مهما بلغ شأو الدُّعاة اليوم سواء كانوا مخضرمين أو شباباً، فإنَّهم لا يستغنون عن محطّات للنقد الذاتي، ووقفات للتمحيص والتحليل لمسيرتهم وتجاربهم الدّعوية المختلفة، من خلال مراجعة المناهج والوسائل والطرائق المتنوعة، واكتساب الخبرات الجديدة التي تتطوّر آلياتها مواكبة لروح العصر، ويستمد الدَّاعية على مرّ العصور قواعد دعوته وأصولها مبادئها من المعين الذي لا ينضب، كتاب الله الكريم، يقول الله تبارك وتعالى:{ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. ( النحل:125).
فعلى هذه الأسس يرسي القرآن الكريم قواعد الدَّعوة ومبادئها، ويعيِّن وسائلها وطرائقها، ويرسم المنهج للرسول الكريم، وللدعاة من بعده بدينه القويم، فالدّعوة دعوة إلى سبيل الله، لا لشخص الدَّاعي ولا لقومه، فليس للدَّاعي من دعوته إلاَّ أنَّه يؤدّي واجبه لله، لا فضل له يتحدث به، لا على الدَّعوة ولا على من يهتدون به، وأجره بعد ذلك على الله .
ومن الكتب التي استخلصت من هذا الكتاب الكريم قواعد الدّعوة وأصولها، وجمعت أركانها مبادئها، كتابٌ لخبير في هذا المجال، ومفكّر ومنظر جليل لهذا الفن؛ إنّه كتاب ( الدّعوة .. قواعد وأصول)، للأستاذ جمعة أمين عبد العزيز.
مع الكتاب :
يقول الأستاذ مصطفى مشهور - رحمه الله - في تقديم الكتاب: "الدَّعوة إلى الله هي الوسيلة التي تفتح بها القلوب الغلف، والأعين العمى، والآذان الصُّم، وما أصعبها من مهمَّة تحتاج إلى كثير من الحكمة والدقة والصبر والخبرة، والدَّاعي الذي لا يتحلّى بهذه الصِّفات ربما تسبب أسلوبه في نفور المدعوين وزيادة انغلاقهم ".الدَّعوة إلى الله هي الوسيلة التي تفتح بها القلوب الغلف، والأعين العمى، والآذان الصُّم، وما أصعبها من مهمَّة تحتاج إلى كثير من الحكمة والدقة والصبر والخبرة
في فصل الكتاب الأوَّل، يقدّم الأستاذ جمعة أمين عبد العزيز معنى الدَّعوة ويستعرض ذلك الواجب الثقيل الذي حملته الرسل وأتباع الرسل وهم يقومون بدعوة الناس إلى الله وإلى الصراط المستقيم، ثمَّ يضع القارئ أمام الهدف الحقيقي من الدَّعوة الذي يسعى فيه إلى تأسيس المجتمع الإسلامي وإصلاح المجتمعات واستمرار الدَّعوة.
ويضع المؤلف خصائص هذه الدَّعوة المباركة؛ وما فيها من ربانية ووسطية وواقعية وأخلاقية وشمولية وعالمية وشورية وجهادية وسلفية الفكر والتصوَّر والاعتقاد، ومن أجل أن تنجح الدَّعوة تحتاج إلى فهم دقيق وإيمان عميق وحب وثيق ووعي كامل وعمل متواصل.
أمَّا الفصل الثاني، فخصّصه لعرض صفات للداعية إلى الله ، وبيَّن أنَّ على كلِّ داعية أن يتمثل بها ويجعلها أمامه حتى تصل دعوته ويتقبلها الناس ويكون قدوة أمام غيره وخاصة الصِّدق والإخلاص والرَّحمة والصَّبر والأمل والثقة بنصر الله، ثمَّ الفقه.
وفي الفصل الثالث: تحدَّث الأستاذ جمعة عن منهج الرسل في الدعوة إلى الله، مبيّناً أسس الدَّعوة في القرآن الكريم، والتي قامت على أمور ثلاثة وهي: الإيمان بالله والإيمان بالرسل والإيمان بالبعث والجزاء.
وفي الفصل الرَّابع يسطّر قواعد ذهبية لا بُدَّ للدُّعاة أن يقوموا باسترشادها، ومراجعتها بين الفينة والأخرى؛ منها: القدوة قبل الدَّعوة، والتأليف قبل التعريف، والتعريف قبل التكليف، والتدرج والتيسير، الأصول قبل الفروع، والترغيب قبل الترهيب، والتفهيم لا التلقين، والتربية لا التعرية...
يسطّر قواعد ذهبية لا بُدَّ للدُّعاة أن يقوموا باسترشادها، ومراجعتها بين الفينة والأخرى؛ منها: القدوة قبل الدَّعوة، والتأليف قبل التعريف، والتعريف قبل التكليف، والتدرج والتيسير، الأصول قبل الفروع، والترغيب قبل الترهيب، والتفهيم لا التلقين، والتربية لا التعرية...
وفي خاتمة الكتاب، يضع الأستاذ جمعة أمام الدَّاعية جملة من الأخطاء لاجتنابها والابتعاد عنها، كما قدَّم في المقابل مجموعة من الأمور والمتطلبات التي وجب على الداعية يجب مراعاتها في مسيرته الدعوية.
مع المؤلف :
جمعة أمين عبد العزيز من مواليد 1934م بمحافظة بني سويف.
حصل على بكالوريوس (الخدمة الاجتماعية) بتقدير جيِّد جدًا مع مرتبة الشرف عام 1961م.
عمل باحثًا بمحافظة الإسكندرية، ثمَّ رئيسًا لقسم البحوث، ثمَّ مديرًا لمباني المحافظة، ثمَّ رئيسًا لمجلس إدارة مدارس المدينة المنورة بالإسكندرية.
اعتُقل عام 1965م حتى 1971م، ثمَّ قُبض عليه عام 1992م لعدة أشهر.
عمل مديرًا للندوة العالمية للشباب الإسلامي بجدة في المدَّة ما بين 1981م و1985م
انضم للإخوان المسلمين عام 1951م، ثمَّ أصبح عضوًا للمكتب الإداري بالإسكندرية، ثم نائبًا لرئيسه في الثمانينيات، ثمَّ عضوًا لمكتب الإرشاد منذ 1995م.
يعدُّ أهم مفكري الجماعة والمؤرخ الرَّسمي للإخوان المسلمين له الكثير من الأطروحات السياسية والعديد من المؤلفات؛ مثل: ((شرح الأصول العشرين للفهم))، و((تاريخ جماعة الإخوان المسلمين))، والذي يعدّ الكتاب الوحيد الموثّق من قبل الجماعة لتاريخ الإخوان في مصر.
