“المرحلة الابتدائية”.. للأذكياء فقط!

الرئيسية » بصائر تربوية » “المرحلة الابتدائية”.. للأذكياء فقط!
alt

تعدُّ المرحلة الابتدائية من أخصب أوقات التلقي والتأثير لدى الطفل، وهي المرحلة المثالية لغرس الخصال الحميدة؛ حيث يتسم الطفل بهذه المرحلة بالقدرة المذهلة على التلقي والاكتساب.

لذلك وجب التركيز على طبيعة المناهج التربوية التي تدرس خلال تلك المرحلة، كونها تؤثر في صياغة شخصية الطفل، كما يتوجّب اختيار المعلّم الجاد في تعامله مع الطلاّب المتحبّب إليهم، الذي يغرس في نفوسهم المبادئ العالية والقيم التربوية الرّفيعة، ويكون قدوة حسنةً لهم.

كما يجب أن تبتعد مضامين المناهج عن الدراسة النظرية المملّة دون التطبيق العملي.

وللتعرّف على طبيعة المناهج التربوية في المرحلة الابتدائية، ومدى صلاحيتها لخلق جيل قادر على تحقيق النهضة في ظل منهاج يعاني منه الطلبة، حاورت "بصائر"عدداً من المدرسين والمختصين في الشأن التربوي والتعليمي.

مناهج قاسية ..
تقول السيّدة أم نائل اليازجي (32 عاماً)، إحدى الأمهات اللاَّتي يعانين من الانعكاسات السَّلبية المترتبة على المنهاج:"إنَّ المنهاج صعب وطويل، بحيث لا يقدر أبنائي على استيعابه بالدرجة المطلوبة كالعلوم والتكنولوجيا "معربة عن أسفها لما يقوم به الأساتذة من حل بعض المسائل، و ترك الجزء الأكبر على الطلبة في البيت".
إذا أردت أن تعرف مستقبل الأمَّة، أدخل على صفوف المدرسة أو الجامعة وأنظر كيف يتعلمون؟ هل يتعلمون بطريقة عقلانية؟ هل يتعلمون بطريقة توظف المعلومات بإعمار المجتمع؟
وأكدت أنَّ المنهاج الفلسطيني تمَّ إعداده للطلاب الأذكياء كونه يفوق قدرة ومستوى الطالب العادي.

أمَّا أمجد أبو حصيرة (36 عاماً) قال:" إنَّ المنهاج أكبر من طاقات الطلاب، والمواد الدراسية طويلة، وتغيب التطبيقات العملية لبعض المواد كالتكنولوجيا وغيرها، كما أنَّ نسبة كبيرة من المعلّمين غير مؤهلين، وأنا لا أضع اللَّوم عليهم لأنَّهم ضحايا منهاج صعب مثل الطلاب تماماً، لكنّي ألوم وزارة التربية والتعليم الصَّامتة على هذه المعاناة".

وأضاف " الأسبوع الماضي عاد ابني من المدرسة، وهو في الصَّف السَّادس الابتدائي، وكانت علامات التذمر والغضب بادية على وجهه، وعندما سألته عن السبب؟ قال : إنَّ أستاذه يتعامل مع الطلاب بشكل سيّئ، وينعتهم بالتخلف والغباء، ويرفض الإجابة على أسئلة الطلاب داخل الفصل، على الرَّغم من أنَّه لا يؤدِّي واجبه بالشّكل الصَّحيح.

ودلل على ذلك بأنَّه لا يعطي للمادة حقّها ولا يدرس في المدرسة الطريقة نفسها التي يدرس بها في الدروس الخصوصية لطلابه، رغم كون الطلاب هم أنفسهم في الحالتين".

