لقي عرب فلسطين المحتلة عام 1948 الويلات على يد الاحتلال الصهيوني، حيث حاول في البداية إبادتهم وتهجيرهم، وحينما عجز قرَّر غزوهم ثقافياً وفكرياً، وحرفهم عن دينهم وقوميتهم.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف، حشد اليكان الصهيوني إمكانياته عبر خطط مدروسة، ساعية لخلق جيل فلسطيني هجين لا يعرف عن وطنه سوى اسمه، ولا همَّ له سوى البحث عن متاع الدنيا وإدمان الشهوات.
لكن الوقائع على الأرض تثبت اليوم أنَّ كلَّ مخطَّطات الاحتلال قد فشلت، فها هو الشعب الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة عام 1948 يثبت صدق انتمائه لهذه الأمَّة، وهذا الشعب، وهذا الدِّين بكلِّ السبل والوسائل كافة.
وممَّا يفرح القلب ويثلج الصَّدر ما نراه من إقبال فئات المجتمع وخاصة الشباب على التمسك بكتاب الله وسنة النبيّ عليه الصَّلاة والسَّلام، مع كثرة المحاضن التربوية التي تحتضنهم، وسعى الدّعاة والحركة الإسلامية في الداخل المحتل، إلى توعيتهم بأهمية قضيتهم والدفاع عنها، ومواجهة أولئك الطغاة الذين يتربصون بهم لدمجهم في مجتمعاتهم، وسلخهم عن هويتهم العربية الإسلامية.
فما هو واقع العمل الدَّعوي في الأراضي المحتلة عام 1948؟ وما هي أبرز التحدّيات التي تواجه الدُّعاة والإسلاميين هناك؟
وماذا عن مشروع العدو الصهيوني في منع الآذان عبر مكبّرات الصوت؟ وهل تأثّر العمل الدَّعوي سلباً في ظل وجود الاحتلال؟
وما حقيقة المزاعم بأنَّ بعضَ العرب يتطوَّعون للتجنيد في جيش الاحتلال المجرم.
هذه الأسئلة وغيرها أجاب عليها نائب رئيس الحركة الإسلامية في أراضي عام 48، الشيخ كمال الخطيب، في حواره لموقع "بصائر"، فإلى نصّ الحوار:
بصائر: بداية، هل لك أن تطلعنا على واقع العمل الدَّعوي في أراضي ال48، وما تقييمك لأوضاع المؤسسات الإسلامية وعملها سواء في المساجد أو المدارس أو المؤسسات العامَّة؟
كمال الخطيب: النشاط الإسلامي والعمل الدَّعوي العام في أراضي ال48 نشاط مبارك ومتسع ويمتد على طول الوطن الفلسطيني من أقصى النقب جنوباً وحتى الجليل شمالاً، ولا أتردَّد بالقول: إنَّ العمل الدَّعوي والنشاط الإسلامي هو الأكثر حضوراً، والعاملين فيه في مقدّمة الصفوف.
وبالنسبة للمساجد وانتشارها وامتلائها بالشباب فحدِّث ولا حرج؛ فهي مكتظة بالمصلين وخاصة من فئة الشباب، كما أنَّ هناك تميّزاً بشكل لافت في المدن السَّاحلية التي أريد لها أن تطمس كاللّد والرّملة وحيفا؛ فهي تعجّ بالمصلين على الرغم من أنَّ المؤسسات الصهيونية أرادت أن تجعل تلك المدن مسخاً من الفلسطينيين، وأن تنفرد بها بأعمالهم النجسة والخبيثة.
وعلى صعيد المؤسسات الإسلامية التي تقوم عليها جمعيات تابعة للحركة الإسلامية وغيرها، فالحضور كبير، وأنا أطمئن الأمَّة الإسلامية والعربية أنَّ أراضي ال48 تشهد وعياً ويقظة خاصة من فئة الشباب، والأمر لا يختلف بالنسبة للمؤسسات التعليمية والإعلامية والاجتماعية والإغاثية، فالنشاط الدَّعوي في أراضي ال48 يملأ الوطن على كافة المستويات.
