قالت لصديقتها: الحمد لله، لقد أكملنا للتو العام الخامس عشر من زواجنا..
أجابتها: ما شاء الله..لابد أنك تتحلّين بشيء من صبر أيوب!
قالت: الصَّبر مطلوب..لكن أستغرب تعليقك، وأنت ما تزالين "عروساً" في السنة الأولى من زواجك...
أجابت: نعم، لقد كنت أتوقع أنَّ الحياة "عسل" في عسل بعد مدَّة خطوبة مليئة بالذكريات الجميلة... وإذ بها ..!
قالت: ما هذا ! ... إنّي أسمع من صوتك تنهيدة حزن وقلق..
أجابت: وكيف لا؟ وفي كلِّ أسبوع لابد من مشكلة.. وفي كلِّ حوار لابد من ارتفاع للصَّوت واختلاف في الآراء..ما هذا.. لقد تعبت..
قالت: أهذه هي المشكلة فعلاً؟ أم أنَّ هناك ما لا تودين البوح به ؟!
أجابت: لا..هذه هي المشكلة.. وما أكبرها من مشكلة..هل هناك أكبر منها... لقد مللت من هذه الحياة.. لقد تزوجت لكي أستمتع وأرتاح!!
الله يسامحها أمي لو كانت قالت لي: إنَّ الزواج هكذا ما أقدمت على هذه الخطوة، ولبقيت حرَّة طليقة في بيت أهلي معزّزة مكرّمة.. أعمل ما يحلو لي ..وأخرج إلى حيث أريد..
قالت: لا تتعجلي يا غالية.. نعم، إنَّه زمن تسارع الأشياء والأوقات... ولكن احذري أن يكون زمن اتخاذ القرارات السريعة التي تنبع عن "تسرع" غير مدروس!
أجابت: وكأنك تعرفين ما أفكر فيه!
قالت: إنَّها السنة الأولى من الزواج...مليئة بالتجارب التي تصقل الشخصية وتهيّئ كل منكما ليكون سكناً ومودة للآخر.. ولن تكون الحياة كذلك إذا اعتبرنا كلَّ مشكلة هي آخر الدنيا، وهي المحك الذي يجعلنا نفكر في اتخاذ قرار بإكمال الحياة أو إنهائها...
أجابت: كلام في كلام...
قالت: لا..ليس كلاماً...بل هو الواقع..هل تتوقعين أنَّ الزيجات التي استمرت لعشرات السنوات كانت عسلاً من البداية؟! أم هل تتوقعين أنَّ هذه الزيجات استمرت تحت وطأة القهر والإجبار أو الضعف والذل؟!
أجابت: أتوقع أنَّ أغلبها كذلك! فما فائدة الحياة مع المشاكل؟!
قالت: لا يا حبيبة، تمهلي.. ولا تتعجلي في إصدار الأحكام والتعميمات..
يشكِّل الحوار السابق واحداً من الحوارات الأكثر شيوعاً مع المتزوجات في السنوات الأولى من الزواج... وتشير العديد من الدراسات في كثير من الدول العربية ارتفاع نسب الطلاق بين الشباب في السنوات الثلاث الأولى من الزواج، بل يتردد على مسامعنا الكثير من القصص والحكايات عن فلانة تطلقت بعد ثلاثة أسابيع، وأخرى بعد ثلاثة شهور ورابعة بعد سنة ونصف...
لا تتسرعا..تمهلا... وانظرا إلى الجانب المشرق من "لقائكما"... والجانب المبدع من "اختلافكما".. والجانب المثري من "تكاملكما".. وبعيداً عن بعض المشكلات الخاصة التي لها ما يبرِّرها من أسباب للطلاق يأتي "التسرع" وعدم القدرة على "التفاهم" وتحمل " الاختلافات" على رأس قائمة الأسباب التي تؤدّي إلى فشل الزيجات في بداياتها..
النيل..وتجربة أرضية
قبل أن يصبح نهر"النيل" بهذا الجمال الإبداعي الذي خلقه الله سبحانه وتعالى، ينبع أول ما ينبع على مجرييْن؛ النيل الأبيض والنيل الأزرق، ثم ما يلبث أن يلتقيا ليشكلا معاً نهر "النيل" بزرقته وصفائه وعذوبة مائه...
بين النيليْن منطقة خصبة للغاية، حيث يلقي كل "نيل" بما فيه على ضفافه، لتتشكل تلك المنطقة بخصوبتها لتنبت فيها أزواج شتى من النباتات من كل صنف ولون...تجربة أرضية في محاولة للتناغم والتقارب قبل الوصول إلى حالة "التوحّد" والتلاقي..
من النيل..عبرة
يأتي الزَّوجان من بيئات مختلفة..بعادات مختلفة...وتربية مختلفة ...وثقافة مختلفة...ويلتقيان في فترة الخطوبة ليعمل كل منهما على إظهار " أجمل وأفضل" ما فيه...وفي كثير من الحالات يعيش الاثنان "حالة" من الاندفاع العاطفي المرتكز على المشاعر أكثر من ارتكازه على "التفكير"، وتمضي مدَّة الخطبة غالباً دون سؤال "عقلاني" واحد يحدّد بعض معالم الحياة المستقبلية، وينشغل الاثنان في التجهيز للبيت بالأثاث وللعرس بالفقرات والأناشيد، وتخلو هذه "الرحلات" بين الأسواق والقاعات من حديث يؤسس لعلاقة تبادلية تحاورية تقوم على الاحترام والتقدير .
ينبغي على كلِّ "زوجين" أن يجعلا السنوات الأولى من زواجهما كالمنطقة الخصبة بين "النيلين" ليلقي كلّ منهما ما بداخله من خير، فيمتزج "الخيريْن" ويتناغما ويتكاملا إلى أن تتحقق حالة "الوحدة" والانسجام التام...ولا يكون ذلك بسنة أو سنتين..!!!
من نبتة "الصبّار" نتعلم...
تعدُّ القدرة على "التكيف" من أهم المهارات التي يحتاج إليها الزوجان في بداية حياتهما، وهذه القدرة لها توأم من الأخلاق الرفيعة النبيلة؛ وهو خُلُق "الصبر"..
فلن يتمكن من التكيّف من يفتقد القدرة على الصَّبر والمصابرة والتحمّل والنظر إلى الجانب المشرق من التجارب مهما كانت مظلمة!!
جمال العلاقة الزوجية لا يعني أبداً أن لا يكون في "الحياة" مشكلات أو عقبات...
جمال العلاقة الزوجية يتمثل في "تخطي" هذه العقبات والعمل على إيجاد حلول لتلك "المشكلات"، لتغدو كل "محنة" وضائقة "منحة" من أجل العبور عبر مضيق الحياة إلى سعة المشاعر المرتكزة على التفكير، وليس على "الثورة" العاطفية المحمومة نتيجة الطبيعة البشرية...
إنَّها همسة إليك عزيزي الزوج... وهمسة لك عزيزتي الزوجة...
لا تتسرعا..تمهلا... وانظرا إلى الجانب المشرق من "لقائكما"... والجانب المبدع من "اختلافكما".. والجانب المثري من "تكاملكما".. وللحديث بقية..