التمهل والتأني، أمور أساسية في تحقيق التميّز والإتقان، ورغم ذلك فالكثير من الناس لا يُعيرون لهما أيَّ اهتمام في مجالات حياتهم المتعدّدة، مفضّلين العجلة والسرعة بدافع استغلال الوقت، وعدم تضييعه، أو فوات الفرص إلى غير ذلك من المبرّرات.
وقد بيّن الشارع الحكيم أنَّ الإنسان عجول بفطرته، فقال سبحانه : {خلق الإنسان من عجل}، ويقول في آية أخرى : { وكان الإنسان عجولاً}. وهاتان الآيتان الكريمتان تبيّنان حقيقة النفس الإنسانيّة التي تحب العجلة والسّرعة وعدم التأني والتمهل في كلِّ ما تريد من أمور حياتها.
إنَّ الإنسان الناجح المتميّز، لابد وأن يربّي نفسه على التأني والتمهل في تنفيذ الأمور، وإنجاز المشاريع والأعمال، بحيث يزيّنها بالتفكير والدراسة، والنظر والمشاورة، ولا يطلق العنان لنفسه لتسيّره على هواها، فتهوي به نحو الفشل والإحباط.
إنَّ التعجّل والتّسرّع يتنافيان مع التمحيص والدراسة والتفكير، الذي ينبغي أن يتوفر قبل الإقدام على أي عمل، ناهيك عن كونهما تغليباً للأهواء البشرية على حكمة العقل، وصبغ للتصرفات بالتهوّر واللامبالاة، وعدم النظر إلى مآلات الأمور ونتائجها، وهما لا يختصان بأمر دون آخر، بل يشملان كافة مجالات الحياة، ابتداءً من حياة الفرد الخاصة، وانتهاءً بتلك المتعلقة بمصير الأمم والشعوب، والأحزاب والجماعات وغيرها.
إنَّ الإنسان الناجح المتميّز، لابد وأن يربّي نفسه على التأني والتمهل في تنفيذ الأمور، وإنجاز المشاريع والأعمال، بحيث يزيّنها بالتفكير والدراسة، والنظر والمشاورة، ولا يطلق العنان لنفسه لتسيّره على هواها، فتهوي به نحو الفشل والإحباط.
والتأني والتمهل وما شابههما من أمور، قد حثَّ عليهما الرَّسول الكريم، صلَّى الله عليه وسلّم، فقال ذات مرَّة للأشج عبد القيس : (( إنَّ فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة)). (رواه مسلم) .
والأناة المطلوبة، تمتاز بالتثبت والتمهل والبعد عن التعجل والتسرع، لما للتعجل والتسرع من عواقب سلبية وخيمة. قال العلامة المناوي رحمه الله : (العجلة تمنع من التثبت والنظر في العواقب وذلك مُوقع في المعاطب وذلك من كيد الشيطان ووسوسته).
وقد ورد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: (لا يزال المرء يجتني من ثمرة العجلة الندامة).
وقد كثرت أقوال الحكماء في الحثّ على التأني والتمهل، والبعد عن التسرع والتعجل، منها:
- من أسرع في الجواب حاد عن الصَّواب.
- في التأني السَّلامة وفي العجلة الندامة.
- من تأنّى نال ما تمنّى.
ويقول أحد فلاسفة الألمان (لوثر سايفرت) : إنَّ من يضبط سرعته لا يصبح أبطأ، بل يضمن تحسين عمله من حيث الجودة والفعالية، وكذلك تحسين حياته الخاصة، وبلوغ المزيد من السعادة.
بين التأني والتباطؤ..
هناك فرق بين التأني المعتمد على البحث والتقصي والنظر والمشاورة، وبين ذاك الذي سببه الكسل وعدم وجود الحرص والدافعيّة لإنجاز الأعمال وتحقيق التكاليف المطلوبة.ليس التأني الذي أتكلَّم عنه، هو ذاك التباطؤ الذي يحول دون تحقيق الإنجاز، أو يؤدّي إلى تأخيره بحيث يُذهب فائدته وأثره، فهناك فرق بين التأني المعتمد على البحث والتقصي والنظر والمشاورة، وبين ذاك الذي سببه الكسل وعدم وجود الحرص والدافعيّة لإنجاز الأعمال وتحقيق التكاليف المطلوبة.
إنَّ التأنّي أمر متوسط بين التسرّع والخمول، وهو أمر نسبي ينبغي تقديره بناء على حال الشخص، والفعل المكلّف به، والظروف الراهنة، إلى غير ذلك من الأمور والاعتبارات.
إنَّ البعض قد اتّخذ من شعار التأني والتمهّل، أداة لقتل كل فكرة إبداعية، وكل مشروع طموح، وكل مبادرة جريئة، وما كل هذا إلاَّ لوجود الكسل الذي يحول دون الاطلاع والتحري والدراسة، ناهيك عن استخدامه كشمّاعة لتغطية صور القصور والإهمال والترهّل التي وصل إليها ذلك المُحبِط ذو الدور السلبي الهدّام. الأمر الذي ينشر في محيطه عوامل الضّعف والتراجع والانهزام.
إنَّ التأني ملازم لا ينفك عن التأمل والتفكير، وهو أساس التطوّر والتقدّم في الدَّعوات، وفي الصعيد الشخصي والأسري والاجتماعي، بشرط أن يحسن فهمه واستعماله، بالإضافة إلى صحة إعطاء الأمور حقها ونصيبها من التفكير والتأمل.