بصائر: لكن، ألا ترى أنَّ العمل الدَّعوي يتأثر سلباً في ظل هذه الأجواء من وجود الاحتلال ومخططاته لسلخ العرب عن هويتهم الأمر الذي يساهم في تراجع الوعي الديني للمسلمين في المنطقة؟
كمال الخطيب: بالتأكيد لا، فالعمل الدَّعوي لم يتأثر سلباً، وأنا أتعامل في الداخل كنظرية الفيزياء التي تقول: إنَّ (لكلِّ فعل ردّ فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه)، فكلَّما يزداد الضغط من المؤسسة الصهيونية سواء من سنّ قوانين جائرة، ومنع للآذان، ومنع الاحتفال بإحياء ذكرى النكبة وغيرها من القوانين التي تمنعنا من أدنى حقوقنا، كل ذلك يورث ردود فعلٍ أكثر تمسكاً بالهوية الدينية والعربية.
ونحن نشهد إقبالاً منقطعَ النَّظير وحضوراً لافتاً من الشباب، لأنَّهم يرون أنَّ الممارسات الصهيونية لا يمكن مهاجمتها إلاَّ بزيادة الانتماء والتمسك بالعقيدة الإسلامية.
بصائر: ما هي أبرز التحدّيات التي تواجهكم كدعاة وكإسلاميين في أراضي ال48؟ وكيف تتعاملون مع تلك التحديات؟
كمال الخطيب: التحديات كبيرة، فنحن نواجه التضييق اليومي من سنّ قوانين مجحفة بحقنا؛ مثل منع رفع الآذان عبر مكبّرات الصَّوت وملاحقات للقادة، ومنع دخولنا للقدس مع انتشار واسع للجواسيس.
بالإضافة إلى حملات الاعتقالات والتحقيقات والاستدعاءات للشباب والتخويف، وإغلاق المؤسسات التي تنشط في الساحة الفلسطينية، والتضييق في الحصول على التراخيص، وكلّه في سبيل كتم صوتنا.
أمَّا بالنسبة لردنا على تلك التحديات، فهو مزيد من العطاء والتواصل وتكثيف نشاطاتنا ومزيد من المؤسسات الإسلامية والدّفاع بكافة الوسائل الدعوية.
وأوّد أن أقول: إنَّ هذا العطاء والبذل لا يقتصر على الرِّجال والشباب فقط، بل يتسع ليشمل النساء من خلال المؤسسات الدَّعوية النسائية ونشاطها المتمثل بإقامة المهرجانات والمعارض والزيارات سواء الفردية أو الجماعية، وكل ذلك أثره ملموس اليوم على أرض الواقع من انتشار للحجاب بشكل موسَّع وخاصة في المدارس.
بصائر: يقال دائما: إنَّ التجديد سببٌ رئيسٌ من أسباب النَّجاح في جميع المجالات ولا شكَّ أنَّ مجال الدَّعوة إلى الله واحد من هذه المجالات التي تتطلب تنوعاً في الوسائل وتجديداً في أساليب العرض، بهذا الصَّدد هل تضعون خططاً معينة تسيرون عليها في عملكم الدَّعوي تعتمد على التجديد؟
كمال الخطيب: إذا كان أهل الباطل يتفنَّنون ويبدعون ويخطّطون وهم على باطل، أليس حريٌّ بنا أن نبدع ونطوّر؟ بالتأكيد الجواب بلى.
وأنا أقول: إنَّ هناك من يقف على استمرارية الأداء وتطوير القدرات، وهذا نتاج لقناعاتنا بأنَّ الإسلام هو الحل، وأنَّ ما يحصل عموماً هو انتصار للحركات الإسلامية في ظل الثورات العربية، وكلّه يصب في مصلحة الدَّعوة الإسلامية.
ونحن على يقظة تامَّة بأنَّ التجديد في العرض والأساليب له دورٌ كبير في نجاحنا وتحقيقنا لأهدافنا، ونعلم علم اليقين بأنَّ العدو الصهيوني يخصِّص مجموعات عملها الوحيد هو التفكير والسَّعي وراء القضاء علينا وعلى دعوتنا.
بصائر: بما أنَّ الآذان هو النداء الجليل الذي يربط الأرض بالسَّماء خمس مرات في اليوم، والذي يهزّ وجدان المؤمنين على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم، فإنَّ العنصرية الصهيونية لا تريده أن يرتفع من الأرض التي استولت عليها بالقوَّة، لو تحدّثنا عن مشروع العدو الصهيوني في منع الآذان عبر مكبّرات الصوت في أراضي ال48؟ وكيف تعاملتم مع هذا القرار؟
كمال الخطيب: إلى الآن لم يتم سنّ هذا القانون ولا تشريعه، وهو مقدّم من حزب (يسرائيل بيتينو) الذي يترأسه وزير الخارجية المتطرف أفيغدور ليبرمان، وذلك أعقاب شكوى من جارة والدة أفيغدور ليبرمان التي تسكن في نفس الحي الذي يوجد فيه مسجد محمد الفاتح.
وحقنا واضح، فقد قمنا بنشاطات الأسبوع الماضي لتحذيرهم من تطبيقه على أرض الواقع، وأريد القول: إنَّ هناك أصوات إسرائيلية طالبت بعدم سنّه، لأنَّه سيزيد من حدَّة الصِّراع والشحن الديني.
لكن قامت قوات كبيرة من وحدات الشرطة وشرطة وزارة البيئة قبل أسبوع باقتحام مسجد "محمد الفاتح" في يافا، وقامت بنزع ومصادرة مكبّرات الصَّوت التَّابعة للمسجد تحت تبرير الإزعاج.
لكن هذه الخطوة الاستفزازية أثارت غضب وسخط أهالي المدينة، وبعد أقل من ساعة على ما حدث عادت مكبّرات الصّوت وجلجل صوت "الله أكبر" من جديد، ليسمع في كافة أنحاء المدينة.
وتلك الخطوة غير مستهجنة من المؤسسة الإسرائيلية التي تسعى في الآونة الأخيرة لشرعنة قوانين فاشية عنصرية من ضمنها منع رفع الآذان كما عرض مؤخراً، لكن هذا لن يثنينا عن مواصلة رفع الآذان، فقد سبق ومنع الآذان عام النكبة، وعاد ليرفع وسيبقى يرفع بإذن الله، والفئة الكافرة التي تسعى لمنعه سترحل، ويبقى الآذان إن شاء الله .
بصائر: قلت سابقاً : إنَّ وجود الاحتلال لم يساهم في تراجع الوعي الديني لدى المسلمين في أراضي ال48، فماذا عن الفتاة "موناليزا عبده" (19 عاماً)، وهي أوَّل فتاة من عرب ال48 تتطوَّع للتجنيد في دولة الاحتلال؟
كمال الخطيب: هؤلاء هم حثالات من أبناء شعبنا، وهذه ليست ظاهرة على الإطلاق، وكما قلت هي أوَّل فتاة، ولم يحدث وأن سبق وتطوّعت فتاة للتجنيد عندهم، لكنَّه سبق وعمل شبان دروز، ومسيحيون للخدمة بالجيش، ولكلِّ قاعدة شواذ.
لكن فيما يخصّ الشبان العرب من مسلمين ومسيحيين فهم أكثر حرصاً على دينهم وعقيدتهم وأرضهم.
أقول للعرب والمسلمين في كافة أصقاع الأرض أن يطمئنوا، لأنَّ أهل الدَّاخل يحافظون على الأرض ويعلمون قيمتها وقدسيتها، وهم أصلب عوداً، ولن ينال منهم شيء، وهذه الأرض كانت ومازالت عربية إسلامية، وستبقى إن شاء الله.