موقف المعلّمين ..
متفقة مع آراء أولياء الأمور، أوضحت المعلّمة أحلام سرور؛ إحدى مدرسات المرحلة الابتدائية أنَّ "الكم" في المنهاج يطغى على "الكيف"، الأمر الذي يجعل المعلم عاجزاً عن إعطاء المادة حقّها من الشرح والتطبيقات العملية، منوّهةً إلى أنَّ الوضع المتردّي أمنياً واقتصادياً واجتماعياً يؤثّر على استيعاب الطلبة للمواد الدِّراسية.

وانتقدت سرور المنهاج بقولها:" الكم كبير جدّاً، والمضمون يتكرَّر من وحدة لأخرى، ونحن كمدرسين نعدُّ ضحايا هذا المنهاج مثلنا مثل الطلاب، فالكم الكبير يدفعنا للجلوس لساعات طويلة من أجل التحضير، ومحاولة تبسيط المعلومات حتى يستطيع الطلاب استيعابها.

وبدوره، قال الأستاذ خالد مكي:" نحن كمدرسين نزيد كمية الواجبات على الطلاب حتّى ندفعهم لمتابعة ما يأخذونه خلال الحصة، ومراجعة دروسهم أوّلاً بأوَّل".

ويضيف": نحل داخل المدرسة نجيب على بعض الأسئلة والنماذج أمام الطلاب، ولا نستطيع الإجابة على كل الأسئلة نظراً لضيق الوقت وطول المنهاج".

وأشار إلى أنَّه على الرغم من صعوبة المنهاج إلاَّ أنَّهم يقومون بتبسيطه بكل ما لديهم من وسائل.

أهمية المناهج  ..
من ناحيتها، قالت د. فتحية اللولو أستاذة التربية في الجامعة الإسلامية بغزة:" إنَّ المناهج تمثل مستقبل الأمَّة، ونعني بها الآليات التربوية التعليمية والمضامين العلمية التي تُعطَّى للأفراد لتكوين شخصياتهم المتكاملة، وتكوين شخصية الأمة والمجتمع".
مدرس: لا نستطيع الإجابة على كل الأسئلة نظراً لضيق الوقت وطول المنهاج
وأضافت "إذا أردت أن تعرف مستقبل الأمَّة، أدخل على صفوف المدرسة أو الجامعة وأنظر كيف يتعلمون؟ هل يتعلمون بطريقة عقلانية؟ هل يتعلمون بطريقة توظف المعلومات بإعمار المجتمع؟

وأوضحت اللولو أنَّ المنهاج يصلح لخلق جيل قادر على تحقيق النهضة، لكن بشرط أن يصاحبه مدرسين ذوي خبرات وكفاءة عالية، يخرجون عن جمود الإطار النظري إلى العملي المحبّب إلى نفوس الطلاب والمقرّب إليهم، وبأسلوب يصاحبه الامتاع والتشويق .

وأضاف :"المنهاج الفلسطيني يحاول أن يقدّم للطفل الفلسطيني المعرفة بكافة أشكالها ومواضيعها، بالإضافة إلى تدريب المتعلّم على أساليب البحث العلمي، والتفكير النّقدي الأمر الذي ينزعج منه بعض الطلاب، لأنَّهم اعتادوا على التعلم بالتلقين دون البحث".

واستدركت قائلة:" لكن ذلك لا ينفي أنَّ عملية وضع المنهاج الفلسطيني صاحبها كثير من الأخطاء، إذ أنَّها لم تقم على أسس علمية، بتجاهلها لدراسة خصائص الطفل الفلسطيني، وإعداد المعلّم، وتجهيز المدارس بالإعدادات اللاّزمة لتنفيذه، وتحديد فلسفة محدّدة للتعليم.

وقد وصفت اللولو المنهاج بأنَّه مجموعة من الدروس النموذجية التي لا تخلو من الأخطاء، مشيرةً إلى أنَّ ذلك هو سبب الصعوبات التي يواجهها الطلاب في أراضي السلطة الفلسطينية.

