة والابتعاد عن الدنيا، ممَّا يدفعه لعدم التفكير في ترتيب حياته الدنيوية، وعدم التخطيط لمستقبله.

وبيَّن شبير أنَّ التخطيط للحياة لا يضمن لنا التحكم في الواقع إلاَّ أنَّه يضمن التحرك والمضي قدماً في تحقيق بعض أهدافنا، "وكلّما سرنا في طريقنا نحو تنفيذ خططنا كلما تفتحت آفاقنا على مصادر جديدة علينا أن نستخدمها، وفرص مهيأة علينا أن ننتهزها".

وأشار إلى أنَّ الشخص الذي لا تكون لديه فكرة عما سيفعله يكون مثل "البالون" الذي طار من يد صاحبه قبل أن يحكم ربطه، فتجده يتطاير يميناً ويساراً إلى أن يستقر بشكل عشوائي في أيّ مكان حيث يهمله الجميع ولا يلقون له بالاً.

وذكر شبير أنَّ التخطيط للحياة كان منذ زمن الرسول صلَّى الله عليه وسلّم، حيث قال: ((لا يُلدَغ المؤمنُ من جحر مَرَّتين)). (رواه البخاري ومسلم).

كما أنَّه ظهر منذ بزوغ فجر الإسلام، فهجرة الرَّسول كانت قائمة على التخطيط المسبق لاختيار المدينة المنوّرة موقعاً للعمل الجديد الذي وضع خطة له تسير عليها الدَّولة الإسلامية الوليدة، وذلك سعياً وراء هدفٍ سامٍ؛ وهو إعلاء كلمة الله ونشر هذا الدِّين الإسلامي.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • التخطيط
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
    صحفية فلسطينية مقيمة في قطاع غزة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والاعلام من الجامعة الاسلامية بغزة عام 2011م، وكاتبة في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "الشباب" الصادرة شهرياً عن الكتلة الاسلامية في قطاع غزة. وعملت في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية أبرزها صحيفة فلسطين، وصحيفة نور الاقتصادية، وصحيفة العربي الجديد.

    شاهد أيضاً

    من عوامل ثبات أهل غزة

    قال تعالى: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم …