في مراحل التربية فترات ذهبية يجب على الآباء الانتباه إليها، ففي هذه الأعمار فرصة ذهبية لاكتشاف قدرات الأطفال، ومن ثمَّ تنميتها على النحو المطلوب، و تبرز عند الطفل قدرات إجتماعية ذات أثر بالغ في حياته ما بين شهره الثامن وشهره الرَّابع عشر وهذه القدرات هي:-
1. الرُّجوع إلى الكبار للاسترشاد بهم ، أو لطلب معونتهم حين يعجز عن القيام بعمل بمفرده، ويتطلب منه مساعدة الغير.
2. يبدأ بالتعبير عن مشاعره وأحاسيسه للكبار ممَّن حوله، سلبية كانت أم إيجابية، تنم عن الشعور بالمودة والسرور، أم الشعور بالهم والقلق .
3. يشعر بالفخر والاعتزاز بكلِّ ما ينجزه.
4. يشغل نفسه بالجدي من اللعب، كما يشغلها أحياناً باللَّهو والعبث.
تبدو هذه القدرات الأربع جنباً إلى جنب مع النمط الاجتماعي الخاص الذي نما فيه وترعرع حين يبلغ الثالثة من عمره وحتَّى السَّادسة.
كما يتشكل النمط الاجتماعي ويتبلور عنده إيجاباً أو سلباً، تبعاً لنوع استجابة الكبار له خلال السنوات الثلاث الأولى من حياته، وهذا في حدِّ ذاته سبب يدعونا للقيام بكلِّ ما نقدر عليه ويقدر عليه الطفل ، فتتيح له الفرصة ليقضي معظم ساعات يقظته مع والديه وأجداده طيلة السنوات الثلاث الأولى من حياته حتى يتشكل، وبالأسلوب المناسب الذي نعده له، ومع أنَّ هناك حالات استثنائية بوجه عام، فإنَّ من يبلغ السَّادسة من عمره يكون أقرب من غيره وأقدر على تعزيز هذه القدرات عنده.
1. الرجوع إلى الكبار: إنَّ ظاهرة الرجوع إلى الكبار عند الطفل تدلّ على تقدّم في نموّه الاجتماعي ونجاحه فيه ، وتبدو هذه الظاهرة حين يبلغ الشهر الحادي عشر، فهو بعد أن كان يسعى لجلب اهتمام هذا الكبير وجذب انتباهه أصبح يرى أنَّه بحاجة إليه وأن عليه أن يطلب مساعدته في بعض الأمور التي يعجز عنها، وهو يعبّر عن ذلك إمَّا باستخدام الإشارة أو استخدام الصَّوت أو بكليهما معا، ومن المحتمل حين يناهز الشهر الحادي عشر أن يتقبل الكبير ونقيمه دون أن يطلب منه ذلك، وبعد أسابيع يبدي له غضبه منه، ويعني ذلك أنَّهم في بداية حياتهم لا ينظرون بأعينهم، وأن غضبهم لا يتبعه تصرف ما، لكنَّه في شهره الحادي عشر يوجه الغضب مباشرة إلى الكبير وخاصة إذا حاول أن يكرهه على أمر لا يريده ولا يرغب فيه.
2. الافتخار والاعتزاز بإنجازاته: معظم الأطفال يستطيع أن يجلس باعتدال ما بين الشهر الثامن والثاني عشر أو أن يقفوا أو يمشوا أو يمسكوا بأشياء وأدوات معيّنة، وكلّ إنجاز لهم من هذا القبيل يتطلب الممارسة وبذل الجهد، كما أنَّ نجاح الطفل في أيّ ميدان يوفر له الفرصة لنمدحه ونثني عليه ونتبعه بكلمات تشجيعية قد يصحبها هتاف أو تصفيق ، والطفل يدرك تمام الإدراك أنَّ لديه مثل هذه الخبرة والممارسة، وأنَّه يستحق التشجيع، فقد يستدير نحونا تعلو ثغره ابتسامة عريضة فنبادله الابتسام، وقد ينظر إلينا وهو يهتز طرباً ليقرأ ما على وجوهنا من ملامح وتعبيرات، وقد يقوم هو بالرقص ودق القدمين إيذاناً بوجوب أن نتدخل فنصفق له ونهتف أو نأخذه بين أيدينا أو نربت على جسده إقراراً منَّا بمقدرته، وتقديراً لإنجازاته ونجاحه، ولا شك أنَّه يعي بعقله أن مظاهر البهجة والفرح هي له وليس لشخص آخر ، ثمَّ يأخذ الطفل بتمثيل الأدوار والأشياء من حوله وكأنَّها أدوات حيَّة؛ كأن يستخدم الهاتف ونضعه على أذنيه، وكأنه حقيقي وقد يقوم بتقليد ما يراه من أعمال منزلية يقوم بها الكبار، وهذا التقليد أمر شائع في تصرفاته وسلوكه خلال الشهور الأخيرة من عامه الأوَّل، لكنّه يقوى ويشتد خلال العام الثاني من حياة الطفل.
دروس مهمَّة : يواجه الطفل ثلاثة دروس اجتماعية ذات أهمية ما بين شهره السابع والرَّابع عشر؛ وهي:
أ- يتعرف على الآثار التي يخلفها تغيّر نبرة الصوت وشدّته ودرجته، وكذلك بالنسبة للبكاء.
ب- يكتسب في هذه المرحلة طباعاً وعادات حسنة وأخرى سيّئة .
ت- الإصرار على تنفيذ ما يدور برأسه والسَّير على خط معيّن رسمه هو.