إحباط ..
بدوره، أوضح الأخصائي الاجتماعي د. درداح الشاعر أنَّ المدرّس خاصة في المرحلة الابتدائية يرهق الطالب بكثير من الواجبات التي تدخل من باب الأنشطة التعليمية التي يظن أنَّها تعد الطالب إعداداً جيّداً، وهي جزء من الموقف التعليمي، لكنَّها لا بد أن لا تثقل كاهل الطالب وتكون لها نتائج محدّدة.

وأضاف " في كثير من الأحيان يودّ المعلم إشغال الطالب إلى حدّ كبير من يومه، حتى تزيد من قدراته التعليمية، لكن ذلك يؤثر سلباً على نظرة الطفل، فيصيبه الملل والإحباط والكره للمدرسة بسبب سوء التدريس وغياب التشويق والإمتاع في التعليم، والاعتماد بشكل كبير على الحفظ والتعليم النظري الجاف، والمعاقبة مثلا بنسخ الدرس عن ما يزيد عن 10 مرات".

ونوَّه الشاعر إلى أنَّ المدرسين أصبحوا يعتمدون على أهالي الطلاب بصورة كبيرة جدّاً، ويطلبون منهم التدخل على الرَّغم من أنَّ وظيفة الأهل هي الإشراف والمتابعة والمحاسبة وليس التعليم، لكن أن تقوم الأسرة مكان المعلم، فهذا غير منطقي، على حدِّ تعبيره.

وأشار إلى أنَّ الملاحظ من المدرّسين أنَّهم يلقون كاهل التعليم على الأهل، ويحملون الطالب وأسرته مسؤولية النجاح والفشل على الرَّغم من أنَّهم مقصرّون ولم يقوموا بواجبهم.
خبير: المدرسون أصبحوا يعتمدون على أهالي الطلاب بصورة كبيرة جدّاً، ويطلبون منهم التدخل على الرَّغم من أنَّ وظيفة الأهل هي الإشراف والمتابعة والمحاسبة وليس التعليم
الأهل محبطون
ويؤكِّد الشاعر أنَّ العلوم متغيّرة ومتطوّرة بشكل مستمر، الأمر الذي يجعل الأهالي خاصة الذين لم يتموا تعليمهم الجامعي، يفشلون في تدريس أبنائهم، مما يولد للأسرة شعور بالفشل، ويدفعها للبحث عن مدرس خصوصي، مبيّناً أنَّ هذه الفجوة تعود للعلاقة السيّئة بين المدرسة والأسرة. 

وأوضح الشَّاعر أنَّه في كثير من الأحيان لا تستطيع بعض الأسر توفير مدرّس خصوصي نتيجة للمستوى المادي السيّئ، فتشعر الأسرة بالعجز والإحباط، وتقول: إنَّه ليس للطفل إلاَّ الفشل، والخروج من المدرسة، وتعلّم مهنة معينة.

وقال الشاعر :"ينبغي على واضعي المناهج التربوية أن يعتمدوا على أصول فلسفية وعلمية ومنطقية تراعي خصوصية المجتمع الفلسطيني، وحالات الحصار الاقتصادي والثقافي، كما يجب أن يعدّ المعلم إعداداً جيّداً، بحيث يكون قادر على توصيل المعلومة للطالب بشكل مبسط".

وختم الشاعر حديثه بالقول :" هذه المناهج ليست إلهاً يعبد، إنَّما هي خاضعة للتغيير، وإذا أدركنا أنَّ فيها بعضَ النواحي الخاطئة، فينبغي أن نغيّرها، فهي عبارة عن كائنات حيَّة تتطوَّر مع تغيّر الأنماط الثقافية، ويجب أن تواكب روح العصر وواقع المجتمع".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

لا تنظيم بلا التزام: كيف نحمي صفنا من الداخل؟

لا يمكن لأي مؤسسة أو شركة أو حتى جمعية صغيرة أن تحقق النجاح والاستمرارية ما …