الآثار المترتبة على تغير نبرة الصَّوت شدَّة وضعفاً:
يشعر معظم الأطفال ما بين الشهر الثامن والثاني عشر طريقهم نحو إنجازات متوالية تبعاً لقدراتهم على التحكم بأبدانهم والسيطرة عليها، والمقصود هنا هو المهارة الكبيرة في استخدام العضلات وبخاصة قدراتهم البصرية واليدوية والتي يطرأ عليها تحسن ملحوظ في هذه المرحلة من حياتهم، حيث يكتسب الطفل عادة في شهره السَّابع نوعين مهمَّين من القدرة المركبة، وبعضهم يمتلكها قبل ذلك، وبعضهم بعده بعدَّة شهور.
والقدرة الحركية الأولى التي تنشأ عنده هي قدرته على أن يجلس بنفسه جلسة صحيحة ودون مساعدة من أحد ، وهو أمر يبعث على الإعجاب.
أمَّا القدرة الثانية، فهو قدرته على التحرّك داخل غرفته والتنقل في مختلف أرجائها، ومن هنا فصاعداً يطرأ تغيّر دراماتيكي ملحوظ على جميع أجزاء الجسم، إن الحبو هو النموذج الشائع في التنقل والحركة في هذه المرحلة العمرية ، وقد يستعمل بعض الأطفال قدرته على هذا التدحرج من مكان لآخر ما دام لا يستطيع المشي، والواضح أنَّ رغبته للإطلاع والاستكشاف تكون قويّة، كتفحص كل ما تصل إليه أيديهم واستكشاف كل ما كان قريباً منهم شريطة أن يتيح لهم الفرصة للقيام بذلك ولا يمنعهم منها.
وفي الشَّهر التاسع تبدو عند الطفل القدرة على الصُّعود بعد أن يمسك بشيء يساعده على ذلك، فيصل إلى حافة الطاولة مثلاً أو الكرسي، وفي الشهر العاشر يستطيع أن يستند على شيء ما يعينه على الوقوف ثمَّ الجلوس ثانية على الأرض دون التعرض للأذى أو السقوط، وحين يبلغ منتصف الشهر العاشر يبدأ بالتنقل من مكان إلى آخر داخل الغرفة أو الحيز الذي يكون فيه ومع أن هذه المهارات لا ينالها التغيير عادة وكذلك العديد ممَّا ينمو عنده ويتطوّر خلال سنواته الثلاث الأولى إلاَّ أنَّ مدى هذه المهارات يختلف من طفل إلى آخر، ومن معادلة إلى أخرى، وليس هناك داعٍ للقلق إذا ما تأخّر الطفل في المشي.
إنَّ سلسلة الإنجازات التي تتعلَّق بحركات الجسم والسيطرة عليه أمر ليس سهلاً على الرَّضيع؛ إذ يحتاج ذلك إلى ممارسة كبيرة ، وقد يلحق الطفل جراء ذلك إصابات عديدة في جسمه وإن كانت في معظمها بسيطة لا يدوم فيها الألم طويلاً، ولا يقتصر القصور عند الطفل على فقد التوازن فحسب، وإنَّما أيضاً يلحق قدراته على إصلاح ما يقع فيه من خطأ وبالسرعة المناسبة وفي الوقت المناسب، ويتعرّض كل طفل لهذه الحالات إذا كان قادراً على التنقل والحركة داخل الغرفة سواء كان يحبو أم يحاول المشي ولم يملك زمامه بعد، وقد يبكي ويصرخ جرَّاء هذا الخوف الذي يلحقه أكثر من الألم نفسه ، وعلينا أن نسرع إلى معالجة الأمر معه في كلّ الحالات، واستجابة الكبار تكون على نوعين:
أ- الإسراع في الاستجابة : فمن اللحظة الأولى التي نسمع فيها بكاءَه، نترك ما بأيدينا لنحمله بين ذراعينا، ونحاول التخفيف عنه إذا ما لحق به مكروه وإزالته ، وفي مثل هذا التجاوب إذا كان الأمر لا يستدعي مثل هذه السرعة، وهذا الاهتمام قد يقطع رغبة الطفل في الاستكشاف.
ب- التلكؤ في الإستجابة : وخاصة حين نتأكد أنَّ الطفل لم يلحقه مكروه يستدعي الإسراع، وتكفي هنا الإشارة من بعد، أو إسماعه كلمات تنم عن الود والحنان للتخفيف عنه والعمل على تهدئته ، فإذا استمر في بكائه رغم ذلك، نتناوله بين أيدينا ونكرّر المحاولة.
وهناك آباء يسرعون في الاستجابة لأطفالهم مهما كانت الأمور وتحت كل الظروف، وكل أب من هذا النوع يكون في الغالب عصبي المزاج أكثر من المعتاد ، شديد الحرص على سلامة الطفل، إنَّ الأب الذي يسرع في الاستجابة لطفله عند كلِّ صرخة بالتقاطه واحتضانه والتسرية عنه خاطره بغض النظر عن الحالة سيجد نفسه يعيش مع طفل سرعان ما يبكي ولأقل سبب، ويبدو عليه الحزن وبشكل أكبر ممَّا يبدو على غيره ، والواضح أن مثل هذا السلوك قد نشأ عنده خلال الشهور الخمسة الأولى من حياته ، حيث يتكرَّر عنده التذمر والشكوى كلَّ يوم ، وهذا أمر لا يبعث على الارتياح حتى عند الطفل نفسه، كما يميل هؤلاء الأطفال إلى المغالاة في كل ما يحدث لهم في حياتهم ويهوّلون الأمور.
• مراجع للاستزادة:
• كتاب مع الأطفال في طفولتهم- محمد عبد الرحيم عدس
• كتاب أساسيات علم النفس التربوي – عبد الرحمن عدس ومحي الدين طوق
• رياض الأطفال – محمد عبد الرحيم